الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 7th June,2004 العدد : 62

الأثنين 19 ,ربيع الثاني 1425

مؤتمر الحوار الوطني..
وما تريده المرأة السعودية
أمل عبد الله زاهد
يسطح كثير من الناس مشكلة المرأة السعودية بأوجهها المتعددة من ثقافية واجتماعية وسياسية، ويختزلونها في شكل قيادة السيارات، وممارسات شكلية أخرى.. بينما تبقى حقيقة المشكلة أعمق وأكثر تجذراً مما يحاول بعضهم تصويرها.
تقف اشكاليات هذه القضية كجدار شائك صعب الاختراق، وتضرب بجذورها في تربية العقلية السعودية، وتلتف بشباكها على وجدان الانسان السعودي وتكوينه، لتحيل كثيراً من الأعراف والعادات والتقاليد إلى مقدسات لا يمكن المساس بها، وترفض مجرد الاقتراب من حدودها وسياجاتها.
وبينما ترتفع أصوات الرغبة في التغيير والتطوير عالية، ويتعالى الضجيج بالنسبة لوضع المرأة السعودية والدور الذي يتحتم عليها أن تلعبه في ظل المتغيرات الجديدة التي تعصف بنا وبالعالم من حولنا، تتجدد الرغبة في الحديث عما تريده المرأة السعودية من الحوار الوطني الثالث والذي تشكل قضيتها أحد محاوره الأساس همومها.. وشجونها.. أحلامها.. رؤاها.. طموحاتها، وما يؤرقها بالنسبة لوضعها الذي ما زال يراوح مكانه منذ مدة غير قصيرة من عمر الزمن.
ولا يخفى على أي مهتم بالشأن العام أننا نعاني من احتقان اجتماعي وبارنوايا فكرية إذا ما تعلق الموضوع بالمرأة، فترتعد فرائص الجميع فرقاً من أي تغيير قد يمس ما تعارفوا عليه بشأن المرأة، فتشهر السيوف وتشحذ الأسلحة، ويلقي المتهمون بما في جعبتهم من تهم في وجه كل من يحاول أن ينادي بتفعيل دور المرأة سياسياً واقتصادياً وعملياً واجتماعياً. وأقوى هذه الأسلحة بالطبع هو الخطاب الثقافي السائد الذي يتعسف الكثيرون في قراءته ليحولوه إلى وسيلة لاقصاء المرأة عن دائرة الفعل، وتهميشها, وتغييبها عن الحياة العامة.
ومن أشد هذه الأدوات قوة ومضاء هو التخوف من الفساد الاجتماعي الذي من الممكن أن يجلبه في معيته حضور المرأة بصورة جديدة لم يألفها المجتمع السعودي من قبل. وكأننا عندما نتحدث عن هذا المجتمع الذي يحاول البعض أن يصور أن له أطراً شديدة الخصوصية وكأنما هو لا ينتمي إلى باقي المجتمعات البشرية نتحدث عن مجتمع افلاطوني يوتوبي تتمثل فيه كل مقومات المدينة الفاضلة. بينما الحقيقة تقول أنه مجتمع بشري نمطي تقليدي، كباقي المجتمعات فيه الخير والشر، الفضيلة والرذيلة، التقوى ومخافة الله وضعف الوازع الديني والخلقي جنباً إلى جنب، سواء خرجت المرأة إلى العمل أم مكثت في بيتها، وسواء فُعل دورها أم بقي كما هو عليه، وسياسة العصا تخلق أفراداً مزدوجي الشخصية، يمارسون في الخفاء ما يرفضونه ويستنكرونه في العلن, وأنهم سرعان ما يتحللون من أي وازع ديني أو رابط أخلاقي إذا ما تخلخل حاجز الرقابة والمنع الذي يحيط بهم, ولك أن تشاهد بأم عينيك ما يحدث في مدن (التصييف) العربية منها أو الغربية من ممارسات تعفها النفس, ويستنكرها الدين, وتستهجنها الأخلاق السوية من بعض من ينتمون إلى الشعب السعودي.
في اعتقادي ان من أهم القضايا التي يجب أن تناقش في المؤتمر هو توفير فرص عمل جديدة للمرأة السعودية، فكما هو معروف أن مجال العمل للمرأة السعودية محصور فقط في فرعين وهما التعليم وممارسة الطب والتمريض، أما باقي المجالات الأخرى فلا تزال أبوابها مغلقة أمامها إلا بصورة محدودة ولا يمكن اخضاعها لتقييم فعلي، كما هو معروف أيضاً ان نسبة القوة العاملة للمرأة في السعودية هي 6% فقط. ففتح مجالات جديدة للمرأة سيساهم إلى حد كبير في انتزاعها وجذبها من دائرة معينة فرض عليها الدوران فيها, ويقحمها في الشأن العام, ويجعلها تخرج من نطاق اهتماماتها المسيجة بعالمها الصغير إلى عالم أكثر رحابة واتساعاً, ويبعدها عن مهاوي التفاهة التي تنحدر إليها غالباً، لان الاناء يجب أن يمتلأ بالمفيد حتى لا يملأه الغث والتافه من الأمور. ولا يعني هذا اننا نبخس دور المرأة الأصلي وهو تكوين الأسرة وتربية الأطفال وتنشئتهم, أو نحاول التقليل من شأنه، فبين أطر هذا العالم الصغير ترتسم صورتها الأصلية، وتكمن مهمتها المقدسة، ولكن تحقيقها لذاتيتها وكيانها سيدفعها إلى المزيد من العطاء لكيان اسرتها الصغيرة، وبالامكان دائماً القيام بعملية توفيقية بين عملها وبيتها حتى لا يفتئت احدهما على الآخر، ويبقى الاهتمام بالأسرة والأطفال هو أول أولوياتها.
وعمل المرأة أيضاً يوفر لها الأمان الاقتصادي، والذي بالتالي يمنحها القدرة على رفض الظلم الذي قد تصب عليها حممه أحياناً من أقرب المقربين إليها، المتلفعين بثوب القوامة التي فرضها الله عليهم كتكليف أكثر من كونها تشريف، فتبتلع الظلم وتستمرئه لعدم قدرتها على تأمين نفسها مادياً. وهناك الآلاف من القصص التي تدور في رحى الظلم الاجتماعي الذي يمارس ضد المرأة، والتي يشيب لها الولدان وتتمزق من أثرها نياط القلب.
هناك الكثير من الأمور يلتبس فيها الديني بالاجتماعي, ويكون في أحيان كثيرة مسوغاً لممارسة الظلم وفرض القيود على معاملات المرأة مع المحيط الخارجي، ومنها قضية الولي التي يحاول بعض الرجال استغلالها ولي ذراع المرأة بها. وهناك قصص كثيرة توضح لنا كيف يستغل الرجل حقه في الموافقة على عمل زوجته باجحاف وتجني عند حدوث أية خلافات بينهما، أو حتى لممارسة أمر يراه هو من أبسط حقوقه وهو التسلط عليها، وذلك لمجرد التنفيس عن مشاعر احتقانية أو لتضخيم ذاته. ومنها على سبيل المثال لا الحصر قصة نشرتها جريدة الشرق الأوسط عن سيدة اربعينية اختلفت مع زوجها وخرجت إلى بيت والدها طالبة الطلاق، وعندما ذهبت السيدة إلى عملها في اليوم التالي، سقط على رأسها كالصاعقة خبر فصلها من عملها نتيجة لتقديم الزوج طلباً يمنعها فيه من العمل، ومن أعجب المفارقات أنها هي التي كانت من يقوم بشؤون المنزل الاقتصادية ويتكلف بطلباته المادية.
كما يستغل البعض مسألة الولي في منع سيدة راشدة عاقلة من السفر لتدبير شؤونها وتحقيق مصالحها، وقد يأتي هذا المنع من حدث صغير السن قد يكون ابناً لها، فرضت عليها ظروفها الاجتماعية ان يكون ولياً لها، أو أخ سولت له نفسه المفعمة بالضعف الانساني ان ينتقم من أخته التي لا يستطيع أن يضاهيها علماً وثقافة ومكانة اجتماعية، كما ان الولاية قد تمكن الرجل من استغلال المرأة مادياً والتصرف في أملاكها من دون وجه حق.
وضع قانون للأحوال الشخصية، يواكب التغيرات الاجتماعية التي يصطخب بها مجتمعنا سيحمي المرأة من الكثير من المظالم التي تقع على رأسها وينوء بها كاهلها، ومنها قضية ظلم ذوي القربى والتعسف في استغلال حق القوامة, واستغلال الولي للحقوق الممنوحة له كي يجحفها حقها في التصرف بممتلكاتها أو حرمانها من العمل.
على أن يكون هذا القانون مستمداً من الشريعة الإسلامية السمحة، ومشتقاً من قيمها الأصيلة التي ترفض الظلم، ولا ترضى أن يمارس على القوارير اللواتي أوصى بهن الرسول صلى الله عليه وسلم خيراً في خطبة الوداع، ويجب أن تراعى في هذا القانون حقوق الكثير من شرائح النساء وخاصة المطلقات، اللواتي قد يتركن بعد سنوات طويلة من الزواج من دون أي عائد مادي يكفل لهن حياة كريمة. كما يجب أن يُعنى بالاشراف على تنفيذ أحكام المحكمة الخاصة بما بعد الطلاق، كالسماح للمرأة بحضانة اطفالها، أو تمكينها من رؤيتهم حال تنفيذ الطلاق، إذا ما قررت المحكمة حضانتهم للوالد. فواقع الحال يقول أن هناك الكثير من التجاوزات التي يضرب فيها بحكم المحكمة عرض الحائط، وتلعب الاحقاد الشخصية والنزعات البشرية دورها في حرمان الوالدة أو الوالد من رؤية ابنائهما، من دون القاء اعتبار لما قد يحدثه هذا الفعل من شروخ في نفسيات الأطفال الذين يشكلون ثمرات ذلك الانفصال.
أتمنى أن تشارك في هذا المؤتمر المرأة البسيطة، وان يسمع صوتها وان نسمع أيضاً صوت الفتاة الشابة فيه، وأن تتحدث عن طموحاتها وآمالها ورؤاها, وقبل كل هذا وذاك، أتمنى ألا تبقى محصلة المؤتمر وتوصياته حبراً على ورق، وملفات يعلوها التراب والغبار، وثماراً فجة لا تؤتي أكلها.


* باحثة وكاتبة سعودية
amalzahid@hotmail.com

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
قضايا
تشكيل
مسرح
ذاكرة
مداخلات
الملف
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved