الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السياراتالجزيرة
Monday 07th August,2006 العدد : 165

الأثنين 13 ,رجب 1427

تموت وهي على أقدامها الشجر وداعاً أبا إبراهيم
د. عبدالرحمن السماعيل *

لم أدر أنها وقفتي الأخيرة أمامه، وأنها آخر مرة أراه فيها. كان ذلك يوم الأربعاء 19-7-2006م حين وقفت أمام جسده الناحل المسجى على السرير في غرفة العناية المركزة وهو في غيبوبة كاملة. وقفت أمامه أتأمل وجهه الشاحب بصمت ورهبة، وكأنني قد نسيت وجها اختزنته في ذاكرتي أكثر من أربعين سنة. يا إلهي! هل هذا هو عبدالرحمن البطحي.
لم أكن أن النهاية قد اقتربت، وإن كنت أحسست بشيء من ذلك حين رأيت الأطباء يحيطون به محاولين إيقاف النزيف المفاجئ، خرجت من غرفة العناية، بل أخرجت، ووقفت جامدا في مكاني وراء زجاج الغرفة أتأمله وكأنني أخشى أن تضيع ملامحه من ذاكرتي التي لجأت إليها لأستعيد شريطا من مواقف الحياة والذكريات منذ أن كنت طالباً في المرحلة الابتدائية في المدرسة العزيزة بعنيزة.
خرجت من المستشفى أنا والأخ العزيز الأستاذ إبراهيم التركي وبقيت ذلك اليوم مقبوض النفس مهموما لما رأيته ولم أكن أعلم أنها ساعات قلائل تفصلني عن اتصال الأخ إبراهيم التركي يوم الخميس 20-7-2006م ليخبرني بالنبأ الذي كنا نخشى سماعه، حينها تماسكت في مكاني وقلت: {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ} وتذكرت قول أوس بن حجر:
أيتها النفس أجملي جزعا إن الذي تحذرين قد وقعا
عبدالرحمن البطحي اسم ارتبط بحياتي ومسيرتي التعليمية وتكويني الثقافي والفكري منذ أن كنت في المرحلة الابتدائية، حين كان يدرسنا الرياضيات وقويت علاقتي به أكثر حين أصبحنا جيرانا في السكن في عنيزة، فقد كنت أراه يومياً وأمشي معه إلى المسجد وأقف معه طويلا بعد الانتهاء من الصلاة قبل العودة إلى البيت وكان يخصني باهتمامه ورعايته حين لاحظ اهتماماتي الثقافية والشعرية، فعرفت أشياء كثيرة منه في تلك السن المبكرة، وكان لها دور كبير في تكويني الثقافي واتجاهي التعليمي.
كان بيته في حارة المسهرية بعنيزة في الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين منتدى ثقافياً وأدبيا، وبابه كان مفتوحاً يومياً بعد صلاة العشاء يلتقي عنده كل أطياف المجتمع بمختلف اهتماماتهم. وقد انتقل هذا المنتدى الرائع إلى مزرعته (مطلة) بداية الثمانينيات، وكان مجلسه يبدأ قبيل صلاة المغرب من كل يوم ويمتد إلى ما بعد العشاء، وكان يدور في تلك اللقاءات نقاشات طويلة في كل الاهتمامات تكشف عن سعة اطلاعه على مجالات الفكر والثقافة العربية القديمة والحديثة، والثقافة الشعبية وتاريخ الجزيرة العربية. كانت فرحته لا توصف حين يلتف حوله تلاميذه في الأعياد، بعد أن كبروا في أعمارهم ومراكزهم الرسمية، وقد جاؤوا من كل ناحية في المملكة للسلام عليه والاستمتاع بأحاديثه ونقاشاته الرائعة.
عبدالرحمن البطحي اسم ارتبط بالحياة، فتلاميذه وأصدقاؤه ومحبوه لن يسمحوا بغيابه، وسيظل هذا الاسم رمزا لثقافة أجيال متعاقبة من أبناء عنيزة.
يا ابا إبراهيم، حكايتي معك طويلة جداً، فماذا أقول عنك وعني؟
جرح فقدك عميق في نفسي، والألم يحول بيني وبين الكتابة عنك بما تستحقه من تلميذ طالما افتخرت به وآثرته بحبك ورعايتك واهتمامك.
فإلى جنة الخلد إن شاء الله.


* كلية الآداب - جامعة الملك سعود

الصفحة الرئيسة
عدد خاص
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved