الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السياراتالجزيرة
Monday 07th August,2006 العدد : 165

الأثنين 13 ,رجب 1427

(تبكيكَ المُطِلَّةُ ويبكيكَ كلُّ محبّ)
إبراهيم بن صالح الزامل الصغير *
فاجأني النبأ المحزن بوفاة أستاذنا المربي (عبد الرحمن البراهيم البطحي) رحمه الله رحمة واسعة، وألهم إخوانه وذويه ومحبيه الصبر والسلوان.
ماذا أكتب وهناك مَن هو أقدر مني على الكتابة والتعبير عما تكنه النفس من لواعج الحزن والأسى؟! لكنني أجدني مدفوعاً بقوة أن أعبر عن شعوري تجاه ذلك العَلَم البارز (ابن عنيزة البار)، لعل في ذلك بعض الوفاء من أحد تلاميذه.
حكم المنية في البرية جاري
ما هذه الدنيا بدار قرار
بينا يُرى الإنسان فيها مخبراً
حتى يُرى خبراً من الأخبار
وإذ أبكي أبا إبراهيم فإنما هو بكاء القلب وإن جرى الدمع، وهو ما عناه أبو الطيب المتنبي:
بادٍ جواك صبرت أم لم تصبرا
وبكاك إن لم يجرِ دمعك أو جرى
كم غرّ صبرك وابتسامك صاحباً
لما رآه وفي الحشا ما لا يرى
أمر الفؤاد لسانه وجفونه
فكتمته وكفى بجسمك مخبرا
الجوى: شدة الوجد من الحزن.
أما معرفتي به فلا تعدو معرفة الطالب الصغير بمدير المدرسة ذاته خلال الدراسة (عمل البطحي مديراً للمدرسة العزيزية - الملك عبد العزيز حالياً - بدءاً من عام 1383هـ حتى تقاعده المبكر بتاريخ 1-4-1412هـ).
ولا تزال ذاكرتي تعي الرابطة القوية التي تربطه بوالدي صالح الزامل رحمه الله؛ فقد كانت صداقة حميمة إطارها التقدير والاحترام المتبادل، ومجالها - في الغالب - المجالس الأدبية التي كانت تُدار آنذاك بين أقطاب الأدب والشعر في مدينة عنيزة واسطة العقد، فيهم الشاعر والراوية المشهور عبد الرحمن بن إبراهيم الربيعي رحمه الله. هذه المجالس هي التي عناها الربيعي بقوله:
دار خذت عن غيرها التاج توضيح
لا ناموا المخلوق يحيون ليله
بسوالف يطرب لها البال ويريح
إلى قضى زامه تكلم زميله
ناس إلى ما طفين المصابيح
أحيوا دجاها بالعلوم الجميلة
كان هذا خلال السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات الهجرية. وكان البطحي إذ يحضر تلك المجالس يعتبر من جيل الشباب قياساً إلى أولئك الشيوخ الذين يكبرونه في السن بأكثر من ثلاثين عاماً وما يتبع ذلك من حكمة الشيوخ وتجاربهم الطويلة في الحياة.
ثم انقضت تلك السنون وأهلها
فكأنها وكأنهم أحلام
أما إذا جئنا إلى الكلام عن منتدى البطحي الثقافي المفتوح يومياً في مزرعته التي أطلق عليها (المطلة)؛ لأنها تطل على ما حولها من مزارع من فوق ربوة مشرفة، فيبدأ الحضور بتقاطر المحبين لأستاذنا إلى مزرعته قبيل أذان المغرب، وبعد الفراغ من الصلاة يبدأ المنتدى حتى أذان العشاء الآخرة.
ويُلاحظ أن هناك حضوراً موسمياً (خلال الإجازات الرسمية)، ونعني بهم الفئة النخبوية الأكاديمية المثقفة من أهالي مدينة عنيزة وغيرها الذين هم مستقرون في مدينة الرياض في الغالب.
ولا بد للمرء حينئذ أن تأسره المواهب العديدة التي امتاز بها البطحي بدءاً بشخصيته القوية المؤثرة وبصوته الجهوري العميق ذي النبرة الواثقة عندما يتحدث ويدلي بأطروحاته في الأدب والتاريخ والثقافة بوجه عام، ولا نبالغ إذ قلنا: حتى مجال العلوم البحتة التطبيقية.
لم يعدُ الحقيقة مَن وصفه بالمثقف الموسوعي، ومؤرخ عنيزة وراويها الشهير، والأديب الشاعر المؤرِّخ، والفيلسوف.
رحم الله أبا إبراهيم وغفر له وتجاوز عنه. وإنا لله وإنا إليه راجعون.


* محاضر في كلية المعلمين

الصفحة الرئيسة
عدد خاص
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved