الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السياراتالجزيرة
Monday 07th August,2006 العدد : 165

الأثنين 13 ,رجب 1427

وثيقة عنيزة
عبد الرحمن بن محمد المقبل*

قليلون هم مَن تُفرد لهم صفحات الجرائد ملحقاً يجمع شتات المشاعر التي يتبناها الفكر وتنميها الذاكرة حتى تشحن القلم لكي يرثي معلماً ومربياً وباحثاً وأديباً في حجم الفقيد عبد الرحمن بن إبراهيم البطحي، فلا يجد هذا القلم حبراً يتناسب مع عطاء هذا الرجل، ويرتقي التعبير عندما يكون المعلم والباحث هو المعني، فهو الذي تعلمنا منه، تعلمنا من أبي إبراهيم رحمه الله الكثير، وعلى أكثر من مستوى ومجال، فلقد تعلمنا منه أن الإنسان كتلة من المشاعر والمبادرات التي يحركها الفكر وتتطور بتطوره وتشتد بنمو المعرفة وتقوى بمزيد من البحث والتحري والتجربة. كما تعلمنا منه أن التاريخ والتراث وثيقة البشر يرجع إليها كل من نشد الاعتبار ومضى في سبيل صياغة المستقبل، وتعلمنا منه أن العلم يستتر بلباس التواضع والصبر، وأن المحاولة والعزيمة هي البذرة التي نزرعها لنقطف ثمار العطاء، تعلمنا منه حب الوطن واحترام مقدراته وإنجازاته وتاريخه وبذل الاحترام لأوطان الآخرين حتى يسود السلام وينحسر الظلم، كما تعلمنا أن الحوار والنقاش أجدى وسائل التواصل، وأن الاتصال بالناس ينقطع متى سادت أجواء الغرور والتعالي، فلقد كان مجلسه مجلس (مطلّة) مقصداً للجميع على اختلاف مداركهم وإنجازاتهم، كما تعلمنا منه أن التفاخر بمآثر الآباء والأجداد حق للأحفاد ما دام أنه لا يتبنى السخرية من مآثر الآخرين أو التقليل من إنجازاتهم، بل كان ينادي بسمو روح الاحترام المتبادل والتكامل بين المعطيات. ولقد تعلمنا منه تقدير كبار السن واحترام تجاربهم، فلا يكاد يخلو مجلسه من سرد يومي لكثير من الأحداث التاريخية التي جرت على بعض الرواد مما يذكره المرحوم نفسه أو مما يسرده زوار مجلسه، كما تعلمنا منه الرفق بمن هم على الدرجات الأولى من سلم البحث العلمي وحب الاعتناء بهم ومحاولة تطوير قدراتهم، ولا غرابة فهو الباحث الذي أمضى حياته في تغذية فكره بالمزيد من المعرفة والبراهين التي كانت كثيراً ما تلازم تعاليله وقصصه التراثية والأدبية، وهي النتيجة الطبيعية لشخصية الرجل المحب للحوار، فكثيراً ما كانت آيات الفرقان وأشعار وأمثال العرب والتجارب المنقحة لحكماء التاريخ خاتمة لكل فكرة كان يتناول نقاشها. لقد تعلمنا منه أهمية الوثائق والتوثيق كي لا يقف على أرض زلقة، حتى طاب لي أن أسمِّيه (وثيقة عنيزة). ولقد أدرك كل من عرفه أن الإنسان يسمو بعطائه، وأن العلم لا تحتكره الشهادات، بل هو بحر مفتوح يغرف منه كل متعطش إلى المعرفة، وأن الظواهر تبدأ بهدوء ومن ثم تتضخم وتتسع وتؤثر ثم تذهب بهدوء.. فإلى جنة الخلد يا أبا إبراهيم، وشكراً لوفاء صحيفة (الجزيرة) لهذا الرجل.


* عضو الجمعية السعودية للعلوم النفسية والاجتماعية

الصفحة الرئيسة
عدد خاص
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved