الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السياراتالجزيرة
Monday 07th August,2006 العدد : 165

الأثنين 13 ,رجب 1427

عبدالرحمن البطحي كما عرفته
أسرة طيبة وسيرة كريمة
فائز بن موسى الحربي *

في يوم الخميس الموافق 24-6- 1427هـ اخترمت يد المنون من ضمن من اخترمت في ذلك اليوم الأستاذ والمربي والراوي والمؤرخ عبدالرحمن بن إبراهيم البطحي، بعد عمر ناهز الـ 65 عاماً قضى معظمها قارئاً ومستمعاً ومعلماً وراوياً حتى رسم لنفسه تلك الصورة البيضاء، وأوجد لنفسه تلك المكانة الاجتماعية المتميزة التي جعلت فقده أكثر إيلاماً لأقاربه ومحبيه وتلامذته، ورواد مجلسه الأدبي الذي كان مقصداً لمحبي الأدب والتاريخ ومحبي عبدالرحمن البطحي، والذي اختار له مكاناً ريفياً في مزرعته (مطلة) التي لها من اسمها نصيب، فهي أرفع مزرعة في منطقتها الواقعة غربي مدينة عنيزة، فهي تطل على مدينة عنيزة وضواحيها الخضراء إذا مد الجالس فيها نظره إلى جهة الشرق، وتطل على وادي الرمة ومزارعه للناظر باتجاه الشمال، وترمق من بعيد كثبان الغضاء للناظر جنوباً. وعلى بساطة ذلك المجلس وشعبيته فقد كان ملتقى لعلية القوم من المثقفين والمسؤولين وأرباب الفكر والقلم، خصوصاً من أبناء عنيزة الذين نأت بهم عنها ظروف الدراسة والعمل، فصارت زيارة مجلس أبي إبراهيم جزءاً من برنامج زيارة مسقط الرأس وبلد الأصل والمنشأ، بلدة عنيزة العريقة الجميلة.
وحبب أوطان الرجال إليهم
مآرب قضاها الشبابُ هنالكا
أما سر الجاذبية مجلس مطلة، أو الملتقى الأخوي الأدبي فلم يكن مجرد البحث عن المتعة الأدبية والنقاشات الثقافية، ولكنه شخصية صاحبه الفريدة وما حباها الله به من صفات النفوس وترتاح لها، ومن تلك الصفات التواضع والبشاشة والأريحية مع البساطة وعدم التكلف أو التصنع الذي لا يعرف إلى أبي إبراهيم طريقاً، كما قيل فإن قل الكلفة يزيد الألفة.. ولا شك أن تلك البساطة وتلك الأريحية وذلك الكرم الخلقي تشكل من نشأة طيبة في أحضان أسرة كريمة تتميز بأخلاق إسلامية وعربية كريمة في مقدمتها التراحم والترابط وحسن الأخلاق، وهي أخلاق تدل على صفاء وعراقة، واحتكاك مع كرام القوم من الحاضرة والبادية. وكثيراً ما سمعت من أبي إبراهيم عن علاقة والده بالبادية ورجالها من أعيان القبائل المحيطة بعنيزة التي كان لها الريادة التجارية في أسواق المنطقة حتى منتصف القرن الرابع عشر الهجري تقريباً، فكان منزل والد الفقيد مقصداً لكثير من رجال البادية بعد صلاة كل جمعة، يلتقون فيه بعد تسويق بضائعهم وبعد أداء الصلاة بضيافة صديقهم إبراهيم البطحي، فكان ذلك المجلس محطة لأخبار البادية وقصصها التي غالباً ما تكون مدار حديث ذلك النوع من المجالس، وكان الصبي الذكي عبدالرحمن البطحي يستمع إلى تلك الأحاديث والأشعار ويتابعها بعناية.. وبعد ذلك يرحل إلى لبنان ويدخل إلى عالم القراءة والثقافة من أوسع أبوابه ليصقل ما تختزنه ذاكرته من روايات وأخبار بما يقرأ من كتب التاريخ والأدب والسياسة، ثم يعود إلى بلده بعد أن شب عن الطرق، وقد تكونت شخصيته الفريدة التي أعطته تلك المزايا ووهبته تلك المكانة الاجماعية النادرة.
وبما أن الحديث يدور حول نشأته وشخصيته والحديث ذو شجون، فإنه لابد من الإشارة إلى شيء من مزايا أسرته حسب ما بدا لي من خلال معايشة قصيرة قد لا تعطي تلك الأسرة حقها، فقد أعجبني ترابط تلك الأسرة وتراحمها، ولا أدل على ذلك من علاقة الفقيد عبدالرحمن البطحي بإخوانه وأخواته وأبنائهم حتى كأنهم أبناؤه وبناته بحيث لا يشعر من يزوره في منزل أسرته إلا أن الفقيد يعيش بين أبنائه وبناته وليس أبناء إخوانه لمدى تفانيهم في خدمته، وأحترامهم له، وتعلقه بهم، وهو الذي حرم الزوجة والولد، فعوضه الله بأولئك الأبناء، فهنيئاً لإخوانه صالح وعبدالله وسليمان وعبدالعزيز وعلي وزوجاتهم وأولادهم ولكل أفراد أسرته بذلك البر، وجزاهم الله خير الجزاء على حسن صنيعهم وبارك لهم في ذراريهم، وعوضهم الصبر والسلوان، وعوض الفقيد خيراً مما ترك، فقد ترك الدنيا الفانية بسمعة طيبة وذكر حسن، وانتقل إلى حياة باقية يرجى له فيها حياة الخلود والسعادة والرضوان.
لن أتحدث عن الجانب الأدبي لدى الفقيد، رحمه الله، لأن ذلك ربما يكون معروفاً لدى الكثيرين، لكني سأذكر بعضاً من ملامح الوجه الآخر لعبدالرحمن البطحي الإنسان، صاحب الابتسامة ودماثة الخلق، وحسن الطويه، والكرم الذي لا تكلف فيه.. كنت أسمع به، ولم ألتق به لبعدي عن عنيزة، وعندما انتقل عملي إلى عنيزة لفترة محدودة سنة 1411هـ، كنت حريصاً على مقابلته والتعرف عليه، فاتصلت به هاتفياً، ودعوته إلى منزلي في إسكان مستشفى الملك سعود بعنيزة، وأغريته بأن عندي د. فيصل بن عبدالله القصيمي فلبى الدعوة وزارني هو والصحفي الوفي محمد البراهيم العبيد مدير مكتب الجزيرة بعنيزة، وكانت أمسية جميلة ولقاء ودياً، استمرت بعده اللقاءات والاتصالات لأنني أنست به وأنس بي.. كنت كلما زرت عنيزة واتصلت به للسلام يصر على دعوتي للعشاء أو الإفطار أو لتناول القهوة، فكنت أوافق أحياناً، وإذا زرته لقيت الحفاوة والإكرام منه ومن إخوانه وأنجال أسرته. وفوق ذلك كنت نادراً ما أخرج منه بلا هدية أو صلة وخصوصاً من إنتاج مزرعته العامرة من تمر أو خضار، يصر على تقديمها إلي ويلح إلحاحاً شديداً، حتى لا أجد مناصاً من تقبلها. وفوق ذلك فقد اضطر أحياناً للاتصال به بطلب شفاعة أو واسطة فكان يلبي ذلك بكل سرور، وكثيراً ما أحرج عن طريقه أخاه اللواء عبدالعزيز البطحي الذي لا يقل عنه أريحية وكرماً وحسن أخلاق.
وختاماً فإنه لا يفوتني أن أهمس في أذن كل من يهمه هذا العلم من أفراد أسرته ومحبيه أن يلتفتوا إلى تركته العلمية والأدبية وما تحويه من أوراق ومخطوطات وكتب وأشرطة، وأن تحظى بما يليق بها من العناية، ويحقق الفائدة للميت وللأحياء، وأقترح أن يسند أمرها والنظر فيها إلى لجنة من أهل العلم والصلاح، للعمل على نشرها أو إتاحتها للباحثين، وقد يكون ذلك من خلال إنشاء مركز باسم الفقيد، أو جناح خاص به في مركز ابن صالح الثقافي بعنيزة.. وكذلك تسمية أحد الميادين أو الشوارع الرئيسة بعنيزة باسمه تخليداً له واعترافاً بمكانته، والله من وراء القصد.


*مدير مركز حمد الجاسر الثقافي

الصفحة الرئيسة
عدد خاص
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved