الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السياراتالجزيرة
Monday 07th August,2006 العدد : 165

الأثنين 13 ,رجب 1427

من أين أبدأ؟
إبراهيم بن عبدالله البطحي

لا أرى طريقاً أستطيع أن أبدأ منه..! لكن سأبدأ من الشتات من الطرق الشتى نسيت الخطوط الملونة في الكتابة وبالحقيقة لم يكن لي باع بها بل هي الفوضى.. أنساني عظم المصاب مبادئ الكتابة والتعبير بأضعف الإيمان.. لن ألوم نفسي ولن أقف مراقباً عليها بل سأجعلها تسير كيف ما اتفق لتفرغ القليل القليل من مصابها.. لا أعلم هل أنا في كابوس مؤلم أم أنا في واقع أشد إيلاماً، وفي كل لحظة أطرح سؤالاً على نفسي لعلي أجد إجابة مغايرة.. هل عمي ووالدي الغالي رحل إلى غير رجعة؟ ثم أجد إجابة مشوشة صارخة بنعم.. ثم أطرحه بشكل آخر علّي أجد جواباً آخر.. عمي عبدالرحمن رحل؟ نعم
أقصد موسوعة عنيزة والمفكر الرائع رحل نعم،
اقصد مربي الأجيال رحل؟ نعم،
أقصد زعيم التصحيح الفكري في عنيزة رحل؟ نعم،
إن الكلمات تتزاحم كما هي الدموع فلا الكلمات تخرج كما أريد
ولا الدموع تخرج كما هي تريد، كلماتي تزاحمت كما يمليها عليه سراب الذكريات الكثيرة لذلك الهرم.. والدموع تتزاحم كما يمليها عليه ذلك القلب الحزين.. من أين أبدأ؟
* أرجو أن لا يلومني القارئ الكريم لهذه الفوضى في الأسلوب ولكن يحدث من مشاعر هي الفوضى بعينها.
بدأت أتعرف على شخصية عمي من الطفولة وبما أنه كان حنوناً عطوفاً يعطي وزناً صادقاً لفكر وشخصية الطفل بما يجعل الطفل يرتاح له ولمحادثته وكشف كل ما يجول بنفسه مما يعطي الفرصة للابحار مع الطفل في فكره وتقويمه وتصحيح الكثير بما يعود على الطفل في حسن سلوكياته ومنطقه وطريقته وسلامة تفكيره والتمسك بالمبادئ والأخلاق العالية والأحياء الدائم للكرامة.. والثقة والاعتزاز المستحق بالنفس والتمسك بالدين وبجوهره غير المشوه الصحيح الداعم للعلم والمعرفة والتقدم أماماً للحضارة.. وترسيخ الوطنية وبكل قوة.
وكان قادراً على إعطاء كل هذه المحصنات بجرعات مناسبة ومستوعبة للفئة العمرية التي أتت عليها لذا كان مميزاً وكان فريداً ممن عرفتهم ذا قدرة عبقرية، كان جذاباً ساحراً في منطقه كريماً في قوله وفعله وبسخاء ذا صغر نفس شريفاً نزيهاً صفاته مميزة وكثيرة. وقد يعتقد البعض أني أبالغ ولكني سأتهم نفسي دائماً بأني لم أتمم محاسنه وأعطيها حقها ذلك هو الوالد الغالي.
تشرفت أن كنت قريباً منه وكنت ملاصقاً له في حياته منذ زمن بعيد وبعد وفاته رحمه الله بأربعة أيام كان لنا قريب في المستشفى أرجو له الشفاء العاجل فذهبت إلى زيارته وكان في قسم الجراحة عندما دخلت غرفته لقيتُ شابين صغيرين مريض ومرافق ملامح المرح لا تفارقهما وسألتهما بعد مداعبتهما بكلمات طريفة إذا كانا يعلمان عن هذا المريض الذي كان قبلهما فأشارا لي انه انتقل إلى الغرفة الخاصة.. ذهبت هناك وكان التمريض والأطباء على معرفة بي بعد الثلاثة أشهر التي مكث عمي بها في هذا الجناح بعد السلام والكلمات المعتادة اللطيفة سألوا عن عمي فترددت ولكني بالأخير أخبرتهم عندها خيم حزن مفاجئ عليهم لم يستطع كل منا مواصلة الكلام عندها سألتهم عن المريض فأشاروا لي أنه في الغرفة هم يقصدون أن المريض بغرفة عمك ترددت قليلاً ثم تخطيت حاجز الرفض بعدم الدخول وعند قرع الباب للاستئذان.. شرد الفكر وكأنني سأدخل على عمي كالعادة فعند قرعي الباب افتحه قليلاً قبل الدخول كما تعودت فإذا بعمي يناديني (إبراهيم) فأجيبه (سم يا عم).. (ادخل وأنا عمك) كنت متسمراً لا بإرادتي.. جاء صوت من الداخل (تفضل) يقطع هذا الواقع الذي أصبح حلماً كان صوته على مسمعي بعد فقده له روعته وجماله لن أنساه لا أريد أن ينقطع.. عيشتني هذه الكلمات لحظات حيا صوته من جديد ولكن النهاية دائماً بالمرصاد.
* لن أنسى مقولاتك الكثيرة ومنها:
(نحن أمة تبصق الكلمات بصق)
(لبنان أوكسجين العالم العربي المليء بالغازات الخانقة)
(لا أريد أن ينفصل عني ظلي)
* انفصلت والدي عن الدنيا ولكن ظل علمك وتوجيهاتك لن تنفصل عنا.
* لن أنساك إلا أن أكون في مكان كما أنت به الآن.
وداعاً أيها الحبيب.. وداعاً أيها الحنون.. وداعاً أيها الإنسان العظيم.. وداعاً والدي الغالي.. إلى جنات الخلد.
سأختم كلمتي هذه بكلمة ختم بها مقالته الأستاذ الوفي والقدير إبراهيم التركي قبل يوم من وفاته (البطحي لن يغيب).


* ابن أخ الراحل وأحد أعمدة «مطلة»

الصفحة الرئيسة
عدد خاص
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved