الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السياراتالجزيرة
Monday 07th August,2006 العدد : 165

الأثنين 13 ,رجب 1427

ذكريات المحبة والعطف والصلة
سليمان بن إبراهيم بن صالح البطحي *
لقد توفي أبي إبراهيم بن صالح البطحي في شهر رمضان الكريم من العام 1375هـ ومن ثم تولانا بالرعاية أبونا الثاني الذي وافته المنية في يوم الخميس الموافق 24-6- 1427هـ أخي وشقيقي المرحوم بإذن الله عبدالرحمن بن إبراهيم البطحي الذي جمع شملنا كعائلة مع والدتنا رحمها الله وإخواني الصغار آنذاك عبدالعزيز وعلي وشقيقاتي، حفظ الله الجميع. وقام بمتابعتنا في متطلباتنا الحياتية من دراسة وصرف مادي وتربية وتوجيه ونحوه بكل لطف وعطف ومحبة كان لها أكبر الأثر في التخفيف عنا مصابنا في فقدنا والدنا إبراهيم البطحي رحمه الله. فلم يكن يقصر علينا بشيء بكل ما نطلب من دعم مادي ومعنوي أو توجيهي في مرحلتنا الدراسية - على وجه الخصوص - حتى أنهينا تحصيلنا العلمي بما نطمح إليه ونرغب.. ولقد كان توجيهه رحمه الله توجيهاً حسناً.
ومما يحضرني من الماضي الجميل الذي يشهد بشهامته معنا أنه لم يكن يرضيه أن أحضر شيئاً للبيت من مؤنة ولو كان بسيطاً حتى يصبح لي راتب، وعلى الرغم من ذلك في أول مرة استلمت فيها راتبي وجلبت فيها للبيت مؤنة قام بمعاقبة شقيقاتنا ما إذا كن قد طلبن ذلك مني فعندما أجبن بالنفي قام بتحذيرهن سؤالي جلب حاجة من احتياجاتهن أو المنزل من مصروفي الخاص في وقت لاحق ما عدا في حال جلبته من باب الصدقة حتى ييسر الله الأمور. وعندما أكرمنا الله ورزقنا من خيره الوفير تعاضدنا هو وأنا في سد احتياجاتنا متطلبات المعيشة في المنزل كل يحضر ما يطلب منه وكأننا سمع وجسم في قلب واحد.
وكان أسكنه الله فسيح جناته عطوفاً على أبنائي أشد مني حتى أنني كنت أقسو عليهم في بعض المرات وكنت لا أخشى في المنزل سوى غضبه. وذات مرة من المرات سمعني أنذرهم وأتوعدهم بصورة توبيخية وحينها كان عنده ضيوف في مجلسه العامر في المنزل فسمعته يناديني ويقول: (يا سليمان)، فقلت له: (نعم..!) فقال لي: (انتبه، وكن متيقناً أنه إذا عاقبت واحداً منهم فهي تفرقة بيني وبينك والله حتى وإن اضطررت للتنازع وإياك من أجلهم..!) ومن تلك اللحظة وحتى انتقل إلى جوار ربه لم أتكلم لأولادي بأي كلمة تغضبهم أو تجرحهم أو كلمة قاسية وهو موجود أو قبيل حضوره للمنزل خشية من غضبه علي ووقاراً له.
فلقد كان يسهر معهم طوال الليل ليعرفهم على ما يطلبونه من استفسارات حتى أصبحوا يلقبون ب(إعيال سليمان) ولكنهم في الحقيقة يعتبرونه أباهم الثاني الذي يلبي طلبهم بكل المستحيلات. ومما أستحضره من الذكريات أنه حينما كان يهم بالسفر إلى أمريكا للعلاج طلب مني الحضور إلى حيث غرفته وكان حينها مستلقياً على سريره في المنزل فعرفني على بعض الأشياء الخاصة به وقال لي: يا أخي أبا إبراهيم إنني أوصيك بتقوى الله والصدق والأمانة وحب الخير والتمسك بدينك والحفاظ على سمعة والدنا رحمه الله الذي ربى أبناء أخيه وأولاد أخته فاعطف على شقيقاتنا، أخواتك ولا تضيق عليهن إنهن إناث ويستلزم الحفاظ عليهن ورحمتهن وأن ننسيهن فقد والدهن رحمه الله حيث لم يرد الله لهن أولاد من صلبهن واليوم نحن أولادهن، واحرص على معاملة أبنائنا إبراهيم وإخوته ووالدتهم بالرفق والنصح وعدم القسوة. إنني أعتبرهم عندك أمانة. والأمانة يجب أن يحافظ عليها. وقام بتوقيع أربعة شيكات وقال: (إذا ما احتجت شيئاً حرر ما تريد واسحبه واعتبرني كما لو كنت موجوداً عندك في البيت على عهدنا أساندك على القيام بشؤونه).
وفي الفترة التي مكثها في أمريكا للعلاج كان رحمه الله يهاتفنا من بعد كل يومين وعندما يكلمنا يقول: (اعطوني أحادث إعيال سليمان) أولاً من أجل أن يطمئن عليهم ويسألهم عن أحوالهم وأمورهم وما إذا كانوا يعانون أي خطب وما إذا كانوا يرغبون بشيء يحفظونه في نفوسهم ليسهل بدوره سُؤلَه مني نيابة عنهم. ولقد كنا أفراد عائلة إبراهيم صالح البطحي بعد وفاته رحمه الله نعيش في كنف منزل واحد (منزل المسهرية) مع والدتنا رحمها الله أيضاً وبرعاية الله ثم أخي عبدالرحمن بن إبراهيم البطحي تغمده الله بواسع رحمته. وبعد أن بلغنا وإخوتي مبالغ الرجال وكل انصرف إلى ظروف حياته وعمله في منزله الخاص سواء خارج أم داخل نطاق مدينتنا الحبيبة عنيزة مع بقاء الوداد والمحبة والصلة.
واصلنا هو وأنا استمرارية العيش سوية والتي كانت منذ ولادتنا، هو في عام 1357هـ وأنا في عام 1360هـ تحت ظل واحد أكثر من 48 سنة على الخير والأخوة والمحبة والعطف والرعاية والصلة، انصافاً أربع وعشرون سنة في منزل المسهرية، والبقية الأخرى في منزلنا الحالي القابع في حي بن عيد وشقيقاتنا ووالدتنا رحمها الله حتى وافته المنية أسكنه الله فسيح جناته وتقبله قبولاً حسناً. وإنني لأعزي نفسي بفقداني أبي الثاني بعد أبي إبراهيم صالح البطحي رحمهما الله وكافة المسلمين بواسع رحمته. وإنه لا يمكن أن يعوضني شيء بعده إلا الصبر والدعاء له بالمغفرة والرحمة. ولن أنساك يا أبا إبراهيم إلا بعد الموت. ولا غيرك بديل... رحمك الله وعفا عنك وأسكنك فسيح جناته.. آمين.


* عنيزة - حي بن عيد

الصفحة الرئيسة
عدد خاص
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved