الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السياراتالجزيرة
Monday 07th August,2006 العدد : 165

الأثنين 13 ,رجب 1427

زرع في العقول أكثر مما بذر في الحقول
حمد بن عبدالله القاضي *

** عادة الإنسان يسعى إلى الشهرة ويعشق الأضواء.
لكن هذا الأديب المؤرخ طراز آخر!
إن الأمر لا يتوقف على أنه لا يسعى إلى هذه (البهارج) وحسب، ولا الزهد بها فقط، بل إنه ينبذها ويرفضها إلى درجة غريبة حتى (الصورة) رفض أن تظهر له صورة في أي كتاب أو مجلة حتى في اللقاء الشامل اليتيم الذي استطاع أن يجريه وينشره معه الأستاذ الكريم: محمد السيف بصحيفة (الاقتصادية)!
ذلكم هو المؤرخ الأديب الموسوعي المربي أ. عبدالرحمن البطحي الذي غادر دنيانا - رحمه الله - بصمت بعد أن عاش حياته كل حياته بصمت.
لقد كان لي ولجيلي في مدينتنا (عنيزة) خلال صبانا ودراستنا هناك (قمة) بشمولية ثقافته وعمق قراءاته وقدرة تحليله!
كلت أزوره أنا ومريدوه آنذاك.. وكان يبهرنا - رحمه الله - برؤيته الواعية للقضايا السياسية والثقافية والاجتماعية كلها!
كان عندما يتحدث في أي شأن تود ألا يسكت، حتى عندما كان على سرير المرض في أخريات أيامه في مستشفى الملك فهد بالرياض، كانت غرفته تتحول إلى (منتدى ثقافي).
** لَكَمْ يؤلمنا كمعنيين بالشأن الثقافي أن كل هذا العطاء وكل هذه الرؤى وكل هذه الفلسفة انتهت برحيله.
إن نبذه للأضواء - جعله من خلال فلسفة يؤمن بها - لا يصدر كتاباً واحداً مع أنه لو كتب ما يتداوله في منتداه لشكلت عشرات الكتب في مختلف العلوم وفي مختلف ينابيع المعرفة وفضاءاتها.
إنني أدعو مع أخي الوفي أ. إبراهيم التركي إلى أن تكرم عنيزة والقصيم عامة أحد (رموزها التنويرية) الذي ظل على مدى أكثر من نصف قرن ينشر أضواء المعرفة، ويربي الأجيال ليس بين أسوار المدرسة العريقة التي كان يديرها بل كان يعلم ويربي - في زمن مبكر - الأجيال الثقافية في عنيزة على سعة الأفق، وأدب الحوار ومناقشة الرأي الآخر ثم القبول به أو رفضه دون أدنى إقصاء أو إبعاد.
** لقد سعدت عندما أبلغني الباحث الأستاذ محمد القشعمي أن أ. محمد السيف كان يعد كتاباً عن الراحل لعله الآن يستكمله بعد رحيله، ولعل الأستاذ القشعمي يجد شيئاً مخطوطاً من آثار الراحل لينشره ويصدره، وهو الأقدر على ذلك بحكم دأبه المعهود ووفائه للرموز.
رحم الله الأديب المؤرخ الموسوعي عبدالرحمن البطحي الذي أبحر في عوالم ومدارات المعرفة، ومن خلال هذه الرحلة المعمّقة فقه الحياة وعرفها فزهد في أضوائها، واكتفى ببث رؤاه وفلسفته وعلمه إلى زواره في دارته ثم إلى مريديه الذين كانوا يطلون عليه في (مطلّته)، (مزرعته) التي زَرَع فيها ثمار الرأي في العقول أكثر مما بذر فيه ثمار الشجر في الحقول.
رحم الله هذا الأديب الرمز.
ورحم الله الجواهري الذي قال:
(لغز الحياة وحيرة الألباب
أن يستحيل الفكر محض تراب)


* الرياض

الصفحة الرئيسة
عدد خاص
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved