الاقتصادية عالم الرقميمجلة الجزيرة نادي السياراتالرياضيةالجزيرة
Monday 08th January,2007 العدد : 181

الأثنين 19 ,ذو الحجة 1427

نقد النقد: بعض الدراسات
د. سلطان سعد القحطاني

(6)
تحدّثنا في الحلقة السابقة عن مرحلة التأسيس النقدي في المملكة، وبالتحديد في موضوع نقد النقد، وهي مرحلة مهمة في تاريخ الحركة النقدية - بشقّيها - النقد، ونقده، وهناك العديد من الدراسات التي ظهرت بعد هذه الفترة التأسيسية للمشروع النقدي، وإن ظهر على أغلفة بعضها عنوان النقد، أو صنّفها الدارسون على أنّها من النقد، فإنّ مضمونها العلمي يختلف عما في ظاهرها، وأغلب هذه الدراسات رسائل جامعية، ومنها ما هو جمع وتصنيف لنوع معيَّن من فروع الأدب كالشعر والقصة القصيرة والرواية والمقالة، وأقل ما فيها الخطاب النقدي، وإذا أردنا أن نقترب، نقول (نقد النقد) الذي ظهر من خلال بعض الدراسات القليلة والأوراق المقدَّمة في المؤتمرات واللقاءات والندوات، وأكثرها ليس من متخصصين، وقد بلغت الدراسات الجامعية (من داخل الجامعات السعودية أكثر من عشرين رسالة، ماجستير ودكتوراه) والكتب قرابة التسعين كتاباً، عدا الدراسات والقراءات النقدية في الصحافة.
أمّا سؤالنا المحدَّد فنجد الجواب عنه في استعراض الدراسة التالية:
وهي دراسة للدكتور عبد الله الحامد بعنوان (نقد على نقد) يشرح المؤلف منهجه النقدي في نقد النقد، على أنّه (الحامد) ذو صلة عريقة في الدراسات الأدبية، منذ مطلع شبابه، ثم يبيِّن آليته والسبب من دراسته هذه للدراسات السابقة، فيقول: (في بعض هذه الدراسات أخطأ منهجية أو موضوعية مهمة، وليس أسوأ على العلم والحقيقة من الخطأ الشائع في الكتاب المشهور، يتناقله الناس، ويسلم به القراء ثم يمر زمن فيأتي باحثون متأخرون فيظنونه حقيقة مسلّمة لا نقاش فيها، ومن أجل ذلك غلّبت جانب التقويم لهذه الدراسات على جانب التقييم والمقارنة.) ويشير الباحث إلى أنّ الدراسة تحليلية، تعرض منهج الكتاب وتنبِّه على الأخطاء المنهجية، أمّا الأخطاء الموضوعية فتكتفي بالإشارة إليها والتمثيل لها ... وجمع المؤلِّف في كتابه - هذا - أحد عشر كتاباً، أقل ما فيها النقدية، وبدأ بأول كتاب أدبي ظهر في السعودية (أدب الحجاز) لمحمد سرور صبان، 1344-1923م، وبعد أن يذكر منهج الكتاب في التقسيم، إلى منثور ومنظوم، يذكر أنّ في الكتاب تسعة من الشعراء، منهم المؤلّف نفسه، وقد ترجم لهم، وكان لا يريد أن يترجم لنفسه لولا إلحاح زملائه عليه: (وقد ترجم المؤلِّف لنفسه، كما ترجم من بعده عبد السلام الساسي وعبد الله بن إدريس لنفسيهما تحت إلحاح القراء والأصدقاء، كما زعموا والله أعلم. أمّا الصبان - رحمه الله - فكان أكثر مبالغة لأنّ أصحابه حين خطر له أن يهمل ترجمة نفسه، وأعلن لهم عزمه (ثار ثائرهم، وعلا ضجيجهم) فاستجاب لهذه الثورة من باب النزول على رأي الأكثرية الساحقة، كما أوجبت ذلك التقاليد الديمقراطية الحاضرة، وقد يكون فيما ذكر المؤلِّف شيء من الحقيقة، وقد لا يكون، لكن عرضه بهذا الأسلوب فيه شيء من المباهاة، لا سيما وقد خصّ المؤلِّف نفسه بترجمة وافية في صفحتين، وبخل على كثير ممن ترجم لهم بسطرين.) وقد نختلف مع الناقد حول الجملة الأخيرة، فقد يكون الخطأ من المترجم له، فربما لم يواف المؤلِّف إلاّ بهذين السطرين!! فلعلّ له عذراً وأنت تلوم. ويحتج الناقد على المؤلِّف في إسقاطه لبعض الشعراء المرموقين في ذلك الزمان، مثل أحمد إبراهيم الغزاوي، لأنّ غرض الكتاب إصلاحي، ولم يكن منهج الغزاوي كذلك، وفي نهاية العرض النقدي - إذا جاز لنا أن نسميه بذلك - يقرر الناقد أنّ هذا الكتاب ليس كتاباً أدبياً، إنّما هو كتاب دعوة إصلاحية، كما يرى أنّ أدباء هذا الكتاب صورة مجلوّة للأدب الشامي والمهجري: (والذي يريد أن يرى أثر بدوي الجبل، وفؤاد الخطيب، وميخائل نعيمة، وجبران، لن يجد تعباً في رؤية بصماتهم) أمّا الصورة التي تكلم عنها الناقد، فهي السمة المعروفة في بداية النهصة الأدبية والعلمية في العالم العربي، ولا يراهن عليها أحد، أمّا الإصلاح فقد كان في مقدمة الاهتمامات الأدبية والفكرية في بداية النهضة، أمّا أنّه كتاب غير أدبي فلنا عليه بعض التحفُّظ، وأمّا أنّه ليس نقدياً، فنعم. وأطلت في مناقشة الناقد في هذا الكتاب، مع علمي المسبق أنّ الكتاب واضح الهدف، فليس نقداً يناقش، لكن من حيث القيمة التاريخية، وأنّه أراد أن يغيِّر من أسلوب اللغة، من أجل إصلاح الأدب بلغة حديثة.
والكتاب الثاني الذي أراد الناقد الحامد مناقشته (وحي الصحراء) جمع مادته ورتّبها عبد الله بالخير ومحمد سعيد عبد المقصود، وقد كوّن المؤلفان لجنة لفحص الشعر والنثر المقدم للنشر، وكانت لجنة صارمة في أحكامها، حتى أنّ الشاعر أحمد الغزاوي يذكر شدّة هذه اللجنة، يقول:
(تضافرت في انتقادي غير راحمة
شعري ونثري وما استحسنت من غرر)
وهذه المقدمات النقدية في بداية النهضة تعتبر حجر الزاوية لظهور نقد أدبي حديث، مصدره قناعة المشتغلين بهذا الفن والفكر، ويناقش الناقد كاتب المقدمة، الدكتور محمد حسين هيكل، الموجود في الحجاز في تلك الأيام يؤلِّف كتابه (في منزل الوحي) حيث يذكر أنّ هذا الشعر من شعر البادية، لكن الحامد لا يوافقه - ونحن معه - ويقول إنّ هذا شعر حواضر، وقد فهم البادية بمعنى (الصحراء، أو الصحراء بمعنى البادية) والفرق - كما يقول الناقد - واضح بينهما، فشعر البادية اليوم عامي، وهذا شعر فصيح. ويلاحظ الحامد على التراجم، إيجازها وأنّها تخلو خلوّاً تاماً من أثارة الدراسة الأدبية، ويثني الناقد على مؤلِّفي الكتاب ويقارن بينه وبين الكتاب السابق، فيجد أفضليته، ويصحح مفهوم الدكتور هيكل عن الشعراء الحجازيين، المتأثِّرين بالمصريين - على زعمه - ويرى الحامد أنّ هذا القول ليس صحيحاً، فهم متأثِّرون بالشعراء والأدباء السوريين في الشام والمهاجر. وأنا أرى أنّ شعر المهجر أثّر حتى في شعر المصريين.
قدّمت لهذا الفصل بهذين الكتابين على أنّني لا أعتبرهما من كتب النقد، بالمعنى الحقيقي لكلمة نقد، ولكنِّي قدّمت بهما في كتابي (النقد الأدبي في المملكة، نشأته واتجاهاته لتكون مدخلاً لنشأة النقد).
وقد تناول الحامد عدداً من المؤلّفات بالنقد، بالرغم من أنّها ليست من كتب النقد، كما أسلفت القول، فنقد عبد السلام طاهر الساسي، في كتابيه (الشعراء الثلاثة، وشعراء الحجاز) وهما كتابا جمع وتقريظ، وسبق للكتاب الأول أن نقد من إبراهيم فلالي، وتبرأ حمزة شحاتة من المقدِّمة التي كتبها، ولم ترق للمؤلِّف، فأجرى عليها تعديلاً أغضب شحاتة، ويلوم الحامد الساسي في تجاهل أو إهمال بعض الشعراء، مثل حمزة شحاتة، وإبراهيم فلالي، اللذين كانا يعيشان في مصر، ثم يلومه على إهمال الشعراء الذين كانوا يعيشون في الحجاز، مثل عبدالله الفيصل، ومحمد العامر الرميح، ومحمد الفهد العيسى، ومحمد العقيلي من جازان، ويعتبر الحامد جازان من الحجاز!! وربما يكون محقّاً، فهذه قضية جغرافية لا دخل لنا فيها. ويجد أحد النقاد أنّ الحامد كرر نفس الخطأ الذي لام عليه الساسي، عندما أهمل شعراء المدينة المنورة في دراسته للشعر في ظلال دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب، فقد أخذ عليه هذا الإهمال لشعراء كان لهم حضورهم في ذلك الوقت.


Dr.sultan1@hotmail.com

الصفحة الرئيسة
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
مسرح
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
مراجعات
أوراق
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved