الاقتصادية عالم الرقميمجلة الجزيرة نادي السياراتالرياضيةالجزيرة
Monday 08th January,2007 العدد : 181

الأثنين 19 ,ذو الحجة 1427

خَفّضْ عليك ياابنَ تنباك!
وأنا أفتش في ملحق (الثقافية) من جريدة الجزيرة، العدد (178)، إذ أنا بمقال للدكتور مرزوق بن تنباك يرد فيه على بعض من ردّ عليه في قضية (وأد البنات)، وقد كلّف الكاتب نفسه شططاً، وحملَها على آلة حدباءَ، حتى يكذّب بالوأد الذي أطبقت عليه الأمة كافة إطباقاً بلغ التواتر القاضي بالاستيقان، وما كان ليُصدق أن نفراً وضعوا في تراثنا كل ما يتصل بهذه القضية من أخبار وقصص وأشعار وتفاسير للقرآنِ وأحاديث، فإن الشيء إذا كثر وذاع لم يكن من سبل إلى دفعه، وليس هذا شأننا في ما ها هنا، فلعل الله ييسر لنا نقض زعماتِه كلها في مستقبل الدهر.
أما ما أريد بيانَه في هذا الموضع فقوله: (إن هجاء الإنسان بما فعل لا يعد عاراً على القبيلة، ولا تُهجى به، وإنما يكون الهجاء لفاعل العار ومرتكبه).
ولقد علم كل ذي بصرٍ ومعرفة بأشعار العرب وأخبارهم وعوائدهم بطلان ذلك البتة، ومن عجب أن الأخ الكاتب يرسل الكلام إرسالاً غير مقرونٍ بالحجة والدليل، إن هو إلا قوله: (أظن) و(لا أظن)، وقد علمَ أن الظن لا يغني من الحق شيئاً، فلا يُنقض به ما غزله جلة العلماء أنكاثاً، ولا يُشغّب به عليهم، ولو أن كل امرئ اتبع ظنونه واسترسل إليها لرأيت عجباً، فمتى ما وجد الأخ الكاتب برهاناً مبيناً، لا ظنوناً وأوهاماً، فليدلِ بها إلى الناس، فإما مصدقون، وإما محجوجون!
أما دحض زعمه الذي ذكرناه فيتولاه الجاحظ، إذ قال في (البخلاء): (والعرب إذا وجدت رجلاً من القبيلة قد أتى قبيحاً ألزمت ذلك القبيلة كلها، كما تمدح القبيلة بفعل جميل، وإن لم يكن ذلك إلا بواحد منها).
فقد تبين لكم كيف كذّب الجاحظ هذا القول تكذيباً صريحاً، ولدي من الأدلة على ذلك شيء كثير (وهكذا ينبغي إذا ادعى مدعٍ شيئاً أن يأتي عليه بالأدلة، لا بالظنون والتخرصات {إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ}، ومن هذه الأدلة:
1 - إن فزارة تُعيَّر بأكل جُردان الحمار، ولم يفعل ذلك إلا رجل واحد منهم، وذلك أن ثلاثة نفرٍ اصطحبوا، فزاري وتغلبي وكلابي، فصادوا حماراً، فمضى الفزاري في حاجة، فطبخا وأكلا وخبأا للفزاري جردان الحمار، فلما رجع قالا: قد خبأنا لك، فأقبل يأكل ولا يكاد يسيغ، وجعلا يضحكان، ففطن فقال: أكل شواء العير جُوفان؟ وجوفان الحمار جردانه، ثم أخذ السيف وقام إليهما فقال: لتأكلانه أو لأقتلنكما، فقال لأحدهما وكان اسمه مرقمة: كُلْ، فأبى فضربه فأبان رأسه، فقال الآخر: (طاح مرقمة)، فقال الفزاري،: (وأنت إن لم تلقمه) أراد (تلقمها)، فعُيرت فزارة بأكل الجردان. انظر: (مجمع الأمثال، ديوان الأمثال)، قال الجاحظ: (وإما قصة أير الحمار، فإنما اللوم على المُطعم لرفيقه ما لا يعرفُه، فهل كان على حَذَف الفزاري في حقِّ الأنفة أكثرُ من قتل من أطعمه الجُوفان من حيث لا يدري؟) (البيان والتبيين).
2 - إن أسد عُيرت بأكل لحوم الناس، ونما فعله رجلان منهم وحسبُ (البخلاء).
3 - إن كلباً والقينَ عيِّروا بأكل الخصى، بسبب أن رجلاً منهم أُطعمَ خصييه كَرهاً، بما عبِث بامرأة (البخلاء).
4 - إن إياد كانت تُعيَّر بأمر (لا نبتغي ذكرَه) ثم خلفهم عليه عبدُ القيس، فُعيِّر به عبدُ القيس، ولم يكونوا يفعلونه، وإنما اشترى رجل منهم هذه المثلبة من إياد ببُردَي حِبَرة، فلصِقت بهم، وفيهم قيل: أندم من شيخ مهو، وأحمق من شيخ مهو، وأخسر صفقة من شيخ مهو (مجمع الأمثال).
5 - إن تميماً كانوا يُعيَّرون بأمر (لا نبتغي ذكره)، ولم يفعله إلا رجل منهم عن خدعة واحتيال، لا عن عمد، وفي هذا يقول الشاعر:
شربت رثيَّة فحبلتَ عنها
فما لك راحة دون النتاجِ
(الشعر والشعراء لابن قتيبة).
6 - إن بعض العرب يُعيَّرون ب (بني القملية)، ولم يفعله إلا نفر يسير منهم (البخلاء، المعاني الكبير).
ولو أنا تقصينا مُثُلَ ذلك لطالَ الكلام فوق ما ينبغي، وبحسبِك أن تنظر في نقائض جرير والفرزدق، وجرير والأخطل، وفي شعر الحطيئة، فترى كيف يعيّرون القبيلة كلها بجُرم واحد منهم، بل إنهم ربما عيَّروا القبيلة بهجاء شاعر لهم بما لم يفعلوا، كما غضَّ الهجاء من شأن بني نمير، وقد كانوا جمرة من جمرات العرب، وغضّ من شأن بني العجلان، وقد كان هذا الاسم مفخرة لهم، لأنهم إنما سُموا به لتعجيلهم بقرى الضيف، فأصبحوا يتحاشون ذكره بعدما قال فيهم النجاشي:
وما سُمّي العجلانَ إلا لقوله
خذ القعب واحلب أيها العبد واعجلِ
وكذلك رفعَ المدح من ذكر (بني أنف الناقة) فأصبحوا يفتخرون بلقبهم بعدما كانوا يُعيَّرون به، وذلك بعدما قال فيهم الحطيئة:
قوم هم الأنف والأذناب غيرهم
ومن يسوي بأنف الناقة الذنبا؟!
ولست أدري كيف أنكر الكاتب هذا الأمر الجلي الذي لا يخفى على أدنى مطلع على الأدب، لذيوعه وكثرته؟ ثم ما كان ينبغي له أن يتكلم في شأنٍ من شؤون العلم إلا بسلطان مبين، فذلك أدنى أن يُتَقبَّل بقبولٍ حسن.


فيصل بن علي المنصور - بريدة
faysalmansour@hotmail.com

الصفحة الرئيسة
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
مسرح
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
مراجعات
أوراق
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved