الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 8th March,2004 العدد : 49

الأثنين 17 ,محرم 1425

لغيابها.. قبيلة من الأسئلة
غادة عبدالله الخضير
(كان زمناً بعيداً.. تقاسمنا فيه رغيف الحرف ساخناً.. للدرجة التي لم أعد أعرف أي نصف في الكتابة يخصني وأيهما يخصها.. لغيابها قبيلة من الأسئلة وعتب..)
(1)
رائحة القهوة في أرجاء المكان..
تحلق بجناحات شوق إلى أنفاسي..
لتثير في الرأس أحزاناً عدة..
أسمع وقع حوافره مسرعا في أرجاء الذاكرة..
يسير بثقة فيها.. ويرمي في أرضها بذور السؤال الدائم عنه..
لتثمر عذاباً.. وألماً دائماً..
وإحساساً بالفقد أصعب من أن أتخيله..
أصعب من ارسم حرفاً يتلو الحرف..
أصعب من أن أبوح به.. وأصعب من كتمانه..
وهذا الرأس المسكين يسبح في بحيرة مليئة بتماسيح الحيرة..
يلتهم علامات الاستفهام علامة وراء أخرى.. ويجترها تعجبا تعجب..
هذا الرأس.. تتراكم فوقه وخلاله ومن تحته.. تلك الاسئلة التي لا تنتهي..
تلك الأسئلة التي تخرج من يقظة وتدخل في حلم.. وتخرج من حلم لتستقبلها يقظة مفرطة أخرى أشد من الأولى..
هذا الرأس لحظة عناقه للوسادة.. تبدأ جيوش التفكير بالمسير إليه..
لاغرائه على اجترار.. القبل كله.. والدخول فيما هو بعد.. بشيء من التعب..
لكن هذا الرأس ذكي.. منذ عرفته وهو ذكي..
يترك الوسادة..
يشعل الأنوار..
يفتح نوافذ الذاكرة..
ويصنع فنجان قهوته..
ويتصفح جريدة (كل ما عبر الذاكرة ذات يوم)..
يحاول ذلك الرأس.. أن يجعل تلك الذاكرة تتعود على صخب العيش..
على تناقضية هذه الحياة..
على كيفية صناعة فكرة مبدعة من ذلك التناقض.. ليصبح للحياة معنى..
كل هذا لئلا يسقط دلو حضوره في بئر خلوته فلا يخرج.. إلا بمزيد من احساس الفقد..
كل هذا كي لا يشرع ذلك الرأس أبوابه للمستحيل القادم في هنية روح.. وتاريخ من الممكن ان يكون عريقاً..
كل هذا تفاديا لحزن قد يتسامق أخضر.. على بقايا عظام نخرة لرأس أدخل اجبارا تفاصيل كان..
كل هذا تفاديا لحماقات كبرى.. نسميها في بعض الاحيان تجاوزا.. (الفرصة الأخرى الأخيرة)..!!!!
كل هذا كي يفهم هذا الرأس جيداً.. أن الذاكرة قبر الحدث.. وليست قبراً للألم.. ولن تكون..!!
(2)
(لازال لغيابها حدة السكين..
ولازالت كلماتها ترتق الحضور الحروف وتمنحه شكلا ولونا.. ولغة..)
انظر إلى ملامحي في المرآة..
انظر فيها إلى مهارة بنان الزمن.. وكيف انه له القدرة على ان يحفر أخاديده وممراته الوعرة في وجهي وبدقة متناهية حد القسوة.
اشعر أن في عينّي حزناً دفيناً..
وماء كالبحر..
وصور قديمة..
وتلويحة مسافر..
وابتسامة وداع..
وستائر مسدلة..
وليل طويل..
وأنت..
أنت الحكاية التي لا تنتهي.. لأن النوم لا يجيء..!!!
أرجع البصر كرتين.. إلى تلك المرآة..
أحاول ان أزيل تلك الأتربة التي سكنت صفحتها..
فلربما عادت ملامحي لعنفوان حضورها.. لعنفوان وهجها.. لعنفوان عنفوانها..
قبل أن يغرس نواة فراقه في منتصف غفلتي..
قبل أن يزرع نخيله على امتداد كوني..
ويعود مواسم القطاف..
يطرق الذاكرة..
ويعبئ سلالها بتمور الأسى..
ويرحل من جديد..
هذه المرآة..
تماماً هذه المرآة..
تشبه ذاكرتي.. انها تعكس كل ما لا يمكن الإمساك به..
وتشبه وجهي.. الذي ما عادت له منافذ ضوء..
وتشبه تعبي.. الذي غزته الانكسارات..
وتشبهني..
صامتة.. كل شيء يعبر ممن خلالها بكتمان شديد..


ghadakhodair@hotmail.com
الرياض 11447 ص.ب 28688

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
قضايا
تشكيل
المنتدى
ذاكرة
مداخلات
الملف
الثالثة
منابر
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved