الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 8th March,2004 العدد : 49

الأثنين 17 ,محرم 1425

في مؤتمر الرواية العربية
الرواية والمدينة علاقة ملتبسة
* القاهرة مكتب الجزيرة عثمان أنور:
أجمع الروائيون العرب على أن الرواية بنت المدينة وقد تشعبت دروبها وأبوابها بتشعب طرقات وشوارع المدينة ففيها الدراما والتفاعلات والتناقضات التي تنتج الحركة والحرية وفضاء التطور وقد احتشد الروائيون بمختلف اتجاهاتهم ومشاربهم وعطائهم الروائي «أكثر من 200 روائي وناقد أدبي» في المؤتمر الثاني للرواية العربية الذي أقامه المجلس الأعلى للثقافة في الفترة من 18 إلى 22 الشهر الجاري بعنوان «الرواية والمدينة» وبتميز رؤاهم اكتسب المؤتمر زخماً يليق بإطلاق اسم إدوارد سعيد على دورته الثانية وليثري الحركة الأدبية في مجملها، فالروائيون والنقاد العرب تناولوا العديد من المحاور الهامة وأثاروا العديد من القضايا التي انطلقت من علاقة الرواية بالمدينة وكيف رصدت الرواية التغيرات والتطورات في بنية المدن العربية كل من زاوية مختلفة لكنها تلتقي في النهاية لتصب في مجرى الحديث عن علاقة الرواية بالمدينة.
تقاطعات المدن
تناول سعد البازعي تقاطعات المدن في رواية «عائد إلى حيفا» الأديب الفلسطيني غسان كنفاني ورواية الأديب الألماني وج سيبالد حول مدينة براغ التشيكية وقال البازعي إنه في أعقاب حرب يونيه حزيران تخيل غسان كنفاني رحلة العودة إلى فلسطين 48 في عمله الروائي عائداً إلى حيفا وبدت المدينة في ذلك العمل المؤثر مكاناً انسانياً وثقافياً فيه فلسطينيون يرحلون عن أرضهم ويهود يحلون محلهم على تلك الأرض وفي الوقت نفسه تحولت المدينة إلى موقع يثير أسئلة مفصلية لدى الفلسطينيين حول قضايا بالغة الحيوية والتعقيد كالمكان والهوية والآخر وذلك من خلال لقاء العائلتين الفلسطينية الباحثة عن ابنها واليهودية المقيمة في سكن تلك العائلة قبل النزوح عن حيفا ويؤكد البازعي أن هذه المواجهة المعقدة والمفقودة الابعاد تتكرر ولكن من زاوية مختلفة وفي ظروف مختلفة كما يشير البازعي إلى رواية الألماني وج سيبالد والتي تدور حول مؤرخ للفنون المعمارية يهودي الانتماء يعود من مقر اقامته في لندن إلى مدينة براغ التشيكية بحثا ًعن ماضيه ومع أن في رواية سيبالد عدداً من المدن التي تلعب أدواراً مختلفة في بحثه فإن مدينتي لندن وبراغ تشكلان المفصلين المحورين لبحثه واسئلته حول المكان والهوية والآخر إلى غير ذلك من أسئلة تجدها لدى شخصيات غسان كنفاني.
علاقة ملتبسة
وعن المدينة وعلاقتها بالرواية تناول عبده خال في ورقته «اشتاقت المدينة للفن فخلقت الرواية» العلاقة الملتبسة بين المدينة والروائي مشيراً إلى أن المدينة هي وعاء لمزج تركيبات اجتماعية متعددة تسعى لتذويب المجموع داخل اطار لغوي وقيمي وحيال هذا الذوبان تنهض فردية الذات بحثاً عن كينونتها ويكون البحث عن هذه الشخصية المسلوبة داخل المدينة بالانتماءات المتعددة التي تحقق الوجود الصوري لهذه الشخصية المسلوبة فينتمي لحزب أو جماعة لها نفس الميول أو الانتماء لفريق يجمع حوله من هم على شاكلته وتعود الأماكن الأقل نصيباً أماكن منبوذة من قبل المدينة وبين التعالي والنبذ يأتي الروائي لخلق جسر بين العالمين فهو يرتد إلى قريته خشية من الذوبان فيكتب القرية بحنين المدني للعلاقات المبسطة والسهلة ويتم استهلاك هذا العالم كقيمة جمالية من قبل المدني بينما يرفضه كواقع وبين نهوض الفردية في القرية وتلاشيها في المدينة تنشأ علاقة مبتورة بالمكان علاقة تقترب من القطيعة وتؤسس مكاناً مستعاراً من الواقع ومن المخيلة ويقول خال إن هذا المزيج يخلق المكان الروائي الذي تتناوب فيه العلاقات.. علاقات متداخلة برموزها وارتباطاتها وحنينها ومن هنا يصبح المكان لغة واللغة تصنع وجودها المكاني والإنساني.
الرواية المعوقة
وقدم الناقد فيصل دراج رؤيته حول الرواية والانسان المدني ومفهوم الحرية وقال إن المدينة فضاء للحرية والرواية احتجاج على المدن العربية التي تحولت إلى قرى بائسة لا أكثر والإنسان المدني هو الذي تجاوز العلاقات الطائفية والعشائرية وأصبح فرداً وأصبح حراً واكتفى بذاته كمرجع فكري واحتفى بالمدينة لأنها المكان الواسع الفسيح الرحب بساحاته المختلفة بالمقاهي والجامعات والنقابات كل هذا يؤدي لاتساع الروح واتساع الأفق والتصور كما أن المدينة تسمح بوجود الانسان الذي يتحرك كما يريد دون رقابة عكس الحال في القرى الضيقة وانسان المدينة هو الذي يعمل بمفهوم المباراة والتسابق مع الآخرين مما يؤكد إنسانيته المستقلة ويصبح فرداً وأضاف دراج أن هناك مفهوم التعدد الذي يميز المدينة وينطوي ذلك على مفهوم التناقض وهو أساس الحركة والتطور والتعدد ينعكس في الرواية على البشر بما يؤدي لكسر التصور السلطوي أيضاً التعدد في اللغة فهناك الفصحى والعامية ومن هنا يمكن القول ان الرواية جنس أدبي ديمقراطي غير أن الرواية العربية ما تزال والكلام لفيصل دراج تمثل جنساً كابياً معوقاً بسبب افتقارها إلى التعدد المدني الذي تحتاجه الرواية فالمدينة العربية في معظم اشكالها مزيج من الكتل الاسمنتية والتراكم الديمقراطي بعيداً عن التنوع المادي الذي أطلق الرواية الأوروبية ولهذا تميز انسان المدينة بالمعنى الكلاسيكي بالمفارقة الدينامية التي تجعل منه فرداً وحيداً مغترباً ووجهاً من وجوه الجموع المبهمة على خلاف انسان المدينة العربية الذي يذوب في جماعة متجانسة ولا يتفرد إلا في حالات نادرة.
ومن زاوية أخرى قدم الكاتب عبدالله الغذامي ورقة بعنوان «الخيال المؤنث بحث في معالم السرد الأنثوي» حيث تهدف الورقة كما قال إلى كشف التمايزات الثقافية والنفسية مشيراً إلى أن البحث عن الفروق الجوهرية في خصائص الخطاب الثقافي وخاصة السردي منه صارت تعطي نتائج مهمة جداً في كشف معالم الخطابات وخصائصها الدقيقة وطرح الغذامي ما يمكن تسميته الخيال المؤنت قائلاً هو المؤسس الجذري للممارسة السردية بحيث يكون السرد والكتابة الروائية تمثلاً لنوع من الخيال له خصائصه ومعالمه الجوهرية وهو ينتمي إلى نوع متميز في التخيل كما يتميز في صيغ خطابية وتمثلات خيالية ولعل هذا يسهم في مواكبة التغيرات النظرية المطروحة الآن حول السرد وخطاب التأنيث.
القرية العالمية
وعلى الرغم من أن عنوان المؤتمر الرواية والمدنية إلا أن الأديب جميل عطية إبراهيم رأى أن يدفع بهذا العنوان دفعة أخرى للأمام من منطلق جديد شاع وذاع حديثاً وهو مصطلح القرية العالمية وعلى ذلك تناول في ورقته التي حملت عنوان الرواية «المدينة» «أم الرواية» «القرية العالمية»، عدداً من الموضوعات مثل نشأة الضمير الكوني فبعد أن كان الضمير قاصراً على العلاقات الفردية أصبح متسعاً بما يمكن أن نسميه ضميراً كونياً، أيضاً مسألة التنوع البيولوجي والحفاظ على الأحياء وعلاقة ذلك بالتراث الشعبي وكذلك علاقة المكان بالجغرافيا بالزمان أو التاريخ حيث اختزلت الجغرافيا لصالح التاريخ واختزل التاريخ لصالح اللحظة الآنية على وجه التحديد وقد شاهد العالم كله أحداث الحادي عشر من سبتمبر لحظة وقوع الحادث وعن تحولات مدينة القاهرة وخطابها الروائي الجديد «المدينة الثالثة» ورواية التسعينيات تطرق الناقد صبري حافظ إلي التغيرات التي طرأت على بنية مدينة القاهرة الحضرية في العقود الثلاثة الأخيرة من القرن العشرين وبين تحولات الخطاب الروائي في مصر في الفترة نفسها ويطرح في هذا المجال ثلاث مراحل مختلفة في تطور مدينة القاهرة تناظرها ثلاث حساسيات ثقافية واجتماعية متباينة وهي المدينة الشرقية القديمة والمدينة الغربية الحديثة والمدينة الثالثة وهي العشوائية.
وعن المدينة بوصفها فردوس الدنيا قدم إبراهيم الكوني ورقته بعنوان «المدينة فردوس الدنيا» «المدينة جحيم الروح» مشيراً إلى أن المدينة كبنيان ما هي في حقيقتها إلا استعارة لكيان اسمه الانسان روح هذا الكيان المسمى مدينة ويتساءل الكوني ما حاجة الانسان إلى المدينة حقاً ويقول إذاكانت المدينة قد فقدت حقيقتها الأصلية وتنكرت لنفسها منذ ذلك اليوم الذي كفت فيه عن القيام بدورها ككيان مقدس تجاور فيه الخلق لا ليلهوا ويستمتعوا ولكن ليتغنوا بالحقيقة مؤكداً أن مسيرتنا في رحاب المدن ليست سوى الترجمة الفعلية للوصولية التي تقول إننا لا نبعث أحياءً بالروح إن لم نعبر جحيم المدينة بالجسد وفي هذه الوصية تكمن فضيلة المدينة.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
قضايا
تشكيل
المنتدى
ذاكرة
مداخلات
الملف
الثالثة
منابر
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved