الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 8th March,2004 العدد : 49

الأثنين 17 ,محرم 1425

مطالعات
سعاد السعيد بين القصة والرواية
(يفرون من رفوف المكتبة) سردٌ يتكئ على وقائع مسلسلة
عبدالحفيظ الشمري

قدمت الكاتبة سعاد السعيد عدة أعمال سردية جديدة هذا العام، فكان من بين هذه الإضمامة هذه الرواية التي وسمتها بعنوان (يفرون من رفوف المكتبة) فجاءت مزيجاً بين القصة في لحظاتها المقتضبة وبين تسلسل فصول الرواية التي تحمل إطاراً عاماً في وقت أهملت فيه الأستاذة سعادة تجنيس عملها بشكل واضح حتى جعلت القارئ هو الحكم في مثل هذه التصنيفات الممكنة خلال القراءة..
فصول الرواية ورغم تسلسلها العام تأخذ صفة النأي بعضها عن بعض، حتى إن القارئ يستطيع أن يقرأ كل فصل، وكأنه وحدة مستقلة عن الأخرى إلا أن شخصية الرواية هي التي تحدد اطار الفكرة العامة للرواية.
سرد يتكىء على الواقع
تذهب البطلة (الراوية) للأحداث في الرواية الى عوالم خاصة في المكان لتبذل جهداً مميزاً في رسم تفاصيل مدن عربية موغلة في عتقها وقدمها في وقت تربط فيه هذه التفاصيل العربية بواقع المدينة الغربية.. (لندن) التي دارت عليها مفصلات السرد؛ لكن الكاتبة (سعاد) حرصت وبشكل مميز على صياغة وقائع مألوفة الحدوث وممكنة التناول.
يؤكد ما نذهب اليه هو رحلتها اليومية المعتادة خلال الاجازة في شوارع لندن حينما نقلت لنا حكايتها المألوفة، لكن هذا الوصف يأخذ هيئة الاستعراض العام لعوالم مدينة الضباب حينما ظلت تبحث عن (الشاعر) في أوقات عديدة، وفي هذه الرحلة تحاول (سعاد) تقديم صورة الحكاية الجديدة.. التي تعدك دائما بأنها ستعرف مصير شاعرها الذي اختفى، ولم تجد بُداً من أن تستقصي الحالة العامة لفضاء الرواية الذي اختطته بواقعية واضحة.
ففي هذه الرحلة تبحث الكاتبة سعاد السعيد عن المثال الرمز المتمثل في الشاعر العربي الذي تعرفت عليه وأهداها عددا من إصداراته؛ لكن هذه الرحلة تتخللها العديد من القصص التي تلتقطها من الواقع، فمثلاً نجدها في المقطع التاسع من الرواية تورد حكاية قديمة تحكي سيرة ولعها باكتشاف الأشياء حينما تذكرت قول معلمتها في الصف الرابع الابتدائي، وهي تؤكد لها أن الصخرة المقدسة في الحرم القدسي معلقة؛ لتحيك من هذا المشهد المستعاد قضية الأمة العربية منذ أن فقدوا فلسطين وحتى يومنا الحاضر.
أضف الى ذلك أن الكاتبة تعتمد في كل
مشهد تسرده على الوصف العفوي كما في سردها تفاصيل ظهيرة اعتمت الدنيا بها، وبدأ المطر والريح بقرع أبواب سكنها بشكل مهابة فطرية مألوفة.. أسمته (مطر لندن) في (الصفحة 41).
اقتضاب الأحداث وعرض الرؤى
تقتضب الكاتبة سعاد السعيد في مشروعها الروائي هذا بشكل واضح حتى إنها توجز مطولات التاريخ لتجعلها على هيئة رسالة قصيرة مقتضبة، لكن هذا الاقتضاب يقلص مدى الرؤية لدى القارئ، إذ تسهم هذه الشهادات المتعددة في خلق مناخ استشرافي مترام لا يمكن له أن يسيطر على فضاء السرد ليجعل منه شهادات متباعدة وأثرها غير مفيد على الرغم من وجودها الحقيقي؛ لكن هذا الوجود قد لا يكون ضرورياً أو مبرراً حيث تتواصل الكاتبة، ومن خلال هذه الرحلة اللندنية أن تسرد (تاريخنا) الماضي والحاضر دون أن تكون هناك قاعدة فنية تحقق للرواية بعدها الحقيقي في ذاكرة المشروع الأدبي.
عرض الرؤى من جانب واحد أخذ الرواية الى آفاق الاستطلاع الصحفي الذي يرصد تحركات هذه المرأة التي وجدت ذاتها أمام فرصة نادرة للهجس والبوح بكل ما يختلج في دواخلها لكن هذا البوح أخذ شكل الاشارات المتلاحقة.
فالرحلة بين حي (العود) في قلب الرياض وحي (فكتوريا) وسط لندن أخذت طابع المقارنة التي تؤكد حتماً اتساع هوة المفارقة، لكنها تحاول جاهدة أن تقتضب في هذا التناول الذي يراوح بين استمالة (الماضي / حي العود) و(الحاضر/ لندن) الى فكرة الاضاءات السردية حيث أحسنت الكاتبة في رسم تفاصيل هذه المفارقة التي تكونت في هذه الرحلة إلا أن فنية الرواية ظلت على الحياد لأسباب نجهلها، أو لرغبة في ذات الكاتبة أن تجعل بهذا البوح ثمرة تجسدت بهذا الجهد السردي الذي قدمته الى القارئ مباشرة.
همنا العربي على هيئة بوح دافئ..
تهجس سعاد السعيد، ومن خلال روايتها (يفرون من رفوف المكتبة) في أحلام كثيرة، لكنها لم تغادر هذه المرأة واقعها إذ ظلت حوادثها غير مستوردة، فقد حافظت على أصالة حلمها العربي (الأليم).. بل بعثت فيه بعض الدفء فالرياض وعمان والقاهرة وبغداد وعواصم أخرى فيها من القصص والأحداث ما يجعلنا في اكتفاء دائم من المثبطات والهموم والأوهام التي ما زلنا نعيشها، ونداوم الخوض فيها من أجل المحافظة على تقليد عربي أصيل؛ لكن الكاتبة استطاعت أن تقوي علاقتنا بحكايتنا الطويلة.. تلك التي تعدنا دائماً بأن يكون الغد أفضل، لكنه، وفي هذه الرواية وغيرها هو مجرد وهم قد يطول.
البوح الدافئ هو ذلك الخيط الرفيع الذي ظل يجسد حاجتنا الى اعادة صياغة لمفردة حديثنا اليومي عن واقعنا تماماً، مثلما فعلت الكاتبة حينما أسست الرواية على مفصلة الحكاية التي نكتنز جميعاً حتى وإن كنا في أي ركن من أركان الأرض.
رحلة الشاعر.. معضلة الإنسان..
ظلت الكاتبة تحاول أن توجد مبرراً لأصل مهمتها السردية.. تلك التي استقصت فيها تفاصيل همها الذي يتقاطع دائماً مع هم القارئ.. لكن هذه التفاصيل تذهب الى تجريد واقعي يسوق المعنى الى أصله دون أن يتدخل القارئ في أي شأن من شؤون الرواية ولا سيما فنياتها التي تعتمد على لغز وارد لكنها لم تُفَعِّله كثيراً؛ وهذا اللغز يتمثل في شخصية الشاعر العربي المهاجر.
سعت الكاتبة، ومنذ سطور الرواية الأولى اإلى قياس حجم معضلة الوعي لدينا بما يعيشه شاعرها المفضل.. هذا الذي ألهمها الكثير من المواقف والصور والمقارنات بين واقع تعيشه وماضٍ تنظر اليه بتشكيك وريب.. ليأتي الشاعر مرة تلو الأخرى مؤكداً حقيقة قضيتنا الإنسانية التي شغلت بال الكاتبة ،وأملت عليها العديد من الصور والمواقف.
جاءت الرواية على هذا النحو الاستقصائي لحالة عاشتها الكاتبة.. لكنها حاولت تسكين كل ما حولها، وكأنها يريد منه أن ينصت.. حتى إنني تمنيت لو فعلت دور سائقها الذي ظل يمدها بالرسائل والخطابات، ويتقن فن البحث عن أماكن ظلت فضاء مناسباً للسرد.
إشارة:
* يفرُّون من رفوف المكتبة (رواية)
* سعاد فهد السعيد
* القاهرة (ط1) 2003م 1424هـ
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
قضايا
تشكيل
المنتدى
ذاكرة
مداخلات
الملف
الثالثة
منابر
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved