الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 8th March,2004 العدد : 49

الأثنين 17 ,محرم 1425

هؤلاء مرُّوا على جسر التنهدات
رائد.. في أدب وصحافة نجد!!
بقلم/علوي طه الصافي

من الأساتذة الرواد في أدبنا وثقافتنا وصحافتنا في منطقة (نجد).. ومن أوائل من شجعني على نشر بعض أعمالي الأدبية في مجلته الثقافية الشهرية (الجزيرة)، التي أنشأها عام 1379هـ الموافق 1960م في مدينة (الرياض)، ومن تاريخ هذه النشأة لا نستبعد أنها أول مجلة ثقافية شهرية في منطقة (نجد) بالمملكة.. وفوق كل ذي علم عليم..
قلت إنه من أوائل الذين شجعوني على النشر أدبياً في الوقت الذي كنت ما أزال أدرس بالمرحلة المتوسطة في مدينتي الصغيرة.. وكان تشجعيه لي يومذاك كبيراً.. اذ كان يكتب على رأس موضوعاتي (بقلم الأستاذ).. وكانت كلمة (أستاذ) بالنسبة لي في تلك السن المبكرة كبيرة، وفضفاضة.. وكان في الامكان أن تملأ هذه (الصفة الكبيرة) نفسي بالغرور.. والغرور مقبرة المواهب، والقدرات، والملكات.. إنه عمليتا (وأد، واغتيال) مبكرتين.. لكن أحمد الله أن صدى هذه الصفة في نفسي كان الشعور بالخجل.. إلى جانب انه كان حافزاً لي على تكثيف قراءاتي.. وتثقيف نفسي ثقافة ذاتية حتى أكون جديراً بهذه الصفة الكريمة.. وهذا فضل أعترف به لأستاذنا الكبير الرائد (عبدالله محمد بن خميس).. وقد عبَّرت عن هذا الفضل مع نفسي فقرأت له كتابه القيم (الأدب الشعبي في الجزيرة العربية).. وتأثرت به فألَّفت كتيباً بعنوان (الأمثال الشعبية في المخلاف السليماني) والمخلاف هو الاسم التاريخي لمنطقة جازان، وما جاورها (طالع قصة صدور الكتيب في الحلقة التي كتبتها عن أستاذنا الرائد عبدالقدوس الأنصاري في سلسلة هذه الحلقات).. ثم قرأت كتابه (شهر في دمشق) الذي يحسب على أدب الرحلات.
وحين انتقلت إلى الرياض عام 1387هـ، ولم أتركها حتى تاريخه.. وكما تعرفت على رموز الأدب والثقافة والصحافة أثناء إقامتي في جدة، وأقمت معهم علاقات صداقة متينة حضارية.. رحم الله منهم من مات.. وأطال الله عمر العائشين منهم..
قلت، كما أنني أقمت تلك العلاقات في جدة.. فكنت شديد الحرص على القيام بالدور نفسه في الرياض.. فنجحت بحمد الله.. وكان من بينهم أستاذنا الرائد (عبدالله بن خميس)، ولكن بعد توقف مجلته (الجزيرة) الشهرية التي كنتُ أحد كتابها، بحيث أن الأستاذ (ابن خميس) نفسه لم ينس اسمي، فذكره من بين عدد من كتابها في أحد اللقاءات الصحافية التي أجريت معه، وهذا ما سهَّل لي طريق التعرف عليه.. وإقامة صداقة ود واحترام، ما تزال مستمرة إلى اليوم، أطال الله عمره ، وشفاه من أمراض الشيخوخة.. وقد تحولت (الجزيرة) إلى مؤسسة صحافية مساهمة بعد صدور نظام تحويل الصحف الفردية إلى مؤسسات صحافية مساهمة عام 1383هـ إن لم تخني الذاكرة فصدرت أول ما صدرت اسبوعية في شكل (جريدة) ثم تحوَّلت الى جريدة (يومية).. ,اصبحت اليوم في عهد رئيس تحريرها الحالي، للمرة الثانية، الصديق العزيز الأستاذ (خالد حمد المالك) الذي أعطاها من جهده، وفكره، ما جعلها تعد من جرائد ليس المملكة فحسب، بل الخليج، والوطن العربي، الناجحة التي تحرص على قراءتها شرائح واسعة من القراء.
ولم يكتف بذلك بل أصدر أربعة ملاحق أسبوعياً.. وهي ملاحق مستقلة عن الجريدة، واختصاصيه هي: (مجلة الجزيرة)، و(المجلة الثقافية)، و(مجلة الاصدار الدولي)، و(مجلة العالم الرقمي). وهذه المحلات تأخذ حجم الصحافة (التابلويد).. والطموح الإنساني يسعى دائماً إلى الجديد، والتجدد.. وصناعة المتغيرات في عصر لا تتوقف متغيراته.. كأن الإنسان يسابق زمنه، متخطياً المألوف، والمعتاد، والرتابة!!
وأستاذنا (ابن خميس) خاض أكثر من معركة أدبية.. أذكر منها معكرته عن الفصحى والعامية، كان الطرف الآخر فيها الأستاذ (يحيى المعلمي) تغمده الله بواسع رحمته.. ومعركة دارت بيني وبينه حين أصدر كتاب (الشوارد).. وقد احتد فيها عليَّ اعتسافاً سامحه الله.. كما قامت شبه معركة غمير موضوعية بينه، وبين الأستاذ (عبدالله بن إدريس).
وأرجوه أن يسامحني، وهو طريح الفراش الآن.. لأنني وجهت له رسالة حادة بتوقيع (مسمار).. ورغم انه رد عليَّ بأسلوب أكثر حدة تحت عنوان (أي مسمار أنت؟)، إلا أنني أشعر بالندم اليوم لتلك الرسالة.. فلعله إن شاء الله يقرأ موضوعي هذا فيسامحني قبل أن ننتقل جميعاً إلى رحمة الخالق الذي سمى نفسه (الغفور) و(الغفار) صفة للمبالغة في مغفرته، وهي ما نتشوق إليها في الدنيا والآخرة.
ومرة دعانا لتناول طعام الغداء في مزرعته الخاصة (عمورية)، استئناساً بمعركة (عمورية) الخالدة في التاريخ الإسلامي.. هذه المعركة التي خلَّدها الشاعر العربي (أبو تمام) في قصيدته التي مطلعها:
السيف أصدق إنباء من الكتب
في حده الحد بين الجد واللعب
وهذه المزرعة تبعد عن مدينة (الرياض) 30كم تزيد، أو تنقص.. ويومها وجَّه إليَّ شخصياً سؤالاً، لا أدري فيما إذا أراد إحراجي، أو امتحان ثقافتي التراثية من منطلق أن ثقافته بداية، ونشأة، ودراسة نظامية، واستمرارية، تراثية.. فهو لا يميل إلى الثقافة المعاصرة.. ولغته العربية متينة، إلى حد أنه لا يتحدث مع الآخرين إلا بالفصحى.. حتى مع عامل مزرعته، ومع سائق سيارته.. رغم احتفائه بالشعر النبطي، باللهجة العامية.. ويحفظ الكثير من قصائده لمختلف شعرائه.. وله كتاب عن الشاعر النبطي (راشد الخلاوي).. كما أنه يرى في الشعر الحديث شعر التفعيلة نوعا من الزندقة والمروق!!
سألني قائلاً: لماذا تستعملون أنتم في الجنوب حرف (الشين).. كأن يقول الواحد منكم (شأروح.. أو شآكل.. أو شأنام.. الخ)؟
رددت عليه بتواضع ( لا يُفْتَى، ومالك في المدينة)!!
فرد عليَّ.. يا بني قد يوجد في الجدول الصغير مالا يوجد في البحر والمحيط!!
رضيت في ضياقته أن أكون جدولاً صغيراً.. وأن يكون هو بحراً أو محيطاً!!
قلت له سأرد على سؤالك من ناحيتين:
الأولى: عن واقع، ومعايشة فنحن نستعملها عوضاً عن (سوف) المستقبلية فنقول: سوف أروح.. سوف آكل.. سوف أنام.. ويمكن أن تعني في المجال المستقبلي نفسه باستعمال حرف (السين) فقط.. فنقول: سأروح.. سآكل.. سأنام!!
الثانية: تاريخية، تراثية.. فأنت تعرف (الكشكشة) في اللغة، وأظنها (كشكشة حمير).. ونعرف سيادة حضارة حمير القديمة في اليمن التي لا يستبعد أن تركت كشكشتها لامتدادها على المنطقة، واستمرت إلى اليوم.. ومثلها كلمة (أم) التي تستعمل بدل (أل) التعريف، فنقول: امسمن عوضا عن (السّمن).. وامعسل عوضاً عن (العَسَل).. و(أم) مفردة (حميرية).. ويروي عنها حديث شريف لست متأكداً من صحته.
ثم أردفت متسائلاً: هذا ما في الجدول الصغير. فماذ في البحر، أو المحيط؟
رد، وهو يبتسم في رضا: أهل مكة أدرى بشعابها!! وبهذا انتهى نقاشنا.
والمعروف ان أستاذنا (ابن خميس) من مؤسسي (النادي الأدبي بالرياض).. وقد جرى التصويت لانتخاب رئيس النادي بمنزله في شارع (جرير) بالرياض.. وكنتُ من الحضور.
ولأستاذنا (ابن خميس) مجموعة من المؤلفات منها (المجاز بين اليمامة والحجاز).. وهو شاعر مطبوع يقوم (معجمه الشعري) على القصيدة العمودية التراثية، بحكم ثقافته.. وله ديوان مطبوع بعنوان (على رُبَى اليمامة).. أنشأ مطبعة خاصة به باسم (مطابع الفرزدق).
اسمه الكامل (عبدالله بن محمد راشد بن خميس).. من مواليد (الدرعية) عام 1339هـ، والدرعية من مدن المملكة التاريخية التي شهدت حروباً ضروسة، شرسة، ومدمرة.. نال (الثانوية العامة) في (دار التوحيد بالطائف).. ثم حصل على ليسانس كليتي الشريعة، واللغة العربية بمكة المكرمة.. تنقل في عدد من الوظائف الرسمية الحكومية منها (وكيل وزارة المواصلات)، وآخرها رئيس (مصلحة المياه والصرف الصحي).. ثم تفرغ بعدها للتأليف، والكتابة في الصحف والمجلات.. مثَّل المملكة مع آخرين في بعض مؤتمرات (الأدباء العرب).. وله مكتبة خاصة لا يقل عدد موجوداتها عن عشرة آلاف كتاب.. له علاقاته الخاصة مع بعض الأدباء العرب.
ولأستاذنا (ابن خميس) تجربته الذاتية مع صحافة المملكة.. نترك الحديث عنها له شخصياً للتوثيق.. يقول:
(بدأ أول عمل صحفي لي حينما كنتُ في (دار التوحيد) بالطائف.. وكنتُ مراسلا لجريدة (المدينة) آنذاك، أبعث إليها بأخبار الدار، وبأخبار النادي الأدبي فيها، ثم ما أقوم بوضعه من قصائد، ومقالات، وبحوث، تتواءم، ومداركي العلمية في ذلك الزمن.. وكانت جريدة (المدينة) تنشر هذه الآثار، ويعظم سروري، واغتباطي، حينما أراها على صفحات الجريدة.
ثم نشأت علاقات صحفية بيني وبين جريدة (البلاد السعودية) ورئيس تحريرها آنذاك الأستاذ (عبدالله عريف).. وبيني وبين جريدة (أم القرى) ورئيس تحريرها آنذاك (الطيب الساسي).. وبيني وبين مجلة (المنهل) رئيس تحريرها عبدالقدوس الأنصاري.. وتطوَّرت هذه العلاقات حتى أخذت أوزَّع انتاجي الأدبي طيلة ما أنا في عهد الدراسة!!
وفي أخريات أيامي بكليتي الشريعة، واللغة، بمكة المكرمة.. كان لا يوجد في (الرياض) آنذاك مطابع.. وكان الأستاذ (حمد الجاسر) يبعث بمواد مجلته (اليمامة) إليَّ في مكة المكرمة، لأقوم بالاشراف على طباعتها، وإخراجها مدة من الزمن.. ومن هنا لم تزل الهواية الصحفية تلاحقني حتى قمت باصدار مجلة (الجزيرة).
ولاشك أن مجلة (الجزيرة) تصدَّرت محيطنا آنذاك، وهو بعد لم يتشبَّع بروح الصحافة، ولم يروِّض نفسه عليها.. ولم يجد الأقلام التي يمكن أن تعمل في حقل الصحافة فات أستاذنا ابن خميس أن يذكر أن الصديق الأستاذ علي محمد العمير كانت له جهوده، وبصماته على المجلة متدرجاً في العمل فيها إلى أن أصبح مديراً لتحريرها، ومسؤولاً عنها مسؤولية كاملة، وهو الذي أدخل عنصر الصورة عليها بدراية وجدارة وهواية.. هذا إلى جانب التأخر (الطباعي).. وغلاء الطباعة.. وقصور الامكانات.. كل ذلك يجعل العمل في هذا الحقل عملاً شاقاً، ومضنياً.. ومنه يتبيَّن ما يمكن أن يتعرَّض له صحفي يعمل في مثل هذه الظروف.. وكانت المجلة تطبع على (مطابع الرياض).. والكمية التي أطبعها آنذاك تطوَّرت من (3000) نسخة إلى (5000) نسخة)(1).
وعن ما حققه من مكاسب وراء إصداره المجلة، بصفته صاحب تجربة خاصة يقول: إذا كان المقصود المكاسب (المادية) فحينما تعشَّقت الصحافة، فإنني قد جعلتها جانباً.. وإذا كان المقصود الناحية (المعنوية)، فإنني أعتز بما قدَّمه قلمي الضعيف هذا تواضع من أستاذنا في مجالها.. على أنني لا أنسى للصحافة فضلها حينما حملتني على مواصلة البحث، وعلى ملاحقة معرفتي برجال في حقل الصحافة وفي رأينا فإن دور الصحافة لا يتوقف عند إقامة مثل هذه العلاقة، بل يتعداه إلى إقامة العلاقات ومد الجسور بين الكاتب، وشرائح القراء.. وأغلب الكُتَّاب في البدايات ولدوا من رحم الصحافة، واشتهروا من خلالها في الشرق، والغرب أعتز بصداقتهم وبالتالي إلى تكوين (ملكة) صحفية اعتز باضافتها إلى حصيلتي (الثقافية) في هذه الحياة.
وعن علاقاته بكُتَّاب مجلته (الجزيرة) على وجه أخص، قال:
(الجزيرة) آنذاك، كالكهف لاذ بحماه الغث، والسمين.. والبار، والعاق.. فقد تتلمذ عليها من عق، ومنهم من اعتز بزمالته، وبتبريزه بالمجال الصحفي، والثقافي.. وأحمل له كل إكبار، وإجلال، بقدر ما يحمل له مجتمعه.. وهذه من النواحي التي أعتز بها.. وحينما قلت إنها أي الصحافة كانت من الأسباب التي خلقت لي زمالات، وصداقات، اعتز بها واعتد)(3).
وما قاله أستاذنا (ابن خميس) يحدث في كل زمان وكل مكان.. إنها طبيعة النفس البشرية.. واختلاف تربيتها.. ومشاربها.. ونزعاتها.. والنفس في الاسلام كما نعرف وفوق كل ذي علم عليم تنقسم إلى ثلاثة أنواع.. نوع (النفس المطمئنة) التي ترتقي بصاحبها في الدنيا سلوكاً نظيفاً.. ومعاملات حسنة في علاقتها مع الآخرين.. كما ترتقي به في الآخرة للدخول مع عباد الله الصالحين في جنة الخلد.
والنوع الثاني يتمثَّل في (النفس اللَّوامة) التي أقسم بها الخالق في كتابه الخالد (القرآن الكريم).
ويأتي النوع الثالث، والأخير (النفس الأمَّارة بالسوء)، وهو النوع الخاسر، وهي النفس التي يسكنها الحقد والضغينة.. وعمل السيئات في الدنيا ضد الآخرين.. فهي نفس جبلت على الشر، وتحالفت مع الشيطان.. وعاقبتها في الآخرة وخيمة.. كأنها بأعمالها، ونزوعها لعمل السوء تكون قد خسرت الدنيا والآخرة!!
اللهم يا قادر، يا غفار اجعل نفوسنا مطمئنة لندخل مع عبادك الصالحين الفردوس الأعلى، ومع المتقين، والشهداء، وحسن أولئك رفيقاً.. وحسبنا الله ونعم الوكيل.. ولا حول ولا قوة إلاَّ بالله العلي العظيم.


alaWI@alsafi.com
ص.ب (7967) الرياض (11472)
(123) مجلة (اليمامة) الأسبوعية بالرياض العدد (147) تاريخ 62 1391هـ الموافق 241971م.

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
قضايا
تشكيل
المنتدى
ذاكرة
مداخلات
الملف
الثالثة
منابر
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved