الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السياراتالجزيرة
Monday 08th May,2006 العدد : 152

الأثنين 10 ,ربيع الثاني 1427

رواية بنات الرياض

*د. مسعد العطوي:
لقد تشوَّقت إلى قراءة (رواية بنات الرياض) لكن لم أتمكَّن من العثور عليها مطبوعة حتى وجدتها منثورة في مكتبات العاصمة الثقافية الكبرى (القاهرة) فكان حضوري مؤتمر الاستشراق وعثوري على كتب جديدة ومنها رواية (بنات الرياض) هي ربحي حينما خسر الذين يلهثون وراء الأسهم في هذه الأيام. ولم أكن أفكر أن أخوض مع الخائضين في هذه الرواية بلا قاعدة فكرية عنها حتى قرأتها ودفعتني تلك القراءة دفعاً كيما أرسم تصوّراتي عنها فلست من الذين تستفزهم فرقعات الصحافة، ولست من أولئك الخامدين الذين لا يتابعون الحركة، ولست من أوائل المبدعين. وقد زرعت قراءتها أفكاراً كثيرة لعلي أطرحها للقارئ العزيز ولكل وجهة نظر هو موليها، ولعلنا نختلف في الطرقات وعلى الوسائل وعلى أي السبل أسهل وأقرب، ولكننا نتفق على المسلّمات والأمور التوقيفية. والقصة أحاسيس شعورية تموج بالأمنيات وتهوم في أوهام أو أحلام اليقظة التي تدخل أحياناً في كون النفس أمّارة بالسوء ولكن لا وقوع في الخطيئة ولا تمادي في البذاءة والفحش.
ومن الخير أولاً: أن نعرف (بنات الرياض).. فبنات الرياض هن اللاتي يملأن الجامعات الفكرية والأدبية والعلمية، وهن أمهات وأخوات وبنات قادة الفكر والسياسة وكثير من العلماء، وبنات الرياض أعرف نموذجاً منهن فقد درستهن وأشرفت وناقشت عدداً كبيراً من رسائلهن الجامعية وتحاورت مع كثير من طالبات العلم ومن الأديبات والشاعرات والمفكرات من أساتذة الجامعات. وإني لأزهو بهن وسيزهو بهن التاريخ. والقارئ يدرك مكانة المرأة من خلال المنطوق والمفهوم من رواية (بنات الرياض) لرجاء عبد الله الصانع.
والشريحة التي اختارتها أو لنقل صديقاتها الأربع أو بطلات الحكاية التي تولّدت عن حكايات القصة أكثر إثارة من القصة، حتى الأديب الشاعر غازي القصيبي أسهم كثيراً في المغالاة والمبالغة لتصوير هذا النص فهو يقول: (تقدم رجاء الصانع على مغامرة كبرى تزيح الستار العميق يختفي خلفه عالم الفتيات المثير في الرياض). والقصيبي أعلم الناس بالأدب العربي وما حواه من الألوان الغزلية العذرية ومنها التي تحوي المبتذل السوقي والفاحش المكشوف وهل نقارن بنات الرياض كما صوّرتهن القاصة ببنات بغداد كما صوّرهن الجاحظ وإن قلت إنهن (إماء وحواري). ألم يصوّر الجاحظ الحرائر وعبثهن ويعلّل ذلك في كتابه الحيوان؟ وقد جارى القصيبي الكاتبة في تهويلها ومبالغتها حين تقول: (أنتم على موعد مع أكبر الفضائح المحلية، وأصخب السهرات الشبابية)، لقد ظلمت نفسها وظلمت رفيقات دربها، فمضمون النص الروائي لا يبلغ هذه الدرجة مما تزعم.
وشخصيات القصة وخامستهن صاحبتهن أم نوير، لم تصوّرهن الكاتبة فاسقات ماجنات لاهيات، كما يتوهم القارئ نتيجة لكثير من الكتابات الصحفية والعبث النقدي على الإنترنت، فهي امرأة تبتغي الزواج الحلال، وتلهث وراءه، ويمتلك عليها أحلامها، وتتوَّهمه في أحلامها وأوهامها، وحديثها الخاص مع الصديقات المقرّبات اللاتي يحفظن الأسرار، ثم هي تتطلّع إلى الزواج في كل محادثة هاتفية أو دردشة على صفحات الإنترنت وإن كانت الوسيلة خاطئة؟ إن هذا الذي ترنو إليه شخصيات القصة إنما يتواصل مع الحب العذري المتوارث عن العرب خلافاً للحب التربادوري الذي يقف عند الحب ولا يحتم الزواج. يظن الكثير أن الصور الغزلية والوجدانية لشخصيات القصة ولغة القصة والمضمون الذي يتجسد للقارئ أنه تجاوز حده مع العبث الرومانسي. إنما هو غير ذلك؛ فالحكايات أهون بكثير من حكايات عمر بن أبي ربيعة وحكايات العرجي، ولم تبتذل تبذل شعراء المجون العباسي وما تلاه من العصور مما يندى منه الجبين. ما أعف التصوير واللغة عند الصانع إذا ما قارناه بشعر كثير من أهل العلم، فضلاً عن الشعراء الذين لهم قصائد مبتذلة في الغزل بالمذكر. أما إذا قارنا قصة (بنات الرياض) بالتبذّل والكشف والتصوير الفاضح في العصر المعاصر فحدِّث عن نزاهة هذه القصة ولا حرج، فهي لم تصوّر العري للنساء، وهي لم تصوّر ارتكاب الحرام، وهي لم تعلن الدعوة للممارسة الجنسية غير الشرعية.
وشريحة فتيات الرياض المنتقاة لسن عابدات ولا ملتزمات بصورة ودلالة الالتزام المعاصر، والدلالة المعاصرة للالتزام، لا تخرج غير الملتزم من الملة ولا الدين، ولا شك أن الناس درجات: منهم السابقون وأهل اليمين وأهل اليسار ومنهم من يأتي بعمل صالح وآخر سيئاً، وآخرون خلطواً عملاً صالحاً بآخر سيئ. وشخصيات القصة ربما يكن من الصنف الأخير حسب تصوير الرواية ولم يكفِّر العلماء بنات المدينة المنورة في عهد الصحابة والتابعين اللاتي يتعرضن للشعراء ويقمن برحلاتهن حول العقيق ويقابلن الشعراء، بل يتعرضن للشعراء في الحج وكل ذلك إنما هو من اللمم.
إن أم نوير المطلقة التي تستقبل الفتيات لم تصوّرها الرواية تصويراً يكشف عن الدعارة وممارسات مخلة بالشرف إنما هي امرأة ليّنة الجانب تجاري روح الفتيان والفتيات وترقب حركاتهم وكأنها الرقيب القديم بين المحبين، لكن الرقيب عند الشعراء مبعوث من جانب واحد يرقب أو ترقب عن خفية وتخف. أما رقيبة القصة أم نوير فهي وظيفتها الجمع بين اثنين يريدان الزواج، بدليل قناعة الشباب بها وإدراكهم أن الفتيات في صون عن ارتكاب الفواحش. ولو كان غير هذا لما كان الحب ومن ثم الزواج وكأنها تشترط عدم الخلوة الشرعية فالأبواب مفتحة وهي تذهب وتجيء عليهم، وكأن هذه المطلقة أم نوير خاطبة تجمع بين رأسين في الحلال كما درج ذلك في المثل الشعبي.
استجابتهن لمتطلبات الزوج والالتزام بالقيم: فقمرة تمثِّل قمة الالتزام في زواجها وتأنيب الضمير حين ترتكب خطأ في الهاتف أو الدردشة وكذلك تلتزم (سديم) التي لم تتجاوز الحدود الشرعية مع خطيبها، بل زوجها الشرعي (وليد) الذي طلقها قبل قيام حفلة الزواج لمجرد استجابتها له بعد عقد القران، هي لم تخدش بنات الرياض لأنها أعلنت أنها تصور شريحة واحدة هي شريحة بنات الأثرياء وليس الأمر شاملاً أهل الرفاه، ولا يقترب من الوسطية لأن لكل شخصية منهن ظروفها وهناك من هذه الشريحة العدد الأكبر التي لها ظروف أخرى والمتأمل يدرك هذا والتسمية أقرب ما تكون مجازية من نواح شتى منها كون هذه الشخصيات من الفتيات التي لا تمثِّل التنوع الاجتماعي في عاصمة عدد سكانها خمسة ملايين. ثم إن القارئ يستطيع إعادة الفتيات لأقاليم المملكة ولكن كل بنات المملكة بنات الرياض.
***
شخصيات الرواية
إن شخصيات القصة هي التي تفعل الأحداث وتولدها، وهي التي تملأ المكان وفضاء الزمان، فالشخصيات تصنعهما وتؤثر فيهما وتتأثر بهما، والشخصيات تصوِّر جوانب الحياة الإنسانية الفردية والجماعية، ومن خلال دراسة الشخصيات نرصد تموجات المظاهر الفكرية والعقلية والحياة التربوية، بل نرصد صنائع الإنسان الحاضرة ونستشرف المستقبلية.. وتؤدي تلك المعرفة إلى مساعدة أهل الإصلاح وبناء العقول من التربويين والتنفيذيين لتوجيه المسيرة العملية والتربوية والاجتماعية والوطنية.
وهناك من القص العالمي ما يمثّل كل إنسان في الكون أو جانباً من جوانبه الشائعة.. والفتيات اللائي يمثِّلن شخصيات القصة، يحكين واقع الشباب من الفتيان والفتيات، فلما تعود بنا الذاكرة إلى تلك المرحلة نجد أن الحياة الزوجية هي المهيمنة على فكر الشباب عامة، وأن الأمنيات والأوهام التي تستحوذ عليهم تتراكض كسراب في صحرائنا، لكن الأغلب أن الشباب يتعاملون بتغرير عند التلاقي وبواقعية عند اتخاذ القرار، وأن الفتيات تطفو عليهن الأمنيات الجمالية الحسية وتستوقفهن الشخصيات ذات الأهمية والموقع مع المكانة الاجتماعية، فهذه سديم تُعجب بفراس وهذه ميشيل (مشاعل) تُعجب بابن خالتها الدكتور الأمريكي، بل كل من الزهرات الأربع تتعلَّق بمن يحتل مكانة عملية أو اجتماعية، ولم تتعلَّق أي منهن بمن هو ساقط الهمّة، وهذا التفكير ليس حصراً على بنات الذوات فحسب، لكنه أمنية كل فتاة مع تفاوت الدرجات.
ومعنى ذلك أن الفتاة تتخذ القرار في بداية تكوين العلاقة فهي مشحونة بتوثيق علاقة الزوجية من بداية الإصرار على اللقاء، فإذا لم يكن صالحاً للزواج لا تسترسل له، وهذه خاصية في تلك الفتيات اللائي يدّعين التحرر فكيف ببقية فتيات المجتمع الملتزم؟! بل أكاد أجزم بتكاثف ذلك عند المجتمعات الإسلامية.
وهنّ يغلب عليهنّ الشخصية القوية التي تبتغي الهيمنة والبذل والعطاء الكثيف من جانب الرجل وتتناسى ما تبذله وتأثيره على الرجل وإنما الغاية والهدف الإعجاب الشديد والقول اللطيف والخشية من الهيمنة وهذا لا شك فيه اتجاه ينداح في موكب التأثير الغربي وتجلي العولمة ويتواصل مع الثورة الجديدة ضد قوامة الرجل.. ويتجلى في شخصية فيصل مع ميشيل وملاحقته لها، كذلك في علاقة سديم مع وليد، لكن الأمر اختلف مع فراس الذي استجابت لرغباته بسائر أوجه الالتزام ووجدت بعض أمنياتها في شخصية طارق فهو يغفر كل ما سلف، وهو مندفع مع التجاهل، فعقلها هيمن على وجدانها وهي محقة في ذلك، فهو أيضاً الرجل الجاد والطيب الذي يستشرف المستقبل وهي رؤية عقلية تريد نسيان الماضي، وظاهرة الأنا عند الشباب تكاثفت حتى على روح الفداء بل التعاون، فقد كانت الفتاة في الأجيال السابقة تُربى على أن تتفانى في خدمة الزوج وتسعده وتعينه، ومن ثم تكسبه وتعمِّق العلاقة الزوجية، ونحن أحوج إلى ثقافة الاعتدال التي توازن بين الأنا والآخر، وقد نجحت فيها لميس مع زوجها نزار.
لا نملك القدرة على الاعتراف بالتهويمات النفسية، ولا بالنزعات السلوكية مع أنها مودعة عند كل فرد من البشر فنحن لا نتحدث عن الأحاسيس ذات الأمواج ونحن لا نعترف بأحلام اليقظة وما تدفع إليه مع أن الله سبحانه وتعالى أشار كثيراً إلى الوقوع في اللمم واجتراح السيئات ودعا إلى التقوى.. كما أشار جل جلاله إلى أن النفس أمارة بالسوء وإلى اقتران الشيطان، فهل يستطيع أي من البشر أن يبرأ من ذلك كله ما عدا الأنبياء والرسل؟! فالقاصة رجاء الصانع إنما كشفت عن سلوكيات تشارف الوقوع في الخطأ أو تؤول تارة إليه وتلك نزعات شبابية يتحادث بها الشباب والشابات، أو هي مغامرات سجلها الأدب العربي بداية بامرئ القيس، فالقارئ يدرك أن هناك فتيات يشاركنه في الاندفاع إلى الأنس أو المتعة.. إنها طبيعة بشرية، فالقارئ للرواية من الفتيان يرونها واقعية سطحية وكذلك الفتيات، ليس كل شباب الأمة وشاباته، وإنما هناك تفاوت.. إذن فالرواية ليست كما يتصوَّرها بعض القراء نافرة خيالية، إنما هي واقعية ميدانية تبوح بالانفعالات النفسية.. الرواية تكشف عن ضبابية الرقابة مهما كثَّفها المجتمع فكما كانت النساء في جزيرتنا ترعى البهم مع أقرانها وتلعب في الطرقات مع الأولاد في مثل سنها وكما ترعى الأغنام أو تذهب إلى المزارع وتمارس الفلاحة أو تذهب في الأحياء بين الجيران ويغيب عنها الزوج والأهل في سفرات قصيرة وكثيرة ولا رادع للمرأة أو الطفل القرين أو الشباب في الأحياء أو المراعي أو الرجال في أسفارهم إلا النزعة الدينية ويغلب الحياء وخشية الفضائح الاجتماعية، ومن هنا فالتربية الاجتماعية والأسرية لهما دورهما في ترسيخ القيم.. والواقع اليوم أن الأسواق تموج بنسائنا بعيداً عن الرقيب، وتذهب إلى المدارس والجامعات، وتتواصل مع الخارج بالهاتف، وتحادث بواسطة الإنترنت من أوسع الأبواب، ومن هنا فلا مناص من الوقوع في ألوان من الخطأ إلا من رحم ربي.. والأمر هو غرس الفضيلة وتهويل الرذيلة في تربية الجيل والأجيال فهي الرادع لمثل شخصيات هذه الرواية والرواية تحكي مغامرات الفتيات الغرامية كما كانت في العصر العباسي وانظر إلى هذا المقطع كيف يصوِّر ما يُسمى بالغلامية الموجودة قديماً والمتواصلة إلى هذه العصر، (كان الاجتماع في منزل ميشيل التي ارتدت بنطالاً فضفاضاً فيه الكثير من الجيوب مع سترة ضخمة لتخفي معالم الأنوثة منها وطاقية بندانة خبأت تحتها شعرها ونظارة شمسية ملونة لتبدو كمراهق أفلت من رقابة والديه وارتدت لميس ثوباً أبيض رجالياً مع شماغ وعقال فبدت لطولها وجسمها الرياضي شاباً وسيماً ناعماً.. بعض الشيء أما بقية الفتيات فارتدين العباءات المخصَّرة والمطرزة مع لثمات تغطي بين الأنف والنحر وتبرز جمال عيونهن المكحَّلة وعدساتهن الملونة ونظارتهن الغربية).
والاجتماعيات التي تعقدها الفتيات في منزل أم نوير ضرب من تكوين التسلية التي تبتعد عن الرقابة لا سيما وقد هيأت فرصة الالتقاء بالشباب العاشقين وإن كان الأمر تحت رقابة أم نوير، وكذلك اللقاء في المقاهي والمطاعم والأسواق وكذلك الصحبة في العربات تحت ستر الصديقات.. إن الذي يخوض مع الشباب أو هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تتكشف له سهولة الأمر بالمقارنة بغيره من الحوادث وتزايده، وغالباً ما يكون الاتفاق من الأسواق، والواقع يغلب فيها ألا تتجاوز اللمم، ولكل زمان ومكان طرائق عدد للقاءات الشبابية.. فهم كالماء الذي لا بد أن يبحث عن طرق يجري خلالها، لكن مع تبلور هذه القضايا أين طرح المعالجة؟
والأمر أكثر حرية في الخارج فهذه سديم تستوطن لندن وتسكن لوحدها وتصحب الرجال في مقر عملها وفي منتدياتهم، وتجوب أسواق لندن منفردة ص (124).. (كانت قد اعتادت أن تقضي صباح كل سبت في شارع أكسفورد تذهب للتّسوق من محلاته الكثيرة قبل أن تنهي جولتها الأسبوعية بساعات داخل مكتبة بورد رز، تتجوَّل في أرجاء المكتبة الضخمة ذات الأدوار الخمسة لتقرأ المجلات وتستمع إلى أحدث الأسطوانات، بعد أن تتناول إفطاراً خفيفاً في مقهى ستار بكس الموجود بالداخل)، وهن يتعلقن بكل جديد الخارج عن البيئة وإن كان تقليداً للآخر إنما هي (موضة) في هذه البيئة الجديدة.
فقد أحيت الشلة يوم عيد الحب ص (69) (في يوم الفالنتاين أو عيد الحب، ارتدت ميشيل قميصاً أحمر وحملت حقيبة من اللون نفسه، وكذلك بالنسبة إلى شريحة كبيرة من الطالبات، فاصطبغ الحرم الجامعي باللون الأحمر، ثياباً وزهوراً ودمى، كان العيد أيامها تقليعة جديدة استلطفها الشبان الذين صاروا يجولون بسيارتهم في الشوارع مستوقفين كل فتاة جميلة ليقدِّموا لها وردة حمراء ملفوفاً على ساقها (الرقم) واستلطفتها الشابات اللواتي وجدن أخيراً من يهديهن وروداً حمراء كما في الأفلام).. إنها صرعات الشباب، فلو دأبنا على التربية العقلانية التّأملية لخففنا من هذا مع أنها الأقل.
***
المعالم الجمالية
تتسم الرواية بعناصر الجذب التي تتشكّل من المضمون والمعالم الجمالية الفنية ومنها العنوان فهو يجمع كلمتين كبيرتين هي (بنات الرياض) وكلاهما تحمل دلالات كبيرة، فالبنات هن النصف الآخر، وهن نصف شباب الأمة أي هن جزء من الشباب، والآخر الرياض عاصمة المملكة العربية السعودية الدولة التي تخدم الحرمين الشريفين وتعتز بالإسلام وتحمل رايته وتلتزم بتشريعاته، وهي حماية الالتزام وهي حاملة أمانة القيم الإنسانية في العالم الإسلامي، ودلالة التركيب للكلمتين يولِّد كثافة تشع في الأفق الوطني والاجتماعي، بل تصوِّر التصوير الخارجي لهذه البلاد، فما هي سلوكيات بنات الرياض العاصمة الإسلامية الملتزمة، كل يسعى لكشف الحقيقة.
* ومن عناصر التشويق العمر الزمني للبنات؛ فهن ما بين الثامنة عشرة حتى السادسة والعشرين، وتلك مرحلة الاندفاع وتصطفي بنوع من المراهقة، وفيها تطلع للحياة الجديدة وفيها تكبر الأحلام وتقترب النفس من الأوهام.
* وهي المرحلة التي تجتمع فيها الاتجاهات، وتكثر الحوارات، وتلتقي فيها النزعات ويتجاوز فيها تباين التركيبات الاجتماعية والمذهبية، إنها مرحلة التأثير والتأثر وهو يظهر من شخصيات القصة القصيرة فيجمعهن الحرم الجامعي، وتجمعهن الديانة، وتجمعهن المعالم الحضارية في العاصمة، وكلهن بنات نعمة وثراء، أما أعراقهن فهي متباعدة وظهر هذا التلوين في جل محادثاتهن وسلوكياتهن وتنازعهن جينات جنسية ثم يحتم تكاثف الجينات الذهنية المتنوّعة.
* ومن العناصر المهمة في التشويق أن الرواية تمثّل سلوكيات وهذا عامل فيه جذب فكيف بسلوكيات فتيات إنه إغراء وتشويق.
* تستهل فصلها بمقولة فلسفية أو مقطوعة شعرية تحكي أحاسيس القصة فهي بمثابة الاستهلال النحوي للمشاعر التي تحكيها حكاية الفصل.
ويغلب على الحكاية أن تختلط بتحليل جماعي من الشخصيات، أو تحديد موقف متعاون أو تتدخل الرواية فتكشف الأضواء على حكايات جريئة جانبية، ومن دافع ومغريات القراءة لها أن الرواية تتابع سيرة متواصلة، فمسيرات الشخصيات الفتيات متواصلة كل حلقة منتظمة بحلقات وما تنفك إحداهن عن حلقة حتى تراها تتداخل مع زميلاتها بآرائها أو بعبرة حادثتها السالفة وسيرتها، وهن يتعاطفن معها مباركات أو باكيات وتارة ناقدات.
ولغة القصة تعتمد على اللفظة القريبة المتناولة التي لا تخرج عن الفصاحة لكنها شائعة التداول، وسهلة مخارج الحروف، قابلة للتداول في تلك المرحلة الجامعية، وتراكيب الرواية تعتمد على الجمل القصيرة ذات الدلالة الواضحة والكثيفة أحياناً والدلالة المراوغة أحياناً أو ذات الاحتمالات أو الإشارات البعيدة ذات الخطوط الحمراء.
ولغة القصة تتداخل معها اللغة الإنجليزية أحياناً، استجابة لمظاهر التباهي أو محاكاة للواقع الحياتي من الأفلام وهي لغة دارجة عند سائر الشباب من بنين ومن بنات وربما فرضها الحاسب الآلي، والإنترنت، والتفاعل مع العالم الخارجي، ونحن نعترف أن الأجيال الجديدة تحمل ألفاظهم دلالات جديدة وربما تحمل ألفاظاً من لغات شتّى ودلالات فرضها التعامل الإلكتروني، بل أصبحت هذه الألفاظ الدخيلة تحمل دلالات نفسية واجتماعية، وقد كثر عندهن استعمال هذه الكلمات، بل استعيرت إلى دلالات اجتماعية.
وبناء القصة على تسع وأربعين حكاية يدفع القارئ إلى مواصلة القراءة للاقتراب من النهاية لأن الحكاية تتبعها حكاية أو هي تؤدي معرفة نهاية السيرة
نهاية الحكاية حتى (لقمرة) التي طلّقت ولم تخض تجارب جديدة، فهي تصحبنا في سائر الرواية حتى نهايتها. والرواية اقتبست كثيراً من الشعر الذي يتعانق مع مضمون الرواية وأسلوبها وهو يحاكي الواقع بنوعية الشعر الفصيح والشعر العامي، وما يتماثل الشعر من نفثات شعرية ومن استدعاء بعض الأغاني الوجدانية.
الزمن معطى مباشر من معطيات الوجدان، وصحبة الزمن للوجدان صحبة ذات دلالات مختلفة تمثّل الحاضر وتستدعي الماضي وتترقب من المستقبل والزمن في التي نحاول قراءتها يدور في أفلاك متعددة، فهو يدور حول مرحلة زمنية عمرية للفتيات مكونات شخصيات القصة وهو ينتقل في حدود زمنية القصة التي لا تتجاوز ست سنوات، وتلك المرحلة لها تفاعلها الذاتي ولها تأثيرها في مسيرة الحياة السلوكية لكل فتاة متأثرة بمكوناتها الذهنية والوجدانية والسلوكية، إنها مرحلة الاهتزازات العاطفية والاهتزازات السلوكية المتعانقة مع التفاعلات الفكرية والموقع الزمني للرواية يكاد يقع ما بين عام 1420 هجري 2000م حتى عام 1426هـ 2006م، وهو زمن تقارب الكون فيه، فقد تكاثفت الفضائيات، وتكاثفت الرسائل الهاتفية، وأصبح الهاتف الخاص ملكاً سرياً وتكاثف البريد الإلكتروني، إنه التأثير القوي العاصف الذي يحد بالشباب بنوعيه في ركب السلوكيات المتماوجة الذي يتمايل يمينه ويساره. ونحن نستبين من الرواية تلك الحياة السلوكية ذات الحراك الكوني، فهن يوظفن كل جديد من مكونات الحياة، ويتبعن كل سلوك تفيض به الفضائيات والأفلام. وهذا الزمن يمثِّل زمن الحدث والمغامرة ويقرب منه جداً زمن الكتابة للرواية التي لها من الأهمية القصوى لتسجيل الحدث، فكلما اقترب زمن الكاتبة من زمن الحدث كان أكثر تصويراً. إنه تفاعل فكري وسلوكي كثيف بين الفكر والكاتب والمتلقي يؤطره زمن يتشكّل بالحدث ودلالاته ومن ثم إدراك ظواهره، بل لأنه زمن العمر الجامعي وزمن الحضور الكثيف لتضاد الفكر وتصادمه وحضور الحوار والجدل وهو نسيج من التفاعل بين كم هائل من متضاربات السن والفكر والسلوكيات ليس تماثلاً إنما أقصد أن كلاً منهن تستجيب لهذه المكونات وإن اختلف بعضها عن بعض، فالرواية تصوّر شرائح اجتماعية متنوّعة للرياض الجامعة، فمنهن شرائح أصحاب الذوات، ومنهن الفقيرات ومتوسطات الحال ومنهن ذوات المذاهب والأيدلوجيات المتنوّعة وكل ذلك تكشف عنه القراءات المتعددة للرواية. والرواية سردية مما أوجد بينها وبين تتابع الزمن تلاقحاً واضحاً يحمل دلالات كثيفة تتبلور بتيار الوعي للباث والرسالة والمتلقي.
والزمن المعاصر حافل بالإنتاجية المؤثّرة المستعينة وزمن الرواية يحمل المتغيّرات الاجتماعية بفعل التلاقح العالمي وعوامل التأثير والوسائل الجديدة التي تمزج هذا العالم، فهذه رياح التغيير تهب على العاصمة الحديثة الملتزمة من حيث يدري المجتمع أو لا يدري، تخترق مكوناته الذهنية، وتوجهاته الاجتماعية وتصهر ما في القلوب والعقول، وتجذب السلوك وتثاقف البشر تثاقفاً حضارياً شاملاً (ونتيجة لسيطرة القيم المنتجة والمستهلكة على مقدرات الواقع الحياتي المعيش وتحول الزمن إلى سلعة في العالم الاجتماعي). ونحن نراه في زمن هذه الرواية فهي متواصلة مع الإبداع العالمي الحسي والمعنوي الصالح والطالح أحياناً.


masd400@hotmail.com

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
تشكيل
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
مراجعات
اوراق
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved