الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السياراتالجزيرة
Monday 08th May,2006 العدد : 152

الأثنين 10 ,ربيع الثاني 1427

ماذا أقول!؟

*عبد الفتاح أبو مدين:
مثلي يتهيَّب حين يجنح في الكتابة عن رمزٍ في هذا الوطن وفي الوطن العربي، خشية التقصير، فتكون الكتابة ينقصها الكثير ممّا ينبغي أن يكون في مجال الدرس؛ لأنّ الكتابة السطحية لا تغني فتيلاً، والكتابة عن الشيخ حمد الجاسر تتطلّب جهداً لمطالعة ما أحاط به الرجل وما ترك من آثار، وأنا لم يتح لي ذلك، وعليه فأنا أعتذر عن الخوض في بحر لا أحسن السباحة فيه، لكني جنحت إلى تلك المقابلة الثريّة التي سجّلها أخي الدكتور عبد الرحمن الشبيلي، الإعلامي الهميم، الذي تميّز برصد أحاديث عن أعلام من بلادنا، ومنهم الشيخ حمد الجاسر، ورأيت في مقدِّمة أخي الدكتور أحمد الضبيب لفتة خليقة بالاهتمام، وليت الدارسين وطلبة الدراسات العليا يعنون بها وهي جوانب ثريّة، مثل آراء الشيخ الجاسر العلمية ومعاركه الأدبية والجوانب النّقدية في الموضوعات التراثية التي اهتمّ بها وعالم المخطوطات الثريّ الذي اهتم به ردحاً من الزمن في كلِّ مكان يسعى إليه من أجلها، وكتابات الرجل الغزيرة ومطالعاته في حقول معرفية شتى. وأمام طلب رئيس تحرير مجلة العرب، فلم أجد ما يسعفني لأستجيب سوى كتاب الدكتور الشبيلي (الشيخ حمد الجاسر في حوار تلفزيوني توثيقي)، عَلِّيَ أستطيع من خلال تلك الوقفات أن أجد مداخل تعينني على كتابة ما قد يكون تلبية لمشاركة عابرة.
شخصيات في حياته .. هذا الحديث التلفزي، رغم أنّ صاحبه حلّق به في فكر الشيخ الجاسر، لكنّه يظلُّ مقتضباً، لأنّ مساحة التلفاز، وكذلك الأسئلة الكثيرة من السائل، تؤدِّي إلى الإيجاز لضيق الوقت أو قِصَره، لكن هذا الحديث أضاء جوانب في اهتمامات الشيخ الجاسر، ولو أنّ فريقاً أو أفراداً من المقرّبين للشيخ في الرياض، أو سعوا إليه خلال إقامته في بيروت ونقَّبوا في فكره لخرجوا بالكثير من مخزونه الكبير .. وتحدّث الشيخ عن أولئك الشخصيات : طاهر الدباغ، ومحمد حسين نصيف - الأفندي نصيف - وعبدالله بن عبد اللطيف آل الشيخ، وعبد الستار الدهلوي، وعبد الله حمودة السناري، وإبراهيم بن معمر، وعبد الرؤوف الصبان، وماجد الكردي، وخير الدين الزركلي، وعبد الله فلبي، وأضيف إليهم السيد أحمد العربي. هذه أسماء لها تاريخ، ولو عنى بها الدارسون لرأينا وقرأنا مجلّدات عن حياتهم وأعمالهم، لكن الملاحظ أنّ الدارسين أو كثير منهم، لا يريدون أن يجهدوا أنفسهم في البحث والتقصِّي، وهذا الخمود يؤدِّي إلى تقصيرنا في الاهتمام بالأعلام والرّموز التي لها آثار في حياتنا العامة .. وألحظ أنّ غيرنا من الشعوب العربية كبيرة الاهتمام بتاريخها وأعلامها، ونحن وإن كنّا نرى بعض الاهتمام بكتابة أطروحات عن رجالاتنا، إلاّ أنّ هناك تقصيراً، وربما تهيّب في بعض الأحيان .. والتأريخ الذي يتناول بالدرس من يمرّ بهم، يذكر ما للإنسان وما عليه، لكن أين الذين يعنون بذلك؟ وأصحاب الجوائز في بلادنا لماذا لا تتوجّه اهتماماتهم إلى رجالاتنا الذين أسهموا في حياتنا بأعمالهم في ذلك الوقت المبكر، فقدّموا بجهودهم وذواتهم أعمالاً تُذكر فتُشكر، وإني أرى أنّ التقصير في أداء الواجب نقص القادرين!؟
إنّ مسيرة وسمت ومظهر وزي البحاثة الشيخ حمد الجاسر، تشبه حال علماء المغاربة، غزارة في المعرفة، وبساطة في التعامل والمظهر، وأدب نفس يتمثَّل في خلق الكبار تواضعاً وقرباً من الناس، واهتماماً بالمعرفة حيث كانت، وهذا النَّمط من الرجال العلماء في العصر الحديث قليل، بل يوشك أن يكون نادراً أن يجتمع في رجل دأبه البحث عن المعارف والسعي وراءها وتحصيلها، لأنّه عرف وأدرك قيمة المعرفة، وعرف أهليها الذين اهتمُّوا بها وأنتجوها، لأنّهم وطّدوا نفوسهم لها مهما تكلّفوا في سبيلها من عناء البحث والمتابعة حيثما كانت مصادرها في شتى ومختلف بقاع الأرض، مع صعوبة سبل الوصول إليها والاطلاع عليها والحصول على ما يُتاح منها مهما كلّفت الحال، لأنّها قيمة خليقة بأن يسعى إليها عشّاقها الذين يقدّرونها ويحفلون بها، غير مكترثين بالجهد والعناء قبل الوصول إليها وسبيل ما يُتاح منها.
إنّ اهتمامات أُستاذنا الجاسر في البحث عن المعارف يحتاج إلى أن يتناول هذه الأمور الباحثون والباحثات عن المتاعب وصولاً إلى النوادر ومعطيات البحث ولذّة تحقيق أهداف الذين يريدون سبل حب العناء، إن صحّ هذا التعبير، لأنّه نتاج أعمال شاقّة تفضي إلى ما يشبه النصر والفوز كفاء جهد، بل جهود رامت المصاعب لتحقِّق من ورائها ثمار عمل جاد حقيق بالتقدير والاحتفاء من الذين يعنون بجهود العلماء وأعمالهم، لأنّها قيمة وحياة هي قيمة.
إنّ كثيراً منّا يتردّد قبل أن يُقدم على الكتابة عن مثقَّفنا الكبير البحاثة الشيخ حمد الجاسر - رحمه الله -، لأنّه كثير الجوانب التي اهتم بها وخاض غمار البحث فيها والتحدُّث عنها فيما مارس من شؤون المعرفة .. فنحن نجده في الصحافة في وقت مبكر، حيث أنشأ أول صحيفة في المنطقة الوسطى في أيام الصحافة الفردية قبل عصر المؤسسات، وهو رجل مقدام كما عرفته، ينشر ويكتب ما يعتقد أنّه حق، وينبغي أن يوصل إلى القارئ عبر وسيلة نشر قوية، لأنّ المعرفة حقٌّ لكلِّ باحث عنها وساعٍ إليها .. والذي يقدم على إصدار صحيفة جادّة لا بدّ أن يتعرّض إلى كثير من العناء والهزّات، لأنّ من يتصدّر العمل في الصحافة الجادّة لا بدّ أن يلاقي النّصب من خلال ممارسة هذا العمل المضني العسير على غير أولي العزم.
وجوانب أخرى لعلاّمة الجزيرة، منها تاريخها وأدبها وثقافتها، وجهده في البحث كبير، وعضويّته في المجمع العلمي السوري، ومجمع اللغة العربي القاهري، وكذلك عضويّته في مؤسسة آل البيت في عمّان، واهتمامه بجغرافية الجزيرة العربية وأنساب قبائلها وعلومها وتراثها وتاريخها وآثارها، وجوانب أخرى مهمّة، وجهد البحث والتوثيق والنشر عمل لا يؤدِّيه إلاّ فريق نذر نفسه لهذه البحوث الشاقّة.
إنّ الأستاذ الشيخ حمد الجاسر الذي عرفته عن بُعْد والتقيتُ به في بعض الأوقات، رجلٌ صبورٌ حين تحلّ به الملمّات، وحين تجابهه المصاعب، يلاقي العناء بعزم الرجال الكبار، فلا يشكو ولا يتذمّر، لأنّه يدرك أنّ ذلك قدَره، وأنّ العاملين الجادين هم الذين يتعرّضون إلى المكاره والهموم، ولو أنّه كان من نمط لا يطيق مجابهة الكدر والعنف، لما استطاع أن تتوالى جهوده في العلم والإنتاج الصعب، ولاختار المسايرة وإيثار العافية، غير أنّ الإنسان الذي آلى على نفسه أن يصبر للمكاره، فإنّ الشدّة لا تزيده إلاّ صلابة وقوّة، وهكذا كان حمد الجاسر في حياته كلّها يواجه ما يلاقي من كرب بِصَبرِ وعزمِ الكبار؛ ذلك أنّه في أعماله كلّها ولاسيما الصحافية والتعريض بالأخطاء يشعر أنّه يؤدِّي رسالة ثقيلة، فينبغي أن يحتمل ردود الفعل والأين والضنى، وصولاً إلى إبلاغ الرسالة إلى الباحث عنها والمتوّق إليها، وهو مدرك أنّها ثقيلة، لأنّها هادفة، وينبغي أن تصل إلى المطّلع إليها، لأنّها أمانة.

* رئيس نادي جدة الثقافي سابقاً، وعضو مجلس الأُمناء بمؤسسة حمد الجاسر الخيرية

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
تشكيل
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
مراجعات
اوراق
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved