الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السياراتالجزيرة
Monday 08th May,2006 العدد : 152

الأثنين 10 ,ربيع الثاني 1427

استراحة داخل صومعة الفكر

*سعد البواردي:
الوطن حيث نستوطن ونستبطن.. إنه التراب.. والتراث.. والأهل.. والمقدسات.. والتاريخ.. إنه الإنسان في داخله وفي خارجيه.. إنه الحياة بكل ما تشير إليه من نماء.. وانتماء.
شاعرنا السليم وظَّف شعره لوطنه.. لبراعم نشئه نشيداً.. ولشبابه قصيداً.. ولرجاله قصداً.. وهدفاً.. البداية للشباب:
شباب العلا يا شباب العلا
اذلوا الصعاب وخوضوا الغمار
ففيم التواني وفيم الونى؟
وقد آن أن نستعيد الفخار..
إنه يذكّر بمحفل التاريخ.. تاريخ الآباء والأجداد الذين دانت لهم الدنيا بالطاعة بعد أن جاهدوا وأجهدوا حركة السير من أجل البناء والعطاء.
خيالك يا موطني كل حين
يشاغلني في المساء والصباح
فمنك لقد شعَّ نور اليقين
فعمّ القرى مشرقاً والبطاح
ومنك الذي قد هدى العالمين
بسبل الرشاد ونهج الفلاح
ومنك البواسل في الطامحين
رجال الفخار وجنة الكفاح
يستعرض في قصديته رموزاً تاريخية لا تُنسى لأنها أعطت للتاريخ أخصب وأنجب ما يعطى..
ومنك أسامة وابن الوليد
جنود الحروب وفرسانها
حبذا لو أبدل (جنود الحروب) ب(جنود الجهاد) إنها أنسب..
ومنك الأسود ومنك الفهود
غطارفة البيد شجعانها
ومنك الكماة ومنك الجنود
رجال العروبة فتيانها
أهابت بهم فاستذلوا الخمود
وسار على الدرب قرآنها
الشطر الأول من البيت الأخير صحيح.. إلا أن الأصح منه دلالة أن يقول (أهابت بهم فأذلوا الجمود) أو (الصعاب).. يستمر في خطاب الاستنهاض لبني وطنه.. ولمنبع الخير في وطنه:
منبع الخير يا بلادي الكريمة
منبع النور والهدى والمعالي
في جبين الحياة عشتِ عظيمة
جوهر العز والعلا والنضال
نحن أبناءك أقسمنا اليمين
وبحول الله رب العالمين
سيدوم المجد رغم الكائدين
في طريق الحق دوماً سائرين
لا نبالي بالعداة الغادرين
لتكوني دائماً مهد الحضارة
بل نبالي يا عزيزي ونبالي.. عدم المبالاة والحيطة والحذر توقعنا في الفخ المنصوب لنا من أعدائنا.. لا بد أن تكون عيوننا ساهرة ومفتوحة كعيون الأسد حتى لا يأخذنا خصومنا المتربصون بنا على حين غرة.. المبالاة مطلوبة..
يدعو في مقطوعته (لا. لن تضيع بلادنا) إلى العلم.. وحيث يكون العلم يأتي العمل.. ويتحقّق الحلم..
هيا جميعاً للعلوم فإنها درب لنا
بالعلم والإخلاص نبني مجدنا
أجدادنا بالمجد قد تركوا لنا
مجداً عريقاً من تعاليم السماء
ولأن العلم محور القصيدة.. أرى استبدال (المجد) في الشطر الأخير وما قبله بمفردات (العلم) لأن العلم تعاليم سماء.. وضرورة أرض. الكثير من شعره أناشيد مدارس مبسَّطة في تركيبتها اللفظية.. تأخذ صفة المباشرة.. أدعها لأغراضها دون انتقاص من قدرها.. وأركّز على وطنياته الأهم.. وأدبياته الأشمل أفقاً.. والأجمل إشراقاً.. إنه يعاود عشقه من جديد..
أحبك يا قبلة المسلمين
ويا منبع الخير أرض الحرم
(منبع الخير) صحيحة.. إلا أن (منبع النور) أصح.
أحب بنيك حماة الذمم
دعاة إلى الحق منذ القِدم
كلنا نحبها كما تحبها.. الحب لا يكفي، بل الحفاظ عليه.. والوقوف على القمة لا يكفي. وإنما التمسك بها.. هذا هو الأهم وما أخالنا إن شاء الله إلا فاعلين.. يطل من نافذة بيته.. أو من سطح داره.. أو من مشارف مدينته الساحرة الرياض يشده المشهد.. يشدو للمشهد وما يُشاهد:
رياض الفكر عاصمتي
رياض مربع الخير
رياض الود فاتنتي
بحسنك قد تغنى الطير
فأنتِ القلب للوطن
وأنتِ درة الزمن
رياض الخير
مقطع وله جميل وعشق.. معشوقته مدينة تجدِّل شعر فتنتها وتلقيه ضفائر سوداء فاتنة خلف منكبيها الواسعين..
رياض رمز نهضتنا
بحبك كلنا نشدو
ومع (سلمان) قد جئنا
لواكد عهدنا ندعو
لفهد قائد العرب
الاعتراف بالجميل واجب.. والاعتراف بمن له الفضل في بناء الرياض الحديثة أجمل.. سلمان أعطى لها من روحه وطموحه ما يستحق عليه الشكر.. والثناء.. هذه المرة يختلف المشهد من رياض نضرة إلى مزارع محروقة.. وإلى ديار مسروقة.. وإلى أرواح مشنوقة.. وإلى أطفال شرَّدهم القهر.. والذعر.. تحت خيام مزَّقتها رياح الشتاء.. وأغرقتها مياه المطر.. فلسطين الأرض والأهل والألم..
طفل أنا.. عشت الحياة بحسرة
وأيضاً بغصة وحرقة كما قال شاعرنا:
وتدور عيني في بلادي.. ما أرى؟!
هذي مزارع والدي قد أحرقت
هذي ديار أقاربي قد هدمت
ذا والدي قد تله الجلاَّد حتى يصفعه
أمي هنا.. ذاقت من المحتل قهر الزوبعة
طفل أنا في موطني!
لكنني طفل الضنى.. والمضيعة
صورة معبِّرة بدلالاتها.. ملاحظاته لا تنتقص من قدر الجُمل الشعرية وإنما تضيف إليها.. الصفع في عرف الجلاَّدين لا يكفي، بل القتل.. أما الزوبعة فهي غبار لا ريح ما يلبث أن يتوارى.. إسرائيل.. الاحتلال كابوس أشرس.. وأقوى من هبوب العاصفة.. إنه متجذِّر على الأرض لا يتوارى.. وإنما يتمادى في غيِّه.
الطفل يتخيّل أطفال العالم المسالمين. السالمين. ويرثى لحاله:
لا. لست مثل بقية الأطفال في وادي السنا!
لا. لست مثل بقية الأطفال أحيا للمنى..!
لا. لست مثل بقية الأطفال أنعم بالهناء.
إنه المحرم من السنا، والمنى، والهناء، إلا أنه لا ييأس.. تستفزه الأشياء.. ويحلم.
طفل أنا.. رجل أنا..
أنا لن أعيش مخلدا..
لكنني. لا. لن أعيش مشردا
إنه يرفض القيد.. ويتمرد عليه رغم قسوته إنه لا يطلب حلاوة، ولا ثوباً قشبياً.. ولا قصراً تتمخطر فيه قدماه.. مطلبه حرية مختصرة.
سأفجّر الدنيا أنا بحجارتي
سيدك بها معاقل الظلم.. وحصون الظلام.. وحائط العنصرية الذي بناه شارون.. سيهز أبواب الدنيا.. سيكون طاعوناً بحجم الغزاة.. طموحات كبيرة كبيرة هل يقدر عليها وحده في عصر محموم مسموم القيم.. ملوّث المبادئ.. هذا هو السؤال: ويختتم صرخته.. وعلى عينيه بارقة أمل تغطيها ضبابية ألم..
أنا إن أموت فإنني
سأموت مرفوع الجبين
وأكون يوم الحشر..
في جمع الرجال الصالحين
سأرى النبي محمدا..
إمام كل المرسلين
وأرى أبا حفص.. أمير المؤمنين
هكذا يحلم صغيرنا الفدائي وقد صرعه رصاص الغدر.. وانتقلت روحه إلى الدار الآخرة.. يحلم بالجنة ومَن في الجنة ليقول لهما:
صنتَ أمانة المقدس الأمين
صنتَ أمانة حق المسلمين
ونحن أيضاً نحلم يا صغيرنا أن لا نتوسد وسادة الانتظار إلى ما بعد الموت.. نحلم بصحوة أحياء يخلّصون مقدساتهم من أيدي الغاصبين الذين لوّثوا أرضها بأقدامهم الهمجية.. نحلم بعالم يعمّه السلام.. فلا حرب.. ولا اضطهاد.. ولا تشرّد.. هكذا نحلم.. الحلم وحده لا يكفي..
وبروح عروبية تعشق التوحّد.. ولمَّ الشمل.. حيَّ شاعرنا كشافة العروبة بمقطوعته:
بالحب قد أتينا
كشافة العروبة
جئنا هنا التقينا
في منبع العروبة
ما أجمل اللقاء
يزدان بالبهاء
يشع بالهناء
والجد والعطاء
عطاؤه الوفاء
وعطره الإخاء
مقاطع أشبه بالنشيد لهما نكهة عربية أبيّة!
أواصر قوية
ووحدة أبيّة
عقيدة سنية
ووثبة فنية
وعشقنا لأرضنا
نحمي بها حياضنا
الوحدة الأبيّة يا شاعرنا أبت أن تصمد في وجه الفرقة.. وفي وجه الذين لا يريدون لأمتنا العربية والإسلامية التوحّد على سبيل الخير.. وجادة الصواب.. خصومنا يريدون لنا التفتيت.. والتشكيك في نوايا بعضنا البعض كي يسهل لهم أمر الاستفراد بنا واحداً واحداً.. بعد أن خلا الإنسان عن مقعده.. وخلت الأوطان إلا من عقدها..
خلا لك الجو فبيضي واصفري
ونقّري ما شئت أن تُنقّري
وكي لا نفقد جميعاً الأمل دعونا نسترجعه مع شاعرنا السليم في آخر مقاطع نشيده القومي:
بالحب قد أتينا
كشافة العروبة
جئنا هنا التقينا
في منبع العروبة
إليك يا عظيمة
أمتنا الكريمة
تحيّة الإسلام
والحب والوئام
من منبع العروبة
ومشرق الإسلام
في مقطوعته (حماك الله) يقول السليم:
حماك الله يا مجدي
ويا إشراقة السعد
حماك الله يا وطني
من الأعداء والحقد
لأجلك كلنا صف
وحب خالص الود
سعوديون يجمعنا
رباط الدين والجد
سعوديون يربطنا
وئام صادق العهد
مشاعر نبيلة يطرحها مواطن أمام وطنه ومواطنيه في حب.. المشاعر غير كافية ما لم نتمسك بمضامينها الحيَّة على أرضية واقعنا المعاش.. ما لم نعط الوطن حقه من جهدنا، وجهادنا وإجهادنا كي نبينه.. نرسّخ قواعده. ونحميه..
سعوديون أقسمنا
بعزم واثق الجد
بأن نفديك يا عشقا
سيبقى دائم الخلد
بأن نفديك يا فخرا
به نسمو على المجد
نعم.. نهواك إخلاصاً
وخلف قيادة الفهد
جميل أن نحب أوطاننا.. أن نتمسك.. وأن نتماسك أمام هذا الحب.. وطن بلا حب.. كحب بلا وطن يرصّع رغيفه في الشمس دون أن ينضج.
مطافنا الأخير أخترته من قطاف شاعرنا حول الكيان الكبير الذي توحّد مكاناً فوحَّد سكانا..
سعوديتي أنتِ نبع القيم
ومهد الحضارة منذ القدم
ففيك الحجاز بلاد الحرم
منار هداية كل الأمم
فمن مكة الخير شعَّ السنا
ومن طيبة الطهر عمَّ الهنا
أزال القتام.. وقاد الأنام
إلى الخير بعد الضنى والظلام
فصار بنوك حماة السلام
بنور الهداية يا مهجتي
ومن أرض المقدسات مكة وطيبة يأخذنا الشاعر إلى ربوع أخرى
سعوديتي فيك نبع الهنا
وشرقك إشراقة للمنى
تدفق من أرضه عسجد
نعمنا به بعد طول عنا
وإحساء أغرودة للصفاء
فجني النخيل مذاق الشفا
وصرح الجبيل سناء العلوم
لمستقبل الجيل جيل الوفاء
شرابك تبر.. وبحرك در
وأنت السناء.. وأنت العطاء
نعم.. من نبع ذهبه الأسود تدفقت شرايين الوطن بدمها.. ومن نخيله طعم أفواهنا تموره الجنية .. ومن جبيله تعالت أبراج الصناعة تنفث دخانها.. ومن بحره المر نهلنا عذباً زلالاً.. وفي بحره كان اللؤلؤ.. أعطاه ما يستحق.. والتفت إلى الجنوب.. أرض الخصب والنماء وكرماء الرجال.
وفيك الجنوب وكل الجنوب
يفوح جمالاً بأرض الجمال
بهاء بأبها.. ووديانها
وباحة حسن وأزهى جبال
مرابع أنس لنا في السلام
ودرع قوي لنا في النزال
جنوب الخصب.. جبال السروات.. الأودية الخضراء.. البحر.. تهامة.. الأناس الطيبون وصفه.. وأدار وجهه إلى القلب حيث الوسط.
سعوديتي فيك نجد الأسود
وأرض الأصالة منذ الوجود
رياضك رمز لأرقى العهود
وقلعة عز بآل سعود
فأصبح نجد العلا والفخار
عرين أسودك يا مهجتي
ويتطلع من خلال عدسته الواسعة وقد استوعبت من حوله كل مشاهد الوطن قبل.. وبعد:
أيا أرضنا ذقت مرَّ الشتات
فوحّد شملك عبد العزيز
وصان حماكِ بعز تسامى
بعزم أكيد ووقت وجيز
***
كيان تسنّمه الباسلون
بجهد الرجال وعزم الكبار
بأنا دعاة لحفظ السلام
وأنا حماة لأعلى منار
وأنا إذا ما ابتلانا العداة
نذيقهم الذل والاندحار
شحنة من العواطف الجميلة جسدها شعراً شاعرنا موسى بن محمد بن سليم من خلال المتابعة لديوانه (أغلى وطن) حاول جاهداً أن يصب في قوالبه وبين قوافيه كل مشاعره.. اصطفيت من ديوانه الأقرب.. والأجدى إلى الصورة الشعرية بشموليتها.. أما خصوصيتها تلك أناشيد مدرسية وفارسنا أحد رجالات التربية والتعليم فقد مررت عليها مرور الكرام.
أشعر بقراءتي أنني أمام محاولات جيدة وجميلة مؤذنة بالنضوج.. لعل أخي يكرر.. ويعطي الأفضل في عطاء المستقبل.. إنه جدير بأن يهزنا بمشاعره وشعره متى أنصت إلى خاطره فكره في لحظة تأمل.. ورصد.. وتمرد على لغة الطرح التي لا تستفز. وإنما ترسم صورة غير اعتيادية بخطاب غير اعتقادي يهز المَشَاهد.. ويجتذب المُشَاهد المتابع في لهفة.


الرياض: ص.ب 231185
الرمز 11321 فاكس 2053338

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
تشكيل
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
مراجعات
اوراق
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved