الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 8th December,2003 العدد : 38

الأثنين 14 ,شوال 1424

محمد العلي .. وإشكالية الثقافة
سهام القحطاني
إن الشرط الأول والضروري لأي عمل إبداعي هو مدى تفهم وحساسية الفنان
تولستوي..
لا شيء ينمو من الفراغ.. حتى تلك الأشياء التي نتوهم بصدفة حضورها في تكوين مواقفنا لا تنمو من فراغ فنحن باختصار لسنا مخلوقات طفيلية.. فالاستسلام لحتمية المقتضى، نقص في وعي الأفراد، وهو الذي يلجم جموح قدرتنا وطاقتنا عن التوغل في لحم الأشياء و «كل إنسان منا ينبغي ألاَّ يحصر طاقته بين أربعة جدران من اختصاصه، بل يوجد منه أجنحة للطيران في كل فضاء» هكذا يقول محمد العلي محرضاً على الانفلات من حدودية المألوف.
في البدء احترت في اختيار هوية الحديث عن أستاذنا محمد العلي، هل أتحدث عن الشاعر التجديدي محمد العلي أم الناقد محمد العلي، ثم قررت أن أتحدث عن المثقف محمد العلي، باعتبار أن الثقافة هوية ثبات لا قشرة مدرسة أو اتجاه أو مذاهب متغيرة، والثقافة عند أستاذنا محمد العلي موقف ونظام وسلطة.. موقف ثابت، والموقف قضية والقضية مبدأ والمبدأ رؤية والرؤية منهج والمنهج هو الذي يصنع أصالة الفكر والمثقف، في رأيه ثابت الرؤى، والثبات لا يعني الجمود كما لا يعني سلطة مضادة للتطور، والتطور يعني نضوجاً لتفعيل الاكتمال، لا كما يفهمه البعض تحويل جذري للمؤسس الثابت، أو كما يسميها العلي، «المثقفين الرحل» فهو يرى أن المثقف داخل فلسفة المثقفين الرحل «ليس راعي أغنام، ينقلها من مرعى مجدب إلى آخر معشب، بل هو صاحب رؤية للإنسان والكون، وصاحب موقف ثابت ينبثق من هذه الرؤية» والرؤية المصاحبة للفتح ليست حشدا من شجر المعلومات بل هي موقف، والموقف على الاعتبار يتجاوز مفهوم الدور ليعبر عن وعي سلطة تقدمية تعني تغير الآخر ضمن سياقات الخطاب الثقافي هذا الخطاب الذي لا تتم فاعليته إلا بالحرية، الحرية التي يراها مثل كرسي صغير للإعدام «إن الحرية بكل أشكالها وألوانها ومواضع استخدامها في لغتنا على هيئة كرسي صغير للإعدام».
وحرية الثقافة عند العلي لا تعني الكفر بالمرجع التاريخي للموروث بل ثورة تغير وتطوير يجب أن يتبناها المثقف التجديدي.
وهو يرى أن المثقف العربي معزول الهوية عن موقف مخصوص و «الملاحظ في الساحة الثقافية كلها على امتداد اللغة العربية ندرة من لهم موقف ثابت من الحياة الاجتماعية والسياسية وطريقة التفكير، وكثرة الذين ينتقلون من موضع إلى آخر وكأنه في «سوبر ماركت» وقد نسى ما أوصته زوجته بشرائه»، والمثقفون بلا هوية موقف في رأيه «ليسوا مثقفين، انهم مجرد أفراد صبغوا ثيابهم بلون يشبه لون الثقافة، ولبسوها وتقدموا لا إلى الصحف فقط، بل إلى تأليف الكتب» إذن الثقافة عند محمد العلي منهج والمثقف موقف يروض المحال.
والثقافة أيضاً عند محمد العلي هي عبارة عن نظام من العلاقات الانسانية المختلفة لتكوين النظام الفكري للجماعة، وهو بذا يتجاوز الثقافة كونها نظاماً أحادياً من البنى الكلامية إلى السلوك التعبيري الذي يخلق بصائر الوعي في كيفية التفاعل الفكري بين الجماعة من خلال وسيط الحوار الواعي واحترام الرأي المختلف، لتصبح الثقافة تعبيراً عن الحياة، لذا فالثقافة عنده وعي بصيرة لأهمية الرأي الآخر وعدم إصداره بمسوغ المحرم «والوعي الذي أعنيه وأصفه بالعمى المطلق هو الوعي الذي يعتقد في نفسه امتلاك الحقيقة ولا يرى أو يسمع في ساحة الحوار غير صوته هو وحده باعتباره البصير الوحيد بين المتحاورين سوف ننتظر طويلاً قبل أن نرى حواراً تحت الشمس حواراً يطرح الأسماء كلها».
الثقافة عند محمد العلي.. سلطة.. سلطة تكوين لغة وموقف وسلوك للآخر، وانعدام الخطاب الثقافي لهذه السلطة يعني أنه يعيش خارج الذات، لذا يظل أخدج التواجد ميتاً داخل رداء حيّ، إنها اشكالية الخطاب الثقافي الذي يرى أنه ليس بالإمكان من تجديده، لأن «الوسط الذي كان المثقف يغرس فيه أفكاره أو يتحرك فيه بأشواقه وتطلعاته.. هذا الوسط قد سلب منه.
قد تتساءل الآن: ما هذا الوسط أو «الحامل» الذي سلب من المثقف؟ ومن سلبه؟
والاجابة سهلة: الذي سلب المجتمع من المثقف هو تجهيل هذا المجتمع وتزييف وعيه وتضليله تعليمياً وإعلامياً بالاضافة إلى ما يوضع على فم المثقف من أطنان الاحجار.
لن يولد خطاب ثقافي جديد في العالم العربي كله ما لم يصبح «النقد» قادراً على طرح كل الأسئلة ونقاش أي فكرة، وهذا ما قامت به كل المجتمعات التي سبقتنا إلى تجديد خطاباتها على كل المستويات. وهنا يدخلنا العلي في جدلية من يصنع الآخر، الخطاب الثقافي يصنع المجتمع، أم أن المجتمع هو الذي يصنع الخطاب الثقافي؟ إذ أخذنا في الاعتبار أن الإنسان ليس شيئاً في ذاته بل بما ينبغي أن يكون عليه من فرضيات المجتمع التي قد تحول المرء إلى تشاؤمية هوسمان« أنا غريب وخائف في عالم لم أصنعه أبداً»، الثقافة عند العلي سلطة عقلانية تقوم على التحليل والنقد والتقويم، لذا نرى العلي يربط التجديد الثقافي بالنقد، ويربط نضوج الرؤية بالمعرفة، «فمن لا معرفة له لا رؤية له.. فالعقم الثقافي هو الكامن وراء فقر المعرفة وفقر الرؤية» كما يشترط العلم للتطوير الثقافي فيقول «إن أشعة الإسلام كلها لم تستطع أن تهزم في داخلنا ظلام معظم عادات وتقاليد العصر الجاهلي، فهي مؤثرة في سلوكنا حتى الآن، وستبقى ما لم يدخل إلى ثقافتنا شيء واحد هو العلم، التفكير العلمي وحده هو الكفيل بجعل أبصارنا تتجه إلى المستقبل»، وهكذا نرى أن الثقافة اشكالية إبداع في المقام الأول عند العلي. وأخيراً.. يذكرني أستاذنا محمد العلي كلما قرأت زاويته في جريدة اليوم، بقول أدونيس «أنا لست كتاباً ولا قاعدة ولا زاوية، إنني أفق، وقدري هو هذا أن أشع وأستقبل الضوء».
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
نصوص
تشكيل
كتب
مسرح
مداخلات
الملف
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved