حادي الماء
سعود الجراد
|
|
حينما تتحدث أو تكتب عن الحركة الثقافية في المملكة، لا تستطيع تجاهل قامة محمد العلي، قامة حادي الماء العذب الشامخة، ذلك الذي غنى ذات مساء بعيد: «لا ماء في الماء»، إنه رجل بحجم بستان أخضر، تجد فيه كل أنواع النخيل المثمر: ترى نخلة الشعر، ونخلة النقد، ونخلة الكتابة، ونخيل الحياة، منذ عرفت القراءة والوعي والكتابة، لم أجده يترجل عن قلمه وحروفه الخضراء حتى وهو في أحلك الظروف والعطش والليل البهيم، إنه بستان نخيل مزدحم بكل ما هو شامخ ومضيء في فضاء الوطن، إنه أحد رواد التنوير والنهوض المهمين بالوطن، ومن آباء الحداثة السعوديين الحقيقيين، الذين ناضلوا من أجل كتابة جديدة شكلاً ومضموناً، بعيدة عن الطلاسم والشعوذة والكذب.. والتي قد تتسم بالغموض أحياناً لأسباب فنية أو موضوعية.. أستاذنا الضخم محمد: يسير على قدمين قويتين، واحدة في التراث والأخرى في كل ما هو جديد وعصري وإنساني، وطوال هذه السنوات الطويلة المحملة بالعطاء، لم يعرف «مباريات القهقري» أو الرجوع عن تلك القيم النبيلة تحت أي مبرر كان، لم يتزحزح عن مواقفه الثقافية المبدئية التي تعنى بالضرورة بالهموم الإنسانية والقومية والوطنية، بعد رحيل ضباب المرحلة، وصمت كثير من الأدعياء والمتزلفين وحاملي المباخر، رأينا الفارق الكبير بين الأصل والصورة، وحجم المسافة بين القول والفعل.. رأينا محمد العلي مدلجاً في سهوب الالتزام والنشيد والبحث عن الحق والحقيقة، فهو رمز لكل ما هو صامد وجسور في المشهد الثقافي والوطني.. هو بالتأكيد ضد الجمود ولكنه ضد تغيير الجلود والتلون والموضات والأزياء التي تراها بين الفترة والأخرى، إنه مثال حي لمقولة الثابت والمتحول في الحياة كما يقول أدونيس، فهو يؤمن بأن الكتابة بشكل عام ليست قولاً فقط وإنما هي ترجمة للحياة والفعل والإيمان، وهو من كتاب المقال الفريدين، الذين يطرحون الكثير بكلمات قليلة ومتوترة، دائماً ما تجد قي مقالاته الأسئلة ولا تجد الأجوبة الجاهزة أو المعلبة، هو حالة خاصة في مشهدنا الثقافي، فرغم انتاجه الغزير في حقول الأدب والصحافة إلا أنه يصر على أن يكون بعيداً عن جماعة الوراقين!
|
|
|
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
| 
