الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 09th May,2005 العدد : 105

الأثنين 1 ,ربيع الآخر 1426

المرسال التي ألقَتِ الكلام على رُسَيْلاتِه 12
غازي أبو عقل
في الحديث، أن بني إسرائيل لما قَصُّوا هلكوا... لأن القاص ينتظر المقتَ، لما يعرضه في قصصه من الزيادة والنقصان.
على الرغم من هذا الإنذار، يُصر بنو قحطان وعدنان وعثمان على القَصّ والسَّرد والنَصّ، فتمتلئ الأسواق برواياتهم وأقاصيصهم الطويلة والمتوسطة والقصيرة، والقصيرة جداً جداً.
فكّرتُ بما تقدَّم، بعد أن حَضَّني الصديق الأديب نبيل سليمان على قراءة آخر روايات الأستاذ فواز حداد مرسال الغرام حتى أنه أعارني نسخته الخاصة، لمعرفته بخوفي من شراء الروايات المعاصرة.
مما أخجلني، فذهبت إلى المكتبة واشتريت نسخة باثني عشر دولاراً، لأنها تزن خمسمائة صفحة.
نوّه الأستاذ نبيل سليمان بالرواية (في الحياة 21 شباط فبراير 2005) كإضافة مهمة في الحركة الروائية العربية، وأشار إلى اهتمام الروائي بالفنون، بخاصة العلاقة بين الموسيقى والرواية، وإلى نجاحه في اكتشاف كيميائية الصوت...
تفاقم خوفي من مقاربة المرسال، بعد شرائها، لسببين، ظهر أولُّهما عندما لجأتُ إلى (لسان العرب) بحثاً عن معنى مرسال، وعرفت أنها صفة الناقة رَسْلة القوائم، كثيرة شَعر الساقين، السهلة السير.
وثانيهما الإنذارات والتهديدات المتتابعة التي جاءت على لسان الروائي، في حواره مع الأستاذ علي الراعي المنشور في صحيفة تشرين الدمشقية، (الرابع عشر من آذار مارس 2005) حين فهمتُ منه كيف: (يأخذ النقد مكانته كأعجوبة لا تبخس حتى البلادة حقها في التعبير... وعلمت أنه للأسف لدينا نقاد جديون وجيّدون، معتكفون في الجامعات، مهما كانت مشاغلهم التدريسية، فلا تبيح لهم ترك مهمة النقد لصفحات ثقافية تعاني من الهزال والكساح، ويتصرف المسؤولون عنها كأنها إقطاع شخصي ورثوه عن آبائهم، مكرس للتزلف والمجاملات... واتضح لناظريّ كيف يفهم الروائي: النموذج المثالي للتلفيق النقدي السائد... وهو نقد يكتب في جرائدنا... بإطلاق أحكام قاطعة وشاملة، والأصح شمولية، بتكديس مغالطات مفضوحة... لا تزيد عن أحبولة اتهامات لا يشكل فيها (النقد) سوى واجهتها البريئة، لكنها بالتأكيد تطرح مشكلة أخلاقية في الكتابة الصحافية وتَعدّيها على النقد لأسباب غير أدبية، تجعلنا لا نأسف على ثقافة مفتَقَدة، بقدر ما نأسف على الافتقار لقليل من النزاهة لا غنى للمثقف عنه، من دونه لا ثقافة ولا مثقفون...).
أدهشني انسياقي وراء استرجاع هذه الإنذارات المرعبة، كما لو أنني أتعاطى (النقد الروائي) في حين لا أتعاطى سوى الكتابة الصحافية التي تتعدَّى على النقد الأدبي لأسباب غير أدبية.
حاولت طمأنة نفسي بكوني من المؤمنين بحرية الروائي في أن يكتب ما يريد، كما يريد، وبحرية القارئ بالمقابل في أن يفعل بما قرأه ما يريد كتابةً لا أكثر ولا أقل.
وشجعتها على التساؤل فحسب لا على (تكويم ملاحظات عائمة غائمة هائمة، من غير توضيح واحدة منها على الأقل). وأقنعتها بالاكتفاء بالجانب الموسيقي من الرواية.
تساءلتُ: لماذا بعث إلينا الأستاذ الروائي الغرامَ على مرسال الغرام بالتحليل الموسيقي أعني. واستبعدتُ كونه يريد تقليد ذلك الأستاذ في جامعة أسيوط الذي لا يجيء إلى كلية العلوم إلا على ناقة أسوة بالرسول الكريم.
وعدت أتساءل عن سبب اهتمام الأديب نبيل سليمان بحضّي على قراءة مرسال الغرام، وعما إذا أراد إغرائي بالتحليل الموسيقي لبعض أغنيات أم كلثوم فيها، رغم تأكده من هزال معرفتي بهذا الجانب الذي يحتاج الخوض فيه إلى أصحاب اختصاص.
لذلك توقفت عند الصفحات الخمس (من 109 إلى 113) من الرواية، المتضمنة تفاصيل الدرس الأول الذي أعطاه المعلم رشّوم إلى الأنسة ناريمان حول هذا الفن استناداً إلى (أغنية) يللّي كان يشجيك أنيني، التي كتبها رامي ولحّنها السنباطي وغنّتها أم كلثوم.
بعد أن جاءت ناريمان بترمس القهوة مع فنجانين، ووضعت الشريط الذي كانت أمسكَتْه باستخفاف، وأرادت أن ترميه بعيداً، في المسجلة، وبعد استرسال في تهيئة الجو للبدء بالدرس التحليلي، من أجل توثيق العلاقة بين الرواية والموسيقى: (من خلال أنموذج غني، قيّم ومفيد... والانصراف إلى الأغنية صَوتاً وكلمات ولحناً، على أننا سنركز أولاً على اللحن، قبل أن نقصيه عن أسماعنا، ليس بسبب عيب أو ضعف فيه، بل لأسباب مغايرة، خُلوُّه من العيوب وتميزه بالوفاء للكلمات والقوة في الإيحاء ص110).
(تفتح موسيقا رياض السنباطي رحلة سخية بالشقاء، تشرنق بالنغم... الآلات تتآزر صاعدة بلحن جليل، تهيئ الأجواء للعشق المبرح والآلام المبرحة، ثم تتطامن كرجع عليل بليل... اللحن يتراجع برفق يتكسر عليله على بليله، إلى أن يتلاشى عليله في بليله مفسحاً الفضاء لصوت أم كلثوم... ص111).
أعجبني التشرنق بالنغم، فسألت ابنَ منظور، فزجرني، قُلْ شَرِقَ.
ولا وجود لتشرنق عندي.
قالت العرب: ثياب شرانق: أي متخرقة.
ويقال لسَلْخ الحية إذا ألقَتْه شرانق، فكيف استقام المعنى عند المعلم رشوم وهو يحلل السنباطي وأم كلثوم...؟
بعد هذا التحليل الفريد في بابه، توقعنا من المعلم رشوم، الولوج... إلى اللحن كما وعدنا لتَوِّه. دون أن يخطر ببالنا ماذا ينتظرنا، فقرأنا: (يلّي كان يشجيك أنيني كل مَ أشكي لك أساي كان مناي يطول حنيني للبكا وانت معايا... تتصاعد الموسيقى، تعلو ثم تنحدر، فلنتجاوزها. هذا آخر عهدنا بها، لأننا سنفصم رباطنا مع النغم قبل أن يسوقنا معه إلى حيث يريد ونحن لا نريد... أي أننا سنفصل الصوت عن كسوته الموسيقية، تمهيداً لفصل الصوت. عن قالبه اللفظي، وهو عمل لا مفر منه، لإظهار مدى التضاد القائم الذي سيتفاقم دون انقطاع).
تساءلت: هل يظل الصوت صوتاً إذا لم يُلفظ؟
فردتْ عليّ نفسي: هل نسيت ذاك الشاعر الذي قال بعد أن شاهد حبيبته جالسة على مقعد:
أَجلَسْتِ عليه سيدتي ويظلُّ يُقال له مقعد؟
يومها أطلق حسيب كيالي على القصيدة اسمَ المقعديكا، أسوة بسمفونية بتهوفن الشهيرة الهيروييكا البطولية.
كيف نحلل لحناً، بعد أن نفصم رباطه بالمحلل، خوفاً من أن يسوقه إلى حيث يريد وهو لا يريد.؟
للتحليل الموسيقي قواعده، كما لغيره من الفنون ذات العلاقة بالروايات.
ولمّا كنت لا أتقن هذه القواعد، لجأت إلى محلل محترف، إلى موسوعة أم كلثوم للأستاذين إلياس وفيكتور سحاب. وانتقيت أغنية كتبها رامي ولحنها السنباطي وشدتْ بها أم كلثوم، (غلبت أصالح في روحي).
أما لماذا لم أفتش عن يلّي كان يشجيك أنيني فلأسباب لا مجال لذكرها الآن.
قبل البدء بتلخيص تحليل (غلبت أصالح في روحي) أود الإشارة إلى أن كلمة أغنية صفة عامة، لا تدل على قالب غنائي معين. لأن (الأغنيات) العربية، على امتداد أكثر من قرن، وتحت تأثير المدرسة المصرية، التي أسهم بها عرب آخرون، قبل أبي خليل القباني وبعده، صُنّفت من حيث الشكل أو النوع أو القالب FORME في تسميات مثل: الطقطوقة، والمونولوج، والقصيدة، والدور والموشح والموال...إلخ.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
تشكيل
كتب
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
مراجعات
اوراق
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved