كيف تقبل مَن تحبهم في (العذابات الصغيرة)؟
محمد المنصور الشقحاء
|
قبل بدء الندوة العلمية التي أقامها النادي الأدبي بالرياض يوم الاثنين 252 1426هـ بمناسبة صدور مجلد الأعمال القصصية الكاملة للأديب إبراهيم الناصر الحميدان أخذني الأستاذ سليمان الحماد إلى مكتبه ليقوم بإهدائي نسخة من إصداره الجديد رواية (العذابات الصغيرة). والأديب سليمان الحماد قاصٌّ وروائي تتميز أعماله بالصدق في التعامل مع أجواء العمل الفني الذي يخوض فيه.
الصديق سليمان قامة أدبية دشَّن حياته الثقافية بكتاب (أضواء على الزوايا المظلمة)، ثم بعد مسيرة مع الكلمة العامية (الشعبية) واجهنا بمجموعة قصص بعنوان (حدث في الزمن الأخير) تحمل ملامح نص قصصي يلامس الواقع بشجاعة مع تألُّق في اللغة، وها هو اليوم يقدِّم لي نصَّه الجديد الذي أُنجز خلال أربعة أعوام محملاً بعبق الصداقة.
لفت نظري اسم بطل النص (السيد أغاوشس)، وبما أن العمل الذي صدر عام 1425هـ 2004م تمدَّد على (127) صفحة في فصول سبعة وصل ترقيم مقاطعها إلى (53) غرائبي، فقد توافق الاسم مع سياق النص. هذه الرواية تكشف ملفات حياة الفرد العربي، وكذلك اختلال توزيع الأدوار واضطراب مظاهر الحياة. النص يبحث عن حلول لعدد غير معلوم من الأسئلة نجدها في الانفجار الذي توافق مع خروج السيد أغاوشس بالحقيبة الفارغة واسترجاع الذاكرة من خلال الهدايا التي قدَّمها لسكرتيرته. وقد أخفى الكاتب معالمها حتى نكوِّن كقرَّاء معه صورتها وشكل صديقة (راؤول) الذي يشاركه في علاقته السرية بها.
النص يحمل طريقة مختلفة لعرض الطروحات والأفكار التي خلقها الكاتب حتى يكون النقاش والحوار في فضاء من الحرية والصدق، فعلاقة السيد أغاوشس بمجتمعه غائمة من السطر الأول في الرواية، حتى وهو يتحاور مع مَن حوله عن الوسيلة التي تنقلهم هل هي طائرة أم قطار واندلاق كوب العصير من يد المضيفة ومظهر الجزع الذي كان ردة فعل لديه (فانشق ما تبقَّى من فيه وراح في إغماءة أخرى). بينما نجده يردِّد في المصح أسماء الألوان التي اختزنتها ذاكرته، نافياً من خلال عقله الباطن تسيُّد اللون القرمزي. النص يحمل معضلات ثقافية وسياسية ظللنا نتخبط فيها؛ لأننا لم نكن نحاور حين نطرحها، بل كنا نتعارك في ساحة مليئة بالجراح والثقوب.
المبدع الموهوب هو وحده الذي يستطيع أن يلفت نظرنا لها من دون أن يسقط في شباك الابتذال، منطلقاً بنا إلى سماء لا حدود لها بصور حية غير جامدة، وكأنه يقول لنا: كنتُ حائراً طوال حياتي رافضاً الواقع منجذباً إلى الخيال المشوب بالأسى محلقاً خارج الجغرافيا.
تعدُّد الصور في رواية (العذابات الصغيرة) مرتبط بفكر السيد أغاوشس، ومعها القارئ استساغ الركض حتى يشترك في شد حبال المطاردة التي نجح الكاتب في بناء شباكها بمقدرة حتى نبحث معه عن حل ونحن نتساءل: أين اختفى طوق النجاة؟
الرواية واضحة وحزينة بما تحمله من احتقان في التعامل مع ذاتنا ورفض الواقع الذي أخذ يتفجر. لقد كتب الأديب سليمان الحماد رواية متميزة وجميلة تكشف الإحباط النفسي بسبب عدم قدرتنا على التعامل مع الواقع ورفضه، ويعدُّ هذا العمل إضافة قيمة للمكتبة العربية من أديب عرف كيف ينمذج وعيه.
|
|
|
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
| 
