الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 09th May,2005 العدد : 105

الأثنين 1 ,ربيع الآخر 1426

استراحة داخل صومعة الفكر
خائنة الشبه حسن الصلهبي
سعد البواردي

شبيه الشيء منجذب إليه.. هل هذا ما يريده الصلهبي بعنوان ديوانه؟
لا أدري.. فمن الخطأ استباق الحكم على شيء ما قبل أن تظهر ملامحه.. وتفوح رائحته.. أهي زكية غنية بمادتها أم غبية شقية برائحتها..
فارسنا الصلهبي ثري بفكره.. متعدد المواهب.. يمتلك جسارة الطرح.. وجدارة الموقف.. هذا ما لمسته من خلال أدبياته وخطابه الفكري المتنوع المشارب..
في ديوانه (خائنة الشبه) يمكن لنا معاً تلمس رؤيته الشعرية المغلفة برداء مخملي الرؤية والملمس..
(السواد) بداية ما كنت أريدها أن تكون المواجهة.. لعله أراد بها أن تكون مواجهة لها سخونة اللقاء في معركة التحليل والتعليل:
تدلى السواد على كأسه
تعرى.. فأبدى طلاء الجباه
ويجثم الليل في صحوه
يجرجر رجليه حتى رماه
أيرنو؟. لماذا؟ لأشلائه؟
فألحانه حشرجات الشفاه
يريد..! فمن ذا يروي ظمأه؟
ويبذر في مقلتيه اشتياه
تشهى، وتطفئه قطرة
تبدد.. ولى إلى لا اتجاه
في عمق رؤيته غاص بنا وأبحر.. ظمأه لا يقتله قطرانه يستوعب جدولاً أو نهراً لإطفاء لهيبه.. إنه يدور في فلك اللا وجهه..
لا يدري إلى أين تمتد به الخطوات.. التيه! أخذه كل مأخذ.. اغفاءته لغو سحاب.. إغفاءته سكينة حركة مترددة.. ورجاؤه لمن استغرقهم سباتهم اشارة لما قبل الخطر.. يحكي للفراغ رغباته.. ويسمع صداه من مكان اللا مكان.. إنه ريشة تحملها الريح إلى حيث لا تدري..
(شهوة النار) لا يقوم عليها إلا من تجمدت أطرافه على وقع الصقيع.. تلك هي النار الملموسة التي عناها شاعر قديم بقوله:
النار فاكهة الشتاء
يبدو أن نار شاعرنا محسوسة داخل جوانحه وجوارحه اشتهاها لأنها تصهر حواسه.. توقظها.. تحركها.. وتلسعها..
الأمن الغيم
من بطن السماء
من صلب التراث
لماذا أحرفي قلقة؟
لأن مزاجها مرتبك في عملية إشعال الصمت.. ولأن رجلها في شقوق اليأس منزلقة.. سرى بها الألم فانتثرت على الرصيف وانكفأت على ذاتها وذابت دون احتراق وهذا ما لا يرضيه.. الظمأ القاتل يطوح به.. يبحث عن نبع آخر يثريه ويغنيه لعله يجده:
أسير فوق مائي فخذ قافيتي
قافيته لا تكفي.. بل أيضاً قافلته التي حملته هما ووجعا لأن له لغة مخترقة لحجابها تطل من خلال أفق محترق يبحث عن كل اطفائيات العالم دون أن تسعفه لأنها مشغولة بعالمها المحترق ذاته..
المعاني لدى شاعرنا متجذرة في أعماق شعره يصعب تلمسها بسهولة لأنها صدى معاناة داخلية غطتها تراكمات من البؤس واليأس..
وهذا ما يجهد المتابع يسلمه إلى حيرة كحيرة شاعرنا نفسه..
وخائنة الشبه (العنوان) ماذا عنها:
(غوتك خائنة الشبه
يقال إنك مشتبه
تتوسد الأحلام في صحو
وصحوك مثلبه
تطوي أسارير الكآبة.. والمخاوف مرعبة
ومضرج بدماك
حتى عبرتيك مخضبة
عبثاً شددت يد المساء تريدان تستقطبه
سوداوي الملامح.. الصدر من حوله يتحرك في أفق مشحن بالتوتر والبلادة.. من حوله مندبه.. ونجمة خرساء تلوك تجربة وسطه فمها..
هديتها له غباء.. وسؤال في اجابته جفاء وقحط
أتموت في عينيك ذاكرة التراب المجدبة؟
أو ما سكنت إلى الجراح الغائرات المتعبة؟
تلهو بك الأوجاع
والأوجاع فيك مذوبة..
وحصرت خاصرة السؤال
فهل تطعك الأجوبة؟
أقول لشاعرنا الصلهبي؟ هل تركت للمشتبه بل ولخائنته فرصة جواب.. لقد منحته النصيحة.. وهذا يكفي
ذوب دماءك في القصيدة
كي تموت معذبة
لملم شطاياك..
الرحيل إلى المواني المعشبه
أمسك تلابيب الغياب
فلن يبارحك الشبه
لقد نصب الشاعر نفسه خصماً وحكماً في آن واحد.. لأن اشكاليته منه داليه.. وله.. من حقه المقاضاة والمرافعة واصدار الحكم ولو غيابياً.. حضوره يكفي لشرعية محاكمة الشبه إذا ما كان مشتبهاً..
(عنق الزجاجة) ما قبل انها مهمة ما.. إنها مرحلة استعداد واعداد.. يبدو أنه قلق من كبح الزمان لجماحه: بل وثائر:
أنا لا أطيق بأن تصد رياحي
متشبث بالمد أفرغ شقوتي
لكنما تغتالني أفراحي
جميل اغتيال الفرح.. ان موته سكن وسكينة محبته إلى النفس.. لم الشكوى من موت لذيذ هو الحلم الشاعري بذاته؟ رجع من أعماقك الشدو.. وهدهد بأندائك نقمة الناعي فموتك اغتيالا بالفرح لا يتطلب نعياً وإنما باقة ورد.. واكمل منا رحلة الشعر:
أصغي لصوت الريح. أعلم أنني
حين استرقت تكسرت الواحي
ونفضت عن وجهي الغبار فلم أجد
الا تشابه أوجه الاشباح..
الآن.. عليك المثول أمام محكمة الفكر من أجل مقاضاتك بتهمة استراقك ولن أقول سرقتك.. كنت السبب في تكسر الألواح.. والغوص إلى حيث عالم الأشباح.. الاشباح هم من سيقاضيك لأنك أفسدت عليهم خلوة رعبهم.. وخيوط مؤامرتهم الخفية من أجل ألا تهدأ عين براحتها.. بما فيهم أنت..
قلق أنا قلق حضنت هزائمي
وخفضت للآتين ريش جناحي
من حقك أن تقلق.. فأنت تعيش في عالم أشباح متحركة لا تأنس إلا بكسر الألواح..
(في يدي يبرد الماء) عنوان القصيدة.. آثر شاعرنا أن يجعل من كفه ثلاجة تحيل الحار إلى بارد.. ربما لإحساسه بالبرد إلى درجة التجمد..
وربما لإحساسه بالتبلد إلى درجة الانكفاء على النفس.. لا أدري.. هو ذلك الذي لديه فصل الخطاب، أو الخطب..
ما بين ظلك والجدار محطم
فإلى متى تخطو ولا تتقدم؟
جربت أن أصغي إليك وأنت في
وجلي بحشرجة السؤال متمتم
ونسيت أنك إذا شرعت بلا هدى
لم يندلق منك الجواب الأبكم
أيتها الأكف المثلجة اتخمتنا توصيفاً وتعريفاً بالمرأة التي تحسد نارها. وألم الولادة الشعرية. والشريد المتأبطة للوجع. والظنون. واليقين الذي يقلم أظفار الحقيقة..
وغسلت أوراقي فلم أبصر بقا
ياك التي ببريقها تورم
تأتي غبارا في الهزيع الماء
في كفي يبرد والوساوس تجثم
ويلفني خيط الدخان حتى ترى
تنسل من هدب المساء الأنجم؟
السوداوية في شعر شاعرنا كثيفة الحجب والأغطية إلى درجة ضيقة بالنجوم الضوء. والفأل والأمل. اطمئن شاعرنا الرائع والمريع ان النجوم لن تنسل من هدب المساء ولا من أحداقه لأنها وجه اشراقه التي تغذينا بالحلم الجميل.. وبجمال السماء المرصعة بلآلئها المشعة..
ثم يا صديقي اعتب عليك.. وقد بعثرت ونثرت أبيات شعرك إرباً إرباً وهي الجميلة بموسيقاها وايقاعها ووزنها.. لملمها من جديد في طباعة قادمة حتى وان اختصرت بعض الصفحات..
الوجع. الجزع.. الفزع.. كل أصوات ونبرات السخط والرفض وظفها شاعرنا في شعره إمعاناً في تحديد للسكون القاتل الذي لا يمكنه التحرك إلا على هزة زلزال من الكلمات الغاضبة..
هلع يغمس في شبه كلام (عنوان يحتاج إلى تصحيح رغم استشعاري بعناده.. انه هلع يغمس في كلام) لا اعارة فيه:
يرمق الشاعر آثار خطاي العارية
يمرق الحزن من الرحل كما يتوارى الماء في وجه السراب
يالبؤس العابرين رقصوا للظل
لكن الخطايا تتدلى من أغانيهم عناكب
فتحوا للموت باب
قعدوا مقعد من أوشكت نبراته أن تنطفئ
(باب الموت يجب أن يكون منصوباً لا ساكناً).. فتحو للموت بابا.. ثم تساؤل لا يخلو من حيرة.. علاقة شاعرنا الحميمة بالنيران ألا يخشى من ألسنتها؟ إن لك العمر رغم نفيك.. النفي أحياناً تأكيد لإثبات لا يمكن تجاهله.
ليس لي عمر
رصيد من حساب الزمن المعدود؟
في قلب المهاجر.. فلماذا لا أغادر؟
هذه اللحظة لا تستر الا عري أفخاذ الرياح
أنت تهرب من نفسك إلى نفسك.. القرار فيها لا يقبل الفرار منها حتى ولو حاولت.. الهجرة هجر.. والغربة موت.. وأخطر أنواع الهجرة والغربة أن يتخلى المرء عن ثابته.. وعن انتمائه.. وعن حبه.. العالم يا شاعرنا الجيد مسكون بالوجع رغم شعاراته الزائفة.. العقل والعدل والمثل العليا في ثلاجة لا تقوى يدك على تبريدها.. كن كما امنت صوت يقظة تملأ سماءنا شدواً وشجوا..عذوبة.. وعذابات.. تلك هي مفردات الحياة.. أنت أقوى من جراحك ومن ندوب الزمن عليك..
اشتري خبزاً
لا آكل إلا هلعاً يغمس في شبه كلام
أمزج الشاي بأوراق جنون
رشفة أولى.. كأني لم أجن
رشفة أخرى.. لماذا لم أجن؟
الجنون يا صديقي الصلهبي فرح من الفنون في علم النفس الضارب في فهم الفلسفة والحكمة.. (خذوا الفلسفة من أفواه المجانين (العقلاء) لتكن مجنوناً ولكن بعقل.. ولا تكن عاقلاً ولكن بجنون.. هنا تهتز قواعد المسلمات والمنطق.. عقلاء جداً في عالم مجنون اتهموا بالجنون وأعدموا لأنهم عقلاء.. (خطابك في ماء) تستحيل قراءته لأن سطوره غابت إلا من بعض سطور نجت بنفسها غير منتصرة بل منكسرة.
واسمع صوت الطبل. أرقص جاهلاً
برجل.. وان غنوا خطوت بلا أثر
فماذا ترى في وجهك الأيام يا حجر؟
نطقت بلا صوت. وسرت بلا نظر
الصمت حكمة.. والصوت أحياناً نقمة.. هذا ما تريد رسالتك المبللة قوله.. لهذا أغرقها الماء الهائج المحتج..
(وردة لا يكورها الزمن المستدير) هل للزمن المستطيل قدرة على تكويرها؟ مجرد سؤال: لأسئلة كثيرة مطروحة؟
لماذا تجيئين في مفرق الليل
غربت نحو امتداد الأماني
واشرقت نحو انحسار الظنون
لماذا اقترفت هواك
لماذا اقترفتِ هواي؟
أحسد! هل يحسد الميتون؟!
ما دمت ميتاً لِمَ الحسد؟ دعها لما اقترفت يداها تتعذب هي دون أن تتعذب أنت
لماذا اقترحت على الشمس أن تستحيل إلى وردة؟
لا يكورها الزمن المستدير
ولا يعبر النهر إلا إذا جاء فصل الربيع
كأن النجوم تضيء النجوم
فكيف ينامون ملء النجوم؟
هل أقول لك ما قاله أبو الطيب المتنبي عن نفسه:
أنام ملء جفوني عن شواردها
إذا كان المنام يحلو لك فنم دون أحلام مزعجة.. لأن الحصاد كما قلت مجرد ضياع عمر.. أو استيقظ لوجعك الثاني:
قم. قم. لا تتبجح
أعلا فرح تفرح؟
ماذا قم فالدنيا
من حولك تترنح
حاولت ولكني
لم أبرح لم أبرح
أوليس لديك رؤى
أو لا.. ولا تطمع؟
عيب الوجع الثاني
أن الأول أفدح
ماذا أفعل قل لي؟
خذ بيدي للأصلح
وجع إيقاعه أخف رغم قبحه
ليس بوسعي شيء
فأنا مثلك أقبح
مالك والقبح.. إنه دمامة لا نطيقها حتى في الشعر. أعط لنا الجميل نذكرك بالخير وتذكرك الحياة بالخير
كنت جميلاً ترى الوجود جميلا
(لا أحد) واحدة من قصائده المتخنة والمتخمة بالشكوى والموجع:
وجعي ينبت في الصخر الجلد
وأنا أصرخ لكن لا أحد
أقبض الموت كأخاذ الهوى
واسلي النفس باليوم الأشد
صورة كئيبة رسمها هو.. ورسمها قبله شاعر ذاق ألم يومه وضاق منه.. ثم تذكره بالخير بعد أن تذوق غده
رب يوم بكيت فيه فلما
صرت في غيره بكيت عليه
ما دام القنديل في دمك، والندى في كفك فلم الخشية من ظلام انهال بسواده وصيف وقد بلهيبه.. أضئ بقنديلك دربك وسط الظلام. وارتشف من قطر نداك جرعات تصد لهيب صيفك.. سلاحك لا معنى له دون استخدام..
(وأخيراً سقط القمر).. كيف سقط..؟ وأين؟ ولماذا؟
مع مقطوعة قمره آخر محطاته تنتهي بنا الرحلة. ولكن بعد أن نستشرف أسباب سقوط قمره.. أكان قمراً فضائياً أم أنه قمر أرضي من لحم ودم؟
أتى دون وعد
ليس لدي سوى قدح واحد
مترع بالضجيج. وغزو الرياح
وبعض نوى!
تجمد في سدة الباب والباب مفتوح
لكن قارئة الكف لم تكترث بالقدوم الجديد
يتساءل مع نفسه:
ألست أنا الآن في مهمة؟
من تشظى من النهارات
كيف سأرأب صدع المساءات والباب مفتوح
أسرى بشاعرنا مده وجزره حتى حسب كتابه.. تجرع ماء الغواية! غنت على كتفه قنبرة، وحطت على مرفقه نجمتان، سئم انتظار الذي لا يأتي.. تداخل في صوره.. وتداخل في اختراقها لأنه أتى دون عد.. وهذا ذنبه.
أتى دون وعد
ففيم أصب له قهوة البن؟
ليس لدي سوى قدح واحد
مترع بالضجيج وغزو الرياح
وبعض نوى..
تنازل عن قدحك.. دعها تشرب الكوكتيل إن طاب لها أن تشرب.. وما أخالها شاربة بل هاربة من بابك المفتوح إلى غير رجعة.. أرح أعصابك.. وأغلق الباب واترع قدحه وأنت مغمض العينين.. أليس خيارك أنت.. وبعد يا صديقي حسن الساهبي بعذوبة شعرك أباركك وبعذابات شعرك أشاركك شريطة أن يبقى الحلم حيا لا يطاله يأس.. ولا ينال منه وجع.. الحياة أمل.. لا أريد قنوطاً يسود الصفحات.. وانما ابتسامة تعانق النجمتين اللتين حطتا على مراقصك دون سأم من الانتظار.. من سار على الدرب وصل حتى لو اثقله جهد السعي..
كن جميلاً ترى الوجود جميلاً


الرياض ص.ب 231185 الرمز: 11321
فاكس: 2053338

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
تشكيل
كتب
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
مراجعات
اوراق
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved