الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 09th May,2005 العدد : 105

الأثنين 1 ,ربيع الآخر 1426

منسي: إنسان نادر على طريقته!

تأليف: الطيب صالح
بيروت: رياض الريس، 2004
***
(يزعم بعض الإنجليز أن مفردات لغتهم مصادرها ثلاثة: الإنجيل وشكسبير ولعبة الكركت. من بين مصطلحات لعبة الكركت:All (Rounder) وتعني اللاعب (الشامل) وتطلق على اللاعب المكتمل اللياقة الذي يجيد اللعب بمهارة في كل موقع. الطيب صالح في رأيي كاتب (شامل) مكنته ثقافته العميقة والمتنوعة واطلاعه الواسع باللغتين العربية والإنجليزية على علوم اللغة، والفقه، والفلسفة، والسياسة، وعلم النفس، وعلم الأجناس، والأدب، والشعر، والمسرح، والإعلام، أن يروي، ويحكي، ويخبر، ويصف، ويحلل، ويقارن، وينقد، ويترجم بأسلوب سهل عذب ينفذ إلى الوجدان والفكر، كما تشهد هذه المجموعة من (مختارات من الطيب صالح). تلك كانت مقدمة الناشر لهذا العمل للطيب الصالح.
من الكتاب:
(1) في مثل هذا الوقت من العام الماضي توفي رجل لم يكن مهماً بموازين الدنيا، ولكنه كان مهما في عرف ناس قليلين، مثلي، قبلوه على عواهنه، وأحبوه على علاته. رجل قطع رحلة الحياة القصيرة وثبا وشغل مساحة أكبر مما كان متاحاً له، وأحدث في حدود العالم الذي تحرك فيه، ضوضاء عظيمة، حمل عدة أسماء، أحمد منسي يوسف، ومنسي يوسف بسطاوروس، ومايكل جوزيف، ومثل على مسرح الحياة عدة أدوار، حمالاً وممرضاً ومدرساً وممثلاً ومترجماً وكاتباً وأستاذاً جامعياً ورجل أعمال ومهرجا. ولد على ملة ومات على ملة. ترك أبناء مسيحيين وأرملة وأبناء مسلمين. حين عرفته أول مرة، كان فقيراً معدماً، ولما مات ترك مزرعة من مائتي فدان من أجود الأراضي في جنوب انجلترا، وقصرا ذا أجنحة، وحمام سباحة، واسطبلات خيل، وسيارة (رولز رويس) و(كاديلاك) و(مرسيدس) و(جاكوار) وماركات أخرى. وخلف أيضاً مزرعة من مائة فدان في ولاية (فرجينيا) بالولايات المتحدة، ومطعماً وشركة سياحة، كانت الحياة بالنسبة له نكتة كبيرة وضحكة كبيرة متصلة لا تنقطع، لما بلغني نبأ وفاته، اتصلت بداره في (ثاتشبري) بإنجلترا، أجابني صوت أمريكي لشاب، هو ابنه الأكبر (سايمون) علمت منه أن أباه لم يدفن وكان قد مضى على موته عشرة أيام! كانوا ينتظرون أن تتم الإجراءات لحرق جثمانه. قلت له: لا يوجد أدنى شك أن أباك كان مسلما، إنه أمر خطير أن تحرقوا جثمان مسلم، وتذكر أن أباك خلف أرملة مسلمة ولكم منها أخ مسلم، إذا قلتم: إنه لم يكن مسلماً فمعنى هذا أن زواجه هذا كان باطلاً.
هكذا كان (منسي) لغزا في حياته ولغزا في مماته، لقد أربك الناس وهو حي وها هو يربكهم وهو ميت.
(2) لو أن قامة (منسي) كانت أقصر ببوصة واحدة أو بوصتين، لأصبح قزماً، ومع تقدم السن، ترهل جسمه، وصار له كرش كبير، ومؤخرة بارزة، فكأنك تنظر إلى كرة شقت نصفين، نصف أعلى ونصف أسفل، وكان شديد العناية بمظهره، يلبس قمصان الحرير، وال(بدل) الفاخرة، يحصل عليها بأثمان بخسة. كان بادئ الأمر يفصل ثيابه عند (ترزي) في نواحي (هولبورن)، وكان هذا يحصل على القماش بسعر الجملة من محلات (دورميي) المعروفة في (بيكاديللي)، وذات يوم انشغل فتطوع (منسي) ليحضر له القماش فأعطاه الرجل بطاقته، واستغل (منسي) الفرصة فسجل اسمه عند (دورميي) على أنه (ترزي) وحصل على بطاقة، وأصبح بعد ذلك يحصل على القماش بسعر الجملة بهذه الصفة. وأشهد أن (منسي) كان كريماً معنا، فكنا نذهب معه إلى (دورميي) ونشتري ما يلزمنا بسعر الجملة، كذلك اكتشف (منسي) بقدرته الخارقة على الاكتشاف، ترزياً ماهراً في منطقة ال(إيست أند) الفقيرة، يتقاضى ربع الأسعار التي يتقاضاها الترزية في وسط لندن، فأصبح يفصل ثيابه عنده، حتى بعد أن هاجر إلى أمريكا وفتح الله عليه هناك، كان يحضر خصيصاً إلى لندن، فيشتري القماش من (دورميي) ويفصله عند صاحبه ذاك في ال(إيست أند).
يقع الكتاب في (198) صفحة من القطع المتوسط.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
تشكيل
كتب
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
مراجعات
اوراق
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved