الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 09th May,2005 العدد : 105

الأثنين 1 ,ربيع الآخر 1426

قراءة في تحقيق كتاب (الشعر والشعراء) طبعة 2000م
عبدالحكيم خيران جدة
دأب المؤلِّفون في شتَّى الحقول المعرفية على تصدير مؤلفاتهم بمقدمة يتوخون من خلالها استعراض العلل التي حدت بهم إلى تسطير ما دبّجه يراعهم، أو تحديد المنهجية التي سلكوها في التأليف.. وبكلمة واحدة، فإن تلكم المقدمة تتوخى تبيان الغاية مما سوف ينثرونه بين يدي القارئ من مادة. وما من جدال في أن هذا الأمر يكتسي أهمية بالغة بالنسبة إلى القارئ بمفهومه الموسع، أي القارئ العادي والمتخصص الدارس والناقد. ولعل الكلام نفسه ينسحب على المحقق، وهو ما سنتناوله في هذه السطور مع محقق (أو بالأحرى محققي) كتاب (الشعر والشعراء) لابن قتيبة الدينوري، الصادر عن دار الكتاب العلمية ببيروت، في طبعته الأولى في العام 2000م، والذي عمل على تحقيقه وضبط مادته كل من الدكتور مفيد قميحة، والأستاذ محمد أمين الضناوي. والكتاب، كما هو معلوم، يعدّ من أمّهات الكتب، وأحد المراجع التي لا غنى عنها للباحث في الشعر العربي.
وقد ورد في المقدمة التي حررها الأستاذ الضنّاوي أنه عمل في تحقيقه على تصويب ما شاب أوزان الأبيات الواردة في متن الكتاب من خلل. غير أن المتصفح للكتاب يهاله حقاً أمر الخلل والزلل الجلل الذي ورد في هذا الجانب، إلى حدّ أننا عددنا ما ينيف عن ثمانين مرة زلت فيها قدم المحقق فيما يتعلق بالأوزان لوحدها، ليقفز في الذهن سؤال عريض: هل كان الأستاذان قد أعدّا من الزاد ما يكفي لركوب هذه المغامرة المحفوفة بالمخاطر، على حين يبدو عدم إلمامهما بعلم العروض بيّناً؟ إذ أية أعذار يمكن أن نلتمسها لهما في السقطة الكبرى التي سقطاها، والمزلق الخطير الذي زلا إلى مطبه؟ وسوف نورد في ما يلي بضعة أمثلة لذلك، تراكمت كالجبل على امتداد الصفحات، مع التنويه إلى أننا لن نخوض في التفعيلات والزحافات والعلل التي داخلت الأبيات التي جانب فيها المحققين الصوابُ. إذ لو جئنا على ذلك لامتدّ الحيز على نحو أكبر مما نبغي في هذه السطور:
ورد في الصفحة 40 البيت التالي: اليوم يبنى لدويد بيته
لو كان للدهر بلى أبليته...
والبيت:
ألقى علي الدهر رجلاً ويداً
والدهر ما أصلح يوماً أفسدا
واضح أن البيتين من بحر الرجز، وليس من البسيط الذي نسبهما إليه المحقق. وفي الصفحة نفسها ورد البيت:
أكلتُ شبابي فأفنيته
وأفنيت بعد شهور شهورا
وهو من بحر المتقارب، وما أبعده عن الوافر!
وبودنا إبداء ملاحظة بسيطة عن هذا المثال، مفادها أن المحقق اعتبر البيت من بحر الوافر من خلال الوقوف فيما نظن على التفعيلة الأولى (مفاعلتن) في بداية البيت، بينما هي: فعولُ (المطوية من خلال حذف خامسها الساكن) تتلوها فعو وهي بداية التفعيلة الثانية. ومرد هذه الزلة في تقديرنا إلى ثقة من المحقق زائدة عن اللزوم لا تليق بعالم، ناجمة عن استخفاف بعلم العروض، أو إلى جهل بيّن بهذا العلم. على أننا قد نستبين شيئاً من ذلك في ما سنأتي على ذكره من أمثلة.
في الصفحة 47:
كأن المدام وصوت الغمام
وريح الخزامى ونشر القطُر
هو من بحر المتقارب، ومن عجب أن ينسبه المحقق إلى الرمل الذي تبتدئ تفعيلته السليمة (فاعلاتن) بسبب خفيف (o)، وقد يلحقها الخبن (وهو حذف الثاني الساكن) لتصير فعلاتن، ومن ثم فهي لا تبتدئ البتة بوتد مجموع!
في الصفحة 51:
ونادمتُ قيصر في ملكه
فأوجهني وركبت البريدا
من المتقارب وليس الطويل، وكما هو معروف فتفعيلات الطويل أطول بكثير من تفعيلات المتقارب! وتكرّر الأمر في الصفحات 71 و74 و206
في الصفحة 54:
نعب الغراب وليته لم ينعب
بالبين من سلمى وأم الحوّث
البيت من بحر الكامل، وهو بعيد عن الطويل الذي لا يبتدئ بثلاثة متحركات.
في الصفحة 70:
يخرجن من شرُبات ماؤها طحل
على الجذوع يخفن الغمّ والغرقا
هو من البسيط، لا الوافر الذي يبتدئ بوتد مجموع لا بسبب خفيف.
في الصفحة نفسها (73):
فمن للقوافي شأنها من يحوكها
إذا ما مضى كعب وفوّز جرول
من الطويل وليس البسيط، والملاحظة نفسها تسري على البيت الوارد في نفس الصفحة:
يثقفها حتى تلين كعوبها
فيقصر عنها من يسيء ويعمل
في الصفحة 99:
فلولا ثلاث هنّ من عيشة الفتى
وجدّك لم أحفل متى قام رامس
من الطويل وليس الكامل، وإن عجبنا لا ينقضي من كون المحقق قد أشار إلى أن صاحب البيت قد أخذ بيت طرفة المشهور:ولولا ثلاث هنّ من عيشة الفتى
وجدّك لم أحفل متى قام عوّدي
والذي أشار بشأنه إلى أنه من الطويل، فكيف للبيت الجديد أن يكون من الكامل، على حين أن الكلمة التي تم تغييرها مؤلفة شأنها شأن الكلمة الأصلية من سبب خفيف + وتد مجموع؟
في الصفحة 125:
فلا تُلفينَّ كأم الغلا
م إلا تجد عارماً تعترم
من المتقارب، وهو أبعد ما يكون عن البسيط.
في الصفحة 173:
إذا واجه الأقران كان مجنّه
جبين كتطباق الرحا اجتاب مَمْطرا
هو من الطويل وليس السريع!! والفرق بينهما كبير وبيِّن بشكل لا يدع مجالاً لأي لبس.
في الصفحة 177:
إنا أتيناك وقد طال السفر
نقود خيلاً ضمَّراً فيها عسرْ
من الرجز وليس الكامل (ولا شك في أن بينهما تداخلاً في بعض الأحيان، لكن الكامل لا يمكن أن تكون فيه تفعيلة مفتعلن!).
في الصفحة 186:
لكل جديدٍ لذة غير أنني
رأيت جديد الموت غير لذيذ
من الطويل لا من الرجز.. وواضح جليّ أن ليس بينهما تداخل يمكن أن ينجم عنه الغلط من جانب محقق (ولئن قيل إن الناقد أديب وزيادة، فإن المحقق ينبغي، بالمثل، أن يكون ضليعاً في الميدان الذي يحقق فيه، بشكل أكبر من المؤلف الذي يحقق له!)
في الصفحة 228:
ولقد سئمت من الحياة وطولها
وعمّرت من عدد السنين مئينا
من الكامل لا الرجز، ولا تستقيم تفعيلة العجز الأولى إلا بإسقاط التشديد لتصبح: وعُمِرتُ.
في الصفحة 240:
إن كنت عاذلتي فسيري
نحو العراق ولا تحوري
من مجزوء الكامل، وفيه ترفيل (أي زيادة سبب خفيف في آخر التفعيلة الثانية)، وليس المتقارب. والعجيب الغريب حقاً في أمر المحقق أنه قد أشار في الهامش إلى أن هذا البيت هو مطلع رائية المنخل اليشكري الشهيرة ببيتها الطريف:وأحبها وتحبني
ويحب ناقتها بعيري
مشيراً كذلك في المتن ، وهو على صواب، إلى أنها من مجزوء الكامل فكيف يا ترى يكون المطلع من بحر غير البحر الذي نُسجت عليه القصيدة؟! فهذا الأمر لم يُعرف في ديوان العرب على حدّ علمنا.
في الصفحة 302:
كفخر الإماء الرائحات عشية
برقم حدوج الحي لمّا استقلت
من الطويل وليس الكامل!!
في الصفحة 322:
ومشى إلي بعيب عزة نسوة
جعل الإله خدودهن نعالها
من الكامل وليس الطويل (وعجب أمر المحقق، يجعل الطويل كاملاً، والكامل طويلاً!!).
في الصفحة 326:
إذا ونت ذات أذيال تذيع به
قالت لأخرى كغيري أغضبتْ دوري
واضح أن البيت من البسيط وليس الوافر. والواقع أنا لا نملك إلا شديد الاستغراب أمام صنيع المحقق. ذلك بأنه يقول إنه أضاف (فاء) في بداية البيت بغية ضبط وزنه الذي يقول إنه الوافر. ومعلوم أن الوافر لا يبتدئ بثلاثة متحركات، بل بمتحركين فحسب: مفاعلتن مفاعلتن فعولن مفاعلتن مفاعلتن فعولن فمن أين له الضبط يا ترى؟؟
في الصفحة 334:
ما كان فيمن كان قبلنا
ولا هو فيمن بعدنا كابن مسلم
من الطويل، وليس البسيط. وقد طرأ على التفعيلة الأولى زحاف (الخرم) الذي سيأتي الحديث عنه لاحقاً.
في الصفحة 343:
أبني تميم ما لمنبر ملككم
لا يستقر قعوده يتمرمر
من الكامل وليس الخفيف، ولا مجال بينهما للتداخل المفضي إلى الغلط!!
في الصفحة 367:
وإن بقوم سوّدوك لفاقة
إلى سيد لو يظفرون بسيّد
البيت من الطويل، وليس من الرجز. والملاحظة نفسها تكررت في الصفحتين 374 و395 .
في الصفحة 377:
تجمعتم من كل أوب وبلدة
على واحد لا زلتم قرن واحد
من الطويل وليس الوافر، وقد أشيعت كلمة (تجمعتم) كيما يستقيم الوزن. مثلما هو الشأن مع كلمة (زلتم). في الصفحة 403:
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
تشكيل
كتب
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
مراجعات
اوراق
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved