الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 9th June,2003 العدد : 15

الأثنين 9 ,ربيع الثاني 1424

قصة قصيرة
يا جبل ما يهزّك ريح
وفاء العمير
تطير الكلمات مأخوذة بفتنة البياض الذي يعود ليصير شكلاً ممرراً على سواد سريع تكتبه يد اللحظة المقلوبة، وشكلاً مهيباً إذ تصبح الخرائط بسعة عالم يتجزأ إلى أنصاف قناعات تنسكب دفعة واحدة في فوهة بركان يكاد يكون هو الوحيد الذي يخلد إلى النوم الآن، وربما فتح عينيه قليلاً ليتأكد أن ما يحدث يعنيه ويتجه إليه مباشرة.
وأنه سيُسحل من قدميه برعونة منفلتة، وتلك القناعات المفاجئة التي تخزه في خاصرة ضيقة من بلاهته توشك على إلقائه في هامش الخريطة المغرية بشاعة التجوال.
وهذا الذي ينام طويلاً ممدداً كحصيرة صفراء متعفرة بالتراب يبدو باهتاً تماماً والحياة تضج من حوله وكل شيء يتنمر في محيطه والطيور تركل ما يبس من الأغصان في رأس النخلة العجوز لتتسيد وحدها سحابة الثمار اليانعة التي تنتشر بدورها كسقف عريض ومتمادٍ بالعنفوان، وكان هو على جانبي النوم يلقي بجسده وتتورم أجفانه وتفوح من ثيابه رائحة الرماد المبذور للهواء المغادر، وكل شيء يتكلم في وقت واحد وتلك الأصوات بلغات مختلفة تحكي ما لا يمكن أن يفهمه فيما كان أمامه طوال الوقت، لكن من يستطيع أن يموت جازماً أن الحياة بعده يمكن أن تصير شركاً للنار المندفعة من تحت المبررات الكاذبة والقرارات الحادة والواضحة، ولما كان للخريطة وجه يضحك باستمرار وهو يكبر، يكبر باتجاه واحد ويضيق باتجاه نوم أغرونا به وصرنا بعد ذلك محاصرين بأوهام يسربونها إلينا من خلال قناعات مخادعة.
باتت الكلمات تخلد إلى الماضي والعيون ترمق باستمرار كتابة تومض على جدار الصحف نتلصص على حقيقتنا متسربلة بثياب الغياب ولاشيء يهزّنا.
"يا جبل ما يهزك ريح" يا عمر أحلام تؤخذ عنوة من أعين مغمضة تحت التراب، وكتب مطوية بأصوات رجال قالوا كلمتهم الأخيرة وغادروا منتصرين إلى الحياة، يا وجوه تخرج إلينا كل مرة، وهي تداهن نوبات البكاء الحارقة، تطبطب على كتفي الحزن ووجه الخريطة يكبر ليملأ شاشات الزمن والمكان، والأيدي تطول وكل الأشياء التي رسمناها مغصوبين في كراسة الرسم وسطرناها مجبورين بمسطرة المعلم داخل جدران مدارس تهزأ بقدرتنا على الابتكار وبناصية حقنا في التورد كيفما شاءت الأفكار البيضاء الزاهية، كل تلك الأشياء حامت حولنا وهي لم تفعل ذلك بغتة ولكن بدأتها منذ أمد طويل، منذ بقاع شاسعة في التجلد، منذ بلاهة قميئة للتعلق كعنقود عنب حامض على فم غصن يتحنط حولنا، ومازال نائماً هذا الذي يكرر مراراً أنه وجد ليكون الأقوى والأجمل والأبهى فيما الهامش يتسع حوله ويصبح أكبر منه.
هل هي قلة الحيلة في أن يكون له صحو إن لم يكن صحواً مبكراً فعلى الأقل لا يجب أن يكون متأخراً حتى اللحظة الأخيرة من اقتسام الغنائم؟!
وماذا ننتظر ونحن متسمرون إلى مقاعدنا وكأن الذي يجري على شاشة الحياة مجرد فيلم تدور بكرته لتسليتنا وإثارة حماسنا ولاشيء آخر، وما ان ينتهي الفيلم وتضاء الأنوار ونرى وجوه بعضنا لايسبقنا إليها شعلة تغيير فكل شيء كما هو، حتى نأخذ
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
قضايا
حوار
تشكيل
كتب
وراقيات
ذاكرة
مداخلات
المحررون
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved