الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 9th June,2003 العدد : 15

الأثنين 9 ,ربيع الثاني 1424

قصة "الامتاع والمؤانسة"
فيلسوف الأدباء وأديب الفلاسفة.. أبو حيان التوحيدي
* الثقافية علي سعد القحطاني:
يقول عنه أحمد أمين: "أبو حيّان التوحيدي من أولئك العلماء الأدباء الذين أصيبوا في حياتهم بالبؤس والشقاء، وظل حياته يجاهد ويكافح في التأليف واحتراف الوراقة والنسخ وجوب الأقطار، يقصد الأمراء والوزراء لعلهم يكافئون علمه وأدبه"، وقد تجاهله المؤلفون والرواة فلم يحفلوا بذكره ولا بكتبه "فقد عجب ياقوت من أن مؤرخي الرجال لم يترجموا له، مع أنه فيلسوف الأدباء وأديب الفلاسفة".
وأشار شارحا الكتاب إلى أن المؤلف تعمد إزاء نكران الناس لقيمته العلمية وعدم احتفالهم به أن يحرق في آخر أيامه كتبه، وقال حينها: "إني جمعت أكثرها للناس ولطلب المثالة منهم، ولعقد الرياسة بينهم، ولمد الجاه عندهم، فحرمت ذلك كله" إذن لقد أحرق أبو حيّان كتبه كلها و"لعل النسخ كما يقول السيوطي الموجودة الآن من تصانيفه كتبت عنه في حياته وخرجت من قبل حرقها".
ويقول الشارحان عن كتب المؤلف: "لم يبق من كتبه التي ألفها وتبلغ نحو العشرين إلا القليل، ولم يطبع منها إلا المقابسات والصداقة والصديق ورسالة في العلوم" "ولعل أقوم كتبه وأنفعها وأمتعها كتابه الذي نحن بصدده وهو كتاب "الامتاع والمؤانسة".
إذن ما قصة تأليف كتاب "الامتاع والمؤانسة" الذي يقع في ثلاثة أجزاء ولتأليف أبي حيّان لهذا الكتاب قصة ممتعة ذلك أن أبا الوفاء المهندس كان صديقاً لأبي حيّان وللوزير أبي عبدالله العارض فقرب أبو الوفاء أبا حيّان من الوزير ووصله به، ومدحه عنده، حتى جعل الوزير أبا حيّان من سمَّاره؛ فسامره سبعاً وثلاثين ليلة كان يحادثه فيها، ويطرح الوزير عليه أسئلة في مسائل مختلفة فيجيب عنها أبو حيان.. ثم طلب أبو الوفاء من أبي حيان أن يقص عليه كل ما دار بينه وبين الوزير من حديث، وذكره بنعمته عليه في وصله بالوزير، مع أنه "أي أبا حيان" ليس أهلاً لمصاحبة الوزراء لقبح هيئته وسوء عادته وقلة مرانته وحقارة لبسته وهدده إن هو لم يفعل أن يغض عنه، ويستوحش منه، ويوقع به عقوبته وينزل الأذى به.. فأجاب أبو حيان طلب أبي الوفاء فكان ذلك الكتاب "الامتاع والمؤانسة" الذي دوَّن فيها مسامرات الليالي السبع وثلاثين وما دار فيها من حوارات فكرية وفلسفية ولغوية وجميع أصناف العلوم والمعرفة والحكمة.
ولكن يحق لنا أن نتساءل كما تساءل شارحا الكتاب من هو الوزير أبو عبدالله العارض الذي سامره أبو حيان؟
إنه أي الوزير هو أبو عبدالله الحسين بن أحمد بن سعدات وزير صمصام الدولة البويهي" أما لقبه العارض فجاء من كونه وهذا معنى العارض من يعرف العسكر ويحفظ أرزاقهم"، ويوصلها إليهم ويعرضهم على الملك إذا احتيج إلى ذلك".
أما أبو الوفاء فقد ترجم له ابن النديم في الفهرست وابن خلكان في وفيات الأعيان؛ وقال فيه هذا الأخير: "إنه أحد الأئمة المشاهير في علم الهندسة، وله فيه استخرجات غريبة لم يسبق بها".
وصف الكتاب
قال القفطي في وصفه: "وهو كتاب ممتع على الحقيقة لمن له مشاركة في فنون العلم، فإن خاض كل بحر وغاص كل لجة وما أحسن ما رأيته على ظهر نسخة من كتاب الامتاع بخط بعض أهل جزيرة صقلية وهو: ابتدأ أبو حيان كتابه صوفياً وتوسطه محدثاً وختمه سائلاً محلفاً".
وقسم أبو حيان كتابه إلى ليال، فكان يدون في كل ليلة ما دار فيها بينه وبين الوزير على طريقة قال لي وسألني وقلت له وأجبته. وكان الذي يقترح الموضوع دائماً هو الوزير وأبو حيان يجيب عما اقترح.
ويتحدث الشارحان "أحمد أمين وأحمد الزين" للكتاب عن أسلوب كتاب الامتاع و المؤانسة فيقولان: ثم إن أسلوبه في تقسيمه إلى ليال، وذكره ما دار في كل ليلة على سبيل الحديث والحوار يجعله لذيذاً شيقاً أو على حد تعبيره هو ممتعاً مؤنساً فهو أشبه شيء بألف ليلة وليلة ولكنها ليست ليالي للهو والطرب وكيد النساء ولعب الغرام، إنما هي ليال للفلاسفة والمفكرين والأدباء، فكتاب الامتاع والمؤانسة يصور حياة الارستقراطيين ارستقراطية عقلية؛ كيف يبحثون، وفيم يفكرون، وكلاهما في شكل قصصي مقسم إلى ليال، وإن كان حظ الخيال في الامتاع والمؤانسة أقل من حظه في ألف ليلة وليلة.
وأسلوب أبي حيان في الكتاب أسلوب أدبي راق يحب الازدواج ويطيل في البيان، ويحتذي حذو الجاحظ في الإطناب والإطالة في تصوير الفكرة، وتوليد المعاني منها حتى لا يدع لقائل بعده قولاً.
وقد هام بأسلوبه الدكتور إحسان عباس فقال في مقدمة كتابه عن هذه الشخصية: من غريب المصادفات أنني لم أكد انتهي ذات يوم، من قراءة كتاب الحيوان للجاحظ، حتى وقع في يدي كتاب الامتاع والمؤانسة لأبي حيان فإذا بي أمام جاحظ آخر يبهرني بروعة أسلوبه، وطرافة اتجاهه وتنوع موضوعاته فتركت الجاحظ جانباً وتعلقت بأبي حيان.
ويتحدث الدكتور إحسان عباس عن شخصية أبي حيان ويقول: "كان واسع الصدر، كثير التسامح، وله أصدقاء من شتى الملل والنحل، ويسهب الدكتور إحسان عن كتابه ويقول: أما كتاب الامتاع والمؤانسة فإنه يمثل المرحلة المتوسطة الانتقالية، فهو صورة لثقافته الإسلامية والفلسفية، مع ميل إلى الاستكثار من الأولى".
ويتحدث الدكتور إحسان عباس عن موضوعات فصول الكتاب ويقول:
الفصل الأول: وهو يشمل الليالي الثماني الأولى، والموضوع الرئيسي فيه نقد المعاصرين من الفلاسفة كأبي سليمان وابن زرعة وابن الخمار ونظيف ويحيى بن عدي.
الفصل الثاني: في طبائع الحيوان وفيه استطراد لتباين أنواع الأخلاق ومدى ما يتميز به الحيوان منها.
الفصل الثالث: مزيج من فلسفة ولغة وهو إلى الفلسفة أميل.
الفصل الرابع: مشكلة التوفيق بين الفلسفة والشريعة ومناقشة إخوان الصفا، وينهيه بحكم قصار للفلاسفة.
الفصل الخامس: في المجون.
الفصل السادس: كلمات مختارة وهي من جوامع الكلم ومن الأحاديث الفصيحة ورقائق العباد وبينها شذرات من الفلسفة وشيء عن طبائع الأحجار وحديث عن المفاضلة بين النظم والنثر.
الفصل السابع: عرض للمغنين والمغنيات ببغداد وأحوال الناس في الطرب.
الفصل الثامن: أمر المطعمين والطاعمين وهو من أكبر الفصول وأكثرها استواء وتتابعاً.
الفصل التاسع: أسئلة فلسفية عن النفس والمعاد وحدود الأخلاق.
الفصل العاشر: أحداث تاريخية معاصرة.
الفصل الحادي عشر: الأجوبة الحاضرة.
الفصل الثاني عشر: أحوال المتكلمين في أقوالهم وشكوكهم.
ويتحدث الدكتور إحسان عباس عن طريقة أبي حيان التوحيدي الفنية فيقول: وكل من يدرس أبا حيان في طريقته الفنية يراه محتذياً طريقة أستاذه الجاحظ.
ويتحدث الدكتور عبدالواحد حسن الشيخ في كتابه عن أبي حيان التوحيدي وهو يعرض لأهم كتبه ويقول:
1 البصائر والذخائر الذي يقول عنه ياقوت: إنه يقع في عشرة مجلدات كل مجلد له فاتحة وخاتمة.
ومهما يكن من أمر فإننا نرجح أن يكون البصائر أو الغيث، فقد عرفنا أن التوحيدي تقريباً ولد في العقد الثاني من القرن الرابع الهجري واشتغل بالتحصيل والعلم والتصوف إلى أن استحصدت قوته، ووضع أمامه كتب الجاحظ فتارة ينسخ الحيوان، وأخرى ينهل ويعل من باقي كتبه الأخرى فتمثله أمامه، وجعله قدوته ومثاله، فجاء كتاب البصائر قريباً جداً إن لم يكن التوأم اللصيق لكتب الجاحظ.
ومن كتبه أيضاً:
2 أخلاق الوزيرين: الذي اختلف في تسميته فهوعند بروكلمان والبستاني وابن خلكان والدائرة المعارف الإسلامية يعرف باسم مثالب الوزيرين.
أما في كشف الظنون فهو "ثلب الوزيرين" وعند ياقوت "أخلاق الوزيرين" تارة و"ذم الوزيرين" تارة أخرى.
ومن كتبه أيضاً:
3 الصداقة والصديق.
4 ا لامتاع والمؤانسة الذي ألفه سنة إحدى وسبعين وثلاثمائة وأتمه في رجب سنة أربعمائة.
5 الهوامل والشوامل.
6 المقابسات.
7 الإشارات الإلهية.
ويحسن بنا أن نعرج سريعاً على سيرته فهو "أبو حيان علي بن محمد بن العباس البغدادي الصوفي صاحب التصانيف الأدبية والفلسفية توفي سنة 400 هـ وقيل مات بشيراز سنة 360.
وقيل في نسبته التوحيدي أنه سمي بهذا الاسم:
1 نسبة إلى التوحيد وكما يسمي صوفية الفلاسفة نفوسهم بأهل الوحدة وبالاتحادية.
2 وقيل لأن أباه كان يبيع التوحيد ببغداد وهو نوع من التمر بالعراق.. كما جاء في ديوان المتنبي.
يترشفن من فمي رشفاتٍ
هُنَّ فيه أحلى من التوحيد
المراجع
1 الامتاع والمؤانسة.
2 أبو حيان التوحيدي، إحسان عباس.
3 أبو حيان التوحيدي وجهوده الأدبية والفنية، د. عبدالواحد حسن الشيخ.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
قضايا
حوار
تشكيل
كتب
وراقيات
ذاكرة
مداخلات
المحررون
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved