Culture Magazine Monday  09/07/2007 G Issue 206
أقواس
الأثنين 24 ,جمادى الثانية 1428   العدد  206
 
في ليالي تكريم ياسين رفاعية
تألق عبدالله الناصر وغابت بيروت

 

 
* دمشق - عبدالكريم العفنان:

كان لافتاً تكريم وزارة الثقافة السورية الأديب ياسين رفاعية بحضور نخبة من الرواد العرب الذين عاصروه وعرفوه وقرأوه وفي مقدمهم الأديب المثقف الأستاذ السعودي المعروف عبدالله الناصر الذي ارتجل كلمة المشاركين في الندوة التكريمية ولاقت صدى طيبا وسط الحضور الذين غصت بهم قاعة المركز الثقافي العربي بالعدوي (دمشق) ولا سيما حين تألق في وصف دمشق: (عطر اللغة)، وأضاف: (لا عطر بعد عطر العروس)؛ الأمر الذي قابله الحضور بالتصفيق مطولاً. وقد تناولت الندوة على مدار يومين شهادات ودراسات لعدد من الأدباء والباحثين من الأقطار العربية في الأجناس الأدبية والفكرية التي ميزت نتاج المكرم ياسين رفاعية في مجالات الرواية والقصة والشعر والنقد وأدب الأطفال.

وقد افتتح وزير الثقافة السوري الدكتور رياض نعسان آغا فعاليات الندوة الخاصة وأصر على أن يكون البادئ بالكلام ترحيباً منه بضيوف الندوة الذين وفدوا من عدة أقطار عربية كان أبرزهم عبدالله الناصر (السعودية) وعبدالستار ناصر وعبدالرحمن الربيعي (العراق) والدكتور عبدالمجيد زراقط وميشال جحا (لبنان) ورشاد أبو شاور (الأردن) وحسن حميد (فلسطين) وعادل أبو شنب وحسين جمعة ونضال الصالح وعبدالله أبو هيف وعزيزة سبيني وغسان كلاس وزهير جبور وجمانة طه وأنيسة عبود (سورية)، وقد تطرق الدكتور رياض نعسان آغا في كلمة موجزة إلى الجوانب الإنسانية للمواضيع التي تناولها أدب ياسين رفاعية ودور هذه الجوانب في وصول ياسين رفاعية إلى المكانة الرفيعة التي يتحلى بها في الوسط الثقافي والأدبي العربي. وأكد الوزير السوري حرصه الشديد على تكريم المبدعين؛ لأنهم يمثلون الوجه الحضاري للأمة. ثم ألقى الأستاذ عبدالله الناصر كلمة المشاركين قال فيها: في الشام تتعطر لغة الكلام ولا عطر بعد عطر العروس وهي الشام, دمشق بلاد العرب ومعقل العروبة والصمود، بدأ التاريخ منها وإليها يعود، عرفت هذه البلاد أول أبجدية في رأس شمرا وإليها كانت تشد الرحال من أوروبا إذاً ماذا أقول عن أم الحضارة؟ وستبقى دمشق ملجأ للشعر والشعراء, ودمشق حين تكرم ياسين رفاعية إنما تكرم الثقافة والأدب. وعز في هذا العالم العربي المنكوب أن يكرم الأديب! ثم ألقى الدكتور حسين جمعة كلمة اتحاد الكتاب العرب لكن الحظ لم يحالفه بإكمالها كما ينبغي وواصل القراءة بطريقة أدهشت الحاضرين وسط الظلام بعد انقطاع التيار الكهربائي وكأن الحزن يرافق رفاعية حتى في تكريمه، وعلى ضوء خافت ألقيت كلمة عادل أبو شنب عن أصدقاء المكرم. ولم توضح الجهات المسؤولة عن التكريم السبب وراء انقطاع التيار الكهربائي، كما لم تؤمن ما يلزم لاستمرار الحفل بالصورة المرجوة رغم الحضور المكثف داخل الصالة في ظل الدعاية الخجولة للمناسبة. كذلك غابت صورة بيروت المدينة التي احتضنت برحابة أجمل أيام وإبداعات ياسين رفاعية وهو برأي أحد المتابعين لا يعكس الحالة السياسية بين دمشق وبيروت بصورتها القائمة إنما الموضوع يتصل بجوانب إبداعية لا ترتبط بالضرورة بالمكان والزمان.

بريق اللغة

وفي اليوم التالي للندوة قدم المشاركون سلسلة من الدراسات النقدية تطرقت إلى مواقف ياسين رفاعية الفكرية والسياسية والأدبية وإلى أدب الأطفال وكتابة المقالة والشعر ولفتت دراسة الأديب السعودي عبدالله الناصر إلى عوالم ياسين رفاعية اللغوية حيث قدم صاحب أشباح السراب وحصار الثلج وسيرة نعل دراسة بعنوان بريق اللغة ووميض البرق حيث وصف الشعرية في لغة ياسين (بالشعرية العملية) أي ليست شعرية نمطية سائدة، فتضفي على الرواية جواً رومانسياً شاملاً، بقدر ما هي لغة ذات موقف وذات وظيفة؛ فاللغة لدى رفاعية - كما يقول الناصر - تبلغ سموها في حالة التوتر أو الإلفية أو الحنين أو العشق، ويضيف: (النص عند رفاعية يعود إلى طبيعته العملية التلقائية وفقاً للحالة الوظيفية، وهذا يعني أن اللغة بشكل عام في الرواية الرفاعية هي لغة علمية ذات تقنية، إنها داخل الرواية مثل الآلات الموسيقية داخل اللحن الشامل؛ فكل آلة لها دورها ولها بعدها النغمي؛ أي أن اللغة مرتبطة بالدال والمدلول حسب مرادية النص وليس حسب إرادة اللغة في ذاتها، وهذا أيضاً لا يعني أن اللغة متنافرة بل متساوية ومتسقة، ولكنها تشبه النسيج في السجادة ذات الصور الملونة). وهنا يسجل عبدالله الناصر للكاتب رفاعية قدرته على وحدة الإيقاع مع اختلاف النغم؛ ومن ثم فإنها لغة منضبطة لا تفتر ولا تضعف بل هي لغة متجددة تتحرك بانفعال وتفاعل مع المشهد، ويؤكد الناصر أن اللغة في النتاج الأدبي لياسين رفاعية تشدك وتغريك بالمتابعة ومطاردة النص مع عدم التعالي في الأداء. ولا تضعف لغة متجددة تتحرك بانفعال وتفاعل مع المشهد؛ لذلك فهي ليست لغة استعراضية تجنح نحو الغموض أو التعقيد اللفظي أو المعنوي. وختم الناصر دراسته بالإشارة إلى أن لغة ياسين رفاعية لغة مومضة دفاقة، سارية في مفاصل النص في نص المكان وفي نص الزمان وفي النص الوصفي التخيلي في النص بهجة الحياة ولحظات الاحتضار في نص السفر والرحيل وفي نص العودة والإياب، إنها لغة مرتعدة مرتعشة متوهجة توهج ذلك البرق الذي سرى في ذهنية ذلك البدوي الذي غاب وما آب وإنما أجهده الحنين والأنين والذكريات التي أشعلت المكان والزمان.

سرى البرق من نجد فجدد تذكاري

عهوداً بحزوى والعذيب وذي قار

أيا جيرة بالمأزقين خيامكم

عليكم سلام الله من نازح الدار

ومن ثم قدم الكاتب عبدالرحمن الربيعي مداخلة بعنوان (ياسين رفاعية نهر من الحنان والإبداع) قال فيها: تعرفت إلى اسم ياسين رفاعية بعد قراءتي لمجموعته القصصية (الحزن في كل مكان)، وكان هذا عام 1961 تحديداً أي بعد عام واحد فقط من صدورها، كانت تلك المجموعة فاتنة فتية، وأحسست أن فيها نبضي، وأن كاتبها قريب مني، وكأنه صديقي يجالسني في أحد مقاهي الناصرية حيث أعيش ويثرثر معي عن أحلامه القديمة. وأضاف الربيعي: (وبعد معرفتي به أستطيع القول إن علاقتي معه أقرب إلى الصداقة الشاملة؛ فنحن متشابهان حتى في الأجناس الأدبية التي اشتغلنا عليها، وهناك مسألة مهمة يجب أن نذكرها هنا وهي أن ياسين رفاعية عمل على أن يكون صديقاً للجميع، لم يهمه أبداً المنحدر الحزبي أو القطري لهذا الصديق أو ذاك بل كانت تهمه الصداقة كقيمة حقيقية وأصيلة نابعة من شيم العربي).

كما تحدث الدكتور نضال الصالح الأستاذ في جامعة حلب حول ما حدث بحق ياسين رفاعية من اختيار المكان والزمان لتكريمه، وأضاف: كان على وزارة الثقافة أن تهيئ نفسها بما يليق بشخص مثقف من قامة ياسين رفاعية ويليق بالمشاركين، ولولا حبنا لأدب ياسين رفاعية لما قرأناه مرة ثانية من أجل المشاركة في هذه الندوة، وطالب المؤسسات والوزارات بألا تبخس حق مبدعيها ومفكريها بهذه الطريقة، وقدم دراسة تحليلية نقدية عن رواية أسرار النرجس، وقال: هذه الرواية قامت بالكشف عن عالم سري مسكوت عنه في تلك التجربة من جهة أولى، وممعن في قطيعته مع المقدس الاجتماعي من جهة ثانية، ومحقق للأطروحة النقدية القائلة إن وظيفة الروائي هي الكشف عن الحياة الخفية لمجتمعه من جهة ثالثة، وتتسم الرواية بمستويين واقعي تكاد تمثل الرواية معه وعبره مدونة أدبية عن مجتمع دمشق في الأربعينيات من القرن الماضي، والمستوى الثاني كنائي استعاري وثيق الصلة بمكوني علاماتها اللغوية، وهناك حكاية مركزية في الرواية هي حكاية الشخصيات الرئيسية، وهنا نرى أن الرواية مجموع حكايات لا حكاية واحدة على نقيض ما اتسمت به روايته السابقة، وبين تلك الحكايات كلها حسناء وكاترين ومها ولمياء ونبيل وأسامة ثمة قاسمان مشتركان يرتبطان بالمستويين الواقعي والكنائي اللذين يميزان الرواية، وختم الصالح بأن الرواية شأن تجربة رفاعية السردية جميعاً قصصية ورواية تبدي وفاء واضحاً لتقاليد السرد، وتغلب الحكائي على الفني على الرغم من استثمار الروائي غير تقنية سردية لإحداث توازن بينهما، ومن أبرز تلك التقنيات ترجح فعاليات السرد بين ضميري المتكلم والغائب اللذين غالبا ما يتم الانتقال بينهما بل من الثاني إلى الأول على نحو أدق في المواقف الحارة التي تفترض أن يكون السارد شخصية.

أما الدكتور عبدالله أبو هيف فتناول في بحثه فن المقالة الأدبية والإبداع النصي عند ياسين رفاعية، الذي كتب آلاف المقالات والنصوص منذ خمسينيات القرن العشرين حتى الآن، ولكنه لم ينشر من مؤلفاته سوى كتابه (رفاق سبقوا) عام 1990، و(نصوص في العشق) من 3 أجزاء، وهي (حب شديد اللهجة) عام 1994، و(كل لقاء بك وداع) عام 1994، و(أحبك وبالعكس أحبك) عام 1994م. وأبرز أبو هيف الخصائص الفنية لهذه الكتابة، وأورد منها: إن رفاعية يصدر في كتابة المقالة عن الحب أو الاهتمام أولاً، وهل الحب إلا اهتمام في جوهره؟ فهو لا يكتب عن النصوص أو الأعمال التي ينفر منها، ويطفح كتابه هذا بمعاني الوفاء والنبل فيمن كتب عنهم؛ فحضرت مآسيهم حيةً فاجعةً مثلما أشرق إبداعهم من جديد في أضواء التعاطف التي سلطها عليهم وعلى إنتاجهم الباقي. وقال: إن رفاعية ينفر من المصطلحات النقدية طلباً للغة أدبية بسيطة معبرة ودالة، وربما كان ذلك بتأثير الصحافة، وقد حقق هذه المعادلة الصعبة بما جعل أدبه في متناول القارئ العادي قبل المتخصص. ويبحث رفاعية دائماً في الأعمال أو النصوص التي يعالجها عن صلة شخصية تكون منطلقاً لتعاطفه معه، وهذا ما يفسر اتساع شبكة علاقاته بالأدباء في مختلف أرجاء الوطن العربي، غير أنه بالمقابل يصرف جهوداً كبيرة لقراءة الأعمال والنصوص، ولا يعطي أحكاماً ومعايير لا يقتنع بها؛ لأنه حريص على إقناعنا بها أيضاً. وقد ابتعد رفاعية عن الصراعات الفكرية والسياسية، وتعكس مقالاته استقلالية مبكرة، ربما كان سببها - وفقاً لما فسره أبو هيف - معاناته الخاصة من وطأة التحزب والأيديولوجيات والحسابات السياسية الجائرة في كثير من الأوقات. ومن مظاهر هذه الاستقلالية ابتعاده عن القبلية النقدية التي سلطت على رقاب عدد غير قليل من المبدعين كسيف انكشاري، فكتب عن أدباء لا يعرفهم، وعن أدباء لا يوافقهم الرأي، وغالباً ما جمع في مقالة أو أكثر بين أدباء من اتجاهات متعارضة، أو من انتماءات مختلفة.

وتناول حسن حميد من فلسطين: رواد القصة القصيرة الحديثة في سورية كانوا جماعةً وليس فرداً. من هؤلاء الجماعة كان ياسين رفاعية الذي كتب قصة خالصة من كل شوائب التقليد والمحاكاة، وخالصة من كل الأنفاس الوافدة. إنها قصة قصيرة، موضوعها وتقنياتها ومؤيداتها وأمكنتها، وأسماء شخوصها، وأنماط سلوكياتها مستلة من روح المجتمع السوري. أما غسان كلاس فقدم قراءة أقرب إلى البيوغرافية قال فيها: في رصيد ياسين رفاعية ما يزيد على ثلاثة وعشرين عنواناً، ولكن ما أشرنا إليه في البداية يلتئم في سياق واحد ويندرج تحت عنوان واحد، وإن تعددت أجناسه الأدبية، ألا وهو الحزن الذي يظهر في كل مكان عبر قصصه الاثنتي عشرة, فيتنامى في السنة نفسها، ومن خلال رسائل بوح، ليخلّف جراحاً عميقة في النفس والوجدان، تستثير الذاكرة، بعد سنوات، في ومضات عن رفاق الدرب والحياة، ولكن لا تلبث هذه الأحزان، وحسب نزار قباني، أن تكبر حتى تصبح أشجاراً بفقدان الأمل، وتغدو الحياة وهماً وسراباً.

أبحاث وشهادات

هذا وقد قدمت في الندوة التي استمرت يومين عدة أبحاث وشهادات من رئيس اتحاد الكتاب العرب الدكتور حسين جمعة والأديب عادل أبو شنب وشهادات قدمها رشاد أبو شاور وعبدالستار الناصر وعبدالمجيد زراقيط والدكتور زهير جبور وغيرهم. وفيما يلي عرض لأبرز ما قدمه ياسين رفاعية للمكتبة العربية: (الممر) (1978)، و(مصرع الماس) (1980)، و(وردة الأفق) (1984)، و(دماء بالألوان) (1988)، و(رأس بيروت) (1992)، و(امرأة غامضة) (1993). ومجموعاته: (الحزن في كل مكان) (1960)، و(العالم يغرق) (1963)، و(العصافير) (1974)، و(الرجال الخطرون) (1979)، و(نهر حنان) (1983)، و(الحصاة) (مختارات قصصية 1991).


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة