Culture Magazine Monday  09/07/2007 G Issue 206
الملف
الأثنين 24 ,جمادى الثانية 1428   العدد  206
 

علي آل عمر: الظلّ والرمل والرحيل
يا علي
محمد زايد الألمعي

 

 

يا علي منذ ثلاثين عاماً ونحن نركض إلى ضوء غامض في أفق بعيد، وفي كل مرة كنت تتركني وتتخذ طريقاً لا أقرّك عليه، وحين ترتفع الرايات ويدعي كل منا الوصول إلى غايته، تؤكد أنني دخلت من الباب الخطأ، وتجعل من عنادك شاهداً على قبر أحلامي.. ثم ندخل من جديد في محاولات ترتيب ذواتنا لمسيرة جديدة واختلاف جديد على الطريق إلى ذلك الغامض البعيد.

يا علي

حين جمع بيننا الحرف دخلت وإياك في شراكة الجبال التي تتجاور في جذورها وتفترق في هاماتها، كنت مثالاً نادراً للفلاح الكادح العنيد، وكانت القبيلة في ذاتك شجرة من الأصدقاء ترتبهم تحت ظلها شيخاً لا ترضى بغير نظامك نظاماً، وكانت الثقافة نبعاً تنفرد بحرص عجيب على أن يبقى نقياً، وكنت في الشعر امتداد الحقول الصابرة كصبرك على ذاتك وحياتك البعيدة عن مزاجية الشعراء التي لم تفتعلها أو تجعلها من صفاتك، فقد بقيت دائماً أكثر وقاراً من صلفهم، كنت دائماً أولنا..

نعم أولنا حتى في مماتك لم ترض إلا أن تكون كذلك وكنا لا نجد سوى همتك العالية لنتشاجر معها ونقيس نجاحنا بمقدار ما ننتزعه منك.. وحين كنا نخذل تطلعاتك كنت لا تتردد في تذكيرنا بأنك الأول.. وها أنت تفجعنا برسالتك.. وترفع في وجوهنا كتاب الحقيقة الجارحة لذواتنا اللاهية ونرجسيتنا السمجة.

يا علي

لماذا غافلتني برحيلك هذه الأيام، وأنا أعيش فرحة الانعتاق من التزام لم يكن لأمثالي، وكنت أرمم جراح الخصومات الفارهة وأرتب كلماتي لأسألك كيف نعود من جديد نقترح على طريقنا نبل الغايات ونجعل من خيباتنا وقوداً لخطانا القادمة..

يا علي

كنت دائماً أرى أنك لا تصلح أبداً لأن تكون الرجل الثاني، وحين ننكر ذلك وتغلبنا رغباتنا كنت تعود إلى مكان يبقيك في الصدارة معتمراً جموحك وكبرياءك النادر.. ولذا لم أستغرب حين تركتني وحيداً مع الآخرين نقتسم لؤم الدسائس السوداء.

يا علي

حين ذهبنا سوياً قبل ثلاثة عقود إلى دمشق وأثينا التي اشتريت منها معطفاً شتوياً لأمك، وعدنا فإذا هي قد رحلت ونحن نتسكع في شوارع أثينا وبين أطلال الإغريق.. حينها واسيتك بقصيدة عن المعطف الحزين فاحتفظت بها وخجلت أن أسألك عنها، فهل تراني كنت رفيق شؤم عليك حين رجوتك مرافقتي في تلك الرحلة التي لم تكن تذكرها لي حين كنا نلتقي.

يا علي

لم أكن في حاجة إلى المراثي لأحدثك، كان بيننا كلام أجلناه سنيناً وكانت هذه الأيام فرصة بوحي الشاسع إليك.. فلماذا اخترت هذه المرة وبعنادك الذي أعرفه أن تؤكد أنك الأول.. الأول حتى في الموت يا علي؟


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة