Culture Magazine Monday  09/07/2007 G Issue 206
الملف
الأثنين 24 ,جمادى الثانية 1428   العدد  206
 
من حينها وأنا أحمل لك في قلبي هذا الجود
محمد بن عبدالرحمن الحفظي

 

 

لا زلتُ أنبضُ بالذاكرة العتيقة حينما دلفتُ إلى مكتبك بمبنى نادي أبها الأدبي القديم ذات مساء من صيف عام 1401هـ وأنا المتدثر بأمل الشباب والمحاولات الأولى في عالم الشعر.

أختزل صور اللقاء الأول، والخطوة الأولى، والكلمات المتقاطعة بين الأمل والرجاء.. واليأس والخوف.. والاحتواء والهدف، أنشد ساعتها من يضعني على الطريق ومن يؤكد لي صيغة الكتابة الشعرية واللغة المحلّقة.

رحمك الله يا أبا عبدالرحمن.. كانت روحك سمحة ووجهك باسماً وسمعك منصتاً لكلامي وثرثرتي ومحاولاتي وإصراري أياماً عديدة طويلة تواترت على مدى أسابيع. من حينها وأنا أحمل لك في قلبي هذا الجود وهذا الجميل الذي لن أنساه.

عاصرتُ معك، وأنت المتألق المبدع الموهوب، العلامة الفارقة، الطريق الذي شقه نادي أبها الأدبي في بداياته، وأنا أنهل وأتعلم من مدرستك ومن تميّزك.

لازلت أذكر المشاركة معك في ملء مداخل النادي القديم بصورٍ من الطبيعة الخلاّقة في منطقة عسير التقَطَتْها عدسة (كاميرتي).

لازلت أذكر حديثك معي في أن أقترح عليك مسمىً للديوان الشعري المشترك الذي ينوي النادي إصداره كأول ديوان لأبناء المنطقة، وفي لحظتها قلتُ لك مازحاً: (قصائد من الجبل).. فأثنيتَ على العبارة وأكبرتَها وسعيتَ إلى اعتمادها عنواناً لذلك المنتَج الأدبي الباقي.

لازلت أذكر سفرنا سوياً للمشاركة في أمسيات شعرية ومناشط ثقافية في عدة أندية ومؤسسات ثقافية، غير الذي شاركنا فيه كثيراً في أبها، فكنتَ نعم الصديق ونعم الرفيق ونعم الموجّه في السفر والمقام.

كثيرٌ مما تزخم به الذاكرة لايسع الحروف أن تتلوه.. لكنه ماثلٌ في الروح وفي عالم الخلود.

ها هو الموت يخطفك من بيننا دون أن نؤدي واجب زيارتك في مرضك الفجائي الذي لم يطل، وها هي الصدمة التي لم نصدقها لحظة سماع الخبر الفاجعة برحيلك.

لازلت أذكر آخر وجبة غداء تناولناها سوياً في مناسبة اختتام فعاليات مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني في منطقة عسير عن (التعليم.. الواقع وسبل التطوير) وما سبقها من سجاياك في يومي الفعاليات.. كان وجهك وصوتك مضيئاً ونابضاً مع الجميع.

يا أبا عبدالرحمن: كنتَ تسبق جيلك فارقاً معهم في كل ما تطرحه وتفكر فيه، وفي كل ما تنهجه وتبدعه وتقرر إظهاره على مدى المرحلة الناضجة من فكر المنطقة لثلاثين عاماً مضت، ونحن خلفك لاتكاد الأنفاس تسعفنا لنلحق بك.. كنتَ المتصدّر دائماً حتى في مماتك.

رحمك الله أبا عبدالرحمن.. وعزاؤنا أنك تركتَ بين أناملنا وفي عمق تفكيرنا ومسيرتنا الثقافية ما يسدُّ رمقاً يسيراً من ظمئنا ومن حزننا الكبير.

سنذكر لأبنائنا ومعاصرينا أننا تعلمنا منك الكثير الكثير الذي لا يجارى..

أسكنك الله فسيح الجنات.

alhifzi@gmail.com


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة