Culture Magazine Monday  09/07/2007 G Issue 206
الملف
الأثنين 24 ,جمادى الثانية 1428   العدد  206
 

آل عمر حينما يكتب للوطن
علي فايع الألمعي

 

 

التقيته مرّة واحدة في لقاء مفعم بالثقافة والهموم، قرأت في حديثه اعتزازاً ببداياته، وفي كلماته اعتداداً بالمكان وأهله، التقيته في فندق البحيرة بعد أن قدّم (محمود تراوري) ورقة مهمّة عن الأندية الأدبيّة، كان المقدّم لتلك الليلة مدير الأندية الأدبيّة الحالي الأستاذ: عبدالله الأفندي، كان (علي آل عمر) فخوراً في حديثه بأمجاد النادي التي ذكر منها شرف البروز للدكتور: سعيد السريحي وأن حضوره الإعلامي بدأ من نادي أبها أيام صراع الحداثة والتقليد قبل أن يُعرف بشكل كبير!.

أذكر ليلتها أنّني سألته: هل يمكن أن تُنسب شهرة (السريحي) لنادي أبها الأدبي؟!.

لم أتبين ليتها إجابته فقد كان الحضور كبيراً، وكانت الحوارات كثيرة، فقد يعلو صوت فوق صوت دون أن نجد في الحديث مع من لم نعرف من قبل غير فرحة لقاء لم يُنس، ودرجة اعتزاز في ذات شاعر وأديب كعلي آل عمر عسيري - يرحمه الله - غير أنّ معرفتي بما يكتب من شعر كانت قد سبقت لقائي به، فقد كان - يرحمه الله - كثير الاعتزاز بشعره، وكثير الذود عن ثقافته ووعيه، قرأته شاعراً في (قصائد من الجبل) وقرأته شاعراً في ديوانه الأخير الذي جمع فيه جلّ شعره، وأسماه (من قصائدي) أكثر الأشياء التي لفتت انتباهي في شعر علي آل عمر - يرحمه الله - هي قصيدة الوطن التي طاف بها كلّ شبر، لم يترك مكاناً إلاّ قصده، ولا زماناً إلاّ كتب فيه، ولا أهمل ضيفاً قادماً أو مغادراً إلاّ كتب عنه شيئاً يحفظ له فيه قدره ودرجة وفاقه معه.

كتب عن الوطن وله، فابتدأ قصيدته بتاريخه الذي يفخر به: -

آن للتاريخ أن يسمو على

مسكتات الرّفض والكيف الدّفين

آن للتاريخ أن يمشي على

خيمة يختال مرفوع الجبين

آن للتاريخ أن يطوي المدى

وصفوف القانعين الخاملين

كتب عن أبها الماضي، وعن أبها الحاضر، عن الطفولة، وعبق الذكرى، كتب عن المستقبل والشّباب، والمدينة، كتب عن القرية والنّاس، كتب: -

سلوا مداميكها ما سرّ فتنتها

وماالذي كان عمداً خافياً فيها

سلوا الدروب الْتوت في كلّ منعطف

حكاية أو حوارا غاب راويها

سلوا الأصالة في أغلى منابتها

هذي لعمري تُميل المنتمي فيها

وكتب عن (أمّ القرى) فاستحضر الحياة بروحانيّة المكان، وسلوة الخاطر، كتب عن المكان وكيف يتيه فيه برغم حبّه له، وكتب عن النّور والضياء، كتب عن مساء اتها التي تنسيه غربته، كتب:-

كم تعبرين في الصلاة خاطري

وتشهيك في المكان كل بيت

وأجتليك في الجنان والنهى

وقد رأيت من سناك ما رأيت

فتشت في مشاعري فكنت في

أفكارها سمعاً لها وصوت

وكم أراك في مساء غربتي

إشراقة تضيء لي مهما نأيت

وكتب عن (الطائف) المأنوس، عن معانيها ومغانيها، فتنتها وسحر طبيعتها، كتب عن هواها الذي شفّه، وعن مكانها الذي أسره، كتب: -

في كلّ مساء أبصرها

وتلوح بذاكرتي تيهاً

إنّ الآمال إذا وقفت

للحب تدوم مراميها

والفكر النيّر لايبلى

وجمال الروح يجليها

كتب عن (نجران) الماضي والحاضر، عن اللسان العربيّ الذي الناطق بلغته، كتب عن تاريخها مع الإسلام، استحضر كلّ الأحداث حتّى استقرّ إلى حاضرها، كتب: -

نجران وامتدت لذكرك خطرة

تطوي القرون وتقتفي من باتوا

من منتدى ( قس بن ساعدة ) الذي

ما فاقه في الناطقين لسان

أو من مغازي ( مذحجٍ ) في صبوة

التاريخ حين استوزرت كهلان

حتى استقرّ الدين في أرياضه

ثمّ اعتلت من حوله الأركان

كتب عن (القصيم) الوطن، والمكان، والذكرى والانتماء، كتب عن العشق والجمال والربوع العليلة كتب عن المكان نخيله ومائه ومغانيه التي بقيت تُذكّر به، كتب: -

يا بلادي وأنت حبر شراييني

وأنت عين عين دليلي

يا بلادي وأنت ماء انتمائي

واحتمائي ومدرجي ومقيلي

أنت للعاشق العليل حديثا

يكشف الخبء من جمال الجميل

حدثيني عن الربوع مليا

وامنحيني بطاقة للدخول

حدثيني عن (الجوا) والمغاني

من بقايا صروحها والطلول

حدثيني عن (الطراد) وماء

في بني عبس جرّ حلق القتيل

حدثيني عن الرمال طويلاً

واكتبيني على جريد النخيل

كتب دون أن يفكّر يوماً أنّه العاشق الذي رحل قبل أن يعلم أنّنا نأتي اليوم، كي نكتب فيه وعنه، ونقف على حبره بعيداً عن الجسد الذي غاب عن دنيانا التي أحبّها مكاناً وإنساناً،نعم رحل (علي آل عمر عسيري) بعد أن كتب كلّ شيء، ولكلّ شيء وبقيت كتابته ماثلة أمام قرّائه الذين أرجو ألاّ ينسوا يوماً ما أنّه كتب عنهم وكتب لهم!.

رحمه الله وأسكنه فسيح الجنان فقد كان حفيّاً بذاته، حفيّاً بشعره، حفيّاً بمن يحبّ.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة