أن يترك رحيلك يا أبا عبدالرحمن لنا الحزن نتقاسمه فقد تركت لنا قيم الرجال والحرف المشتعل في عتمة الزمن القادم. فها هي فجأة الرحيل تصلب كل الحروف على شفاهنا في لحظة الخبر المفجع الذي لا حول لنا ولا قوة حياله إلاّ قولنا {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ} فالله شاء وما شاء فعل.
رحلت أيّها الشهم الكريم في موسم حصاد السنابل بعدما بذرت الأروع منها وسقيتها رؤاك وأفكارك وأطروحاتك كوسطيتك المعهودة وكاتزان فكرك وعقلانية مفرداتك.. بل كان بحجم هذا الوطن الذي أحببته وأحبك ووهبته عصارة فكرك ومحابرك والقلم..
رحلت وبقيت قصائدك تعزف على أوتار قلوبنا أنغام الحبّ الخالد لهذه الأرض الطاهرة وأهلها.. يرددها كلُّ المحبين وحُداة الفكر والكلمة.. يرددها المستهام بمحبوبته نشيداً عذباً والمحب لوطنه والمخلص لدينه وعقيدته..
وها هي شُعَلُ الحبّ والوفاء تتقد من خلالها لتؤكد لنا أنّ قلبك ومشاعرك الفيّاضة وقيمك النبيلة حيّة لم تمت، تسكن ذواتنا حتى وإن غاب وجهك الحنطي أيّها القروي الجميل.. لا يزال صدى صوتك الجهوري من على منابر الكلمة عالق بالأماكن يلامس مسامعنا وها هي أوجاعك وأفراحك وآلامك على أمتك حيّة تذكي عزائم الرجال وترسم أنموذجاً إنسانياً راقياً للابن البار المستنبت من تربة هذه الأرض.
عرفتك يا أبا عبدالرحمن مربيّاً فاضلاً وأستاذاً قادراً وجاراً محبّاً لجيرانه.. وتتلمذت على وهج قصائدك الغاضبة في حين أحتسي كؤوس الحب والوفاء من قصائدك الناعمة واقف كثيراً أمام قصائدك الواقفة في زمنٍ كانت تتقاذفنا مدارس الفكر في كل اتجاه في مراحل العمر الأولى.
ألم أغن معك ذات مساء أغاني الوطن إذ كنت أجلس إلى يمينك حينما جمع منبر الأدب بين الأستاذ وتلميذه.
ألم تقل لي أيّها الكبير (قل يا علي ما تقتنع به.. وما لا يغضب ربك.. فرضا الناس غاية لا تدرك)..
ألست القائل لي (اكتب.. ثم اكتب.. ثم اكتب ولكن تذكر أن عليك رقيباً وتذكر أن حرفك باقٍ وأنك ستزول)
يا له من درس كفاني الكثير من نزقي وشقوتي ولهيب حروف صبابتي..
لقد آمنت به في حينه وزاد إيماني عند رحيلك أيّها العلم.. فهذه حروفك ومفرداتك وسامي معانيك بيننا كشمس ضحى..
لك الله يا سيدي... كم أسكن موتك الحزن في أعماقنا والدمع في أحداقنا.. فها قلوبنا تقطر أسىً ومفرداتنا تتشظى على لهب الحسرة وألم الفراق..
حتى نبوح قائلين
الراحلون
الراحلون
ولم نشأ
شاء الإله
وما شاء يكونُ