Culture Magazine Monday  09/07/2007 G Issue 206
نصوص
الأثنين 24 ,جمادى الثانية 1428   العدد  206
 
في شعرية تستميل الوجد الهائم في (الرقيات)
(علي با فقيه) يؤسس عالمه الشعري بأشواق أنثوية فاتنة
عبدالحفيظ الشمري

 

 

الشاعر علي بافقيه يؤذن بفاتحة أولى للشعر الفاتن.. حينما يصف للقارئ الحميم رحلة العشق للأرض التي يحن إليها دائماً، لكن هذا الحنين يصبح أحياناً أسطورياً في ديوانه الجديد (رقيات).

تؤسس القصيدة الأولى (نون النخلة) بعداً تحذيرياً لرحلة الشاعر مع الحياة.. حيث يهجس الشارع برغبة دافئة في السلام مع من حوله من خلائق وأمكنه، فالنخلة رمز لأنثوية تسترعي الاهتمام دائماً تصبح على نحو القصيدة الفاتحة.. فلا أروع من أن تتحول كل النساء إلى رقيات يجتلبن الهوى، وينخن ركاب الشوق على حماد مخضل بأعشاب موسمية.

(سلام عليهن.. فدائيهن الأمين

وصاحبهن، وإنسانهن،

ومقتولهن..

يسرن فأغضي لهن

وأحني الجبين لهن..

وأرفع رأسي بهن..

الشاعر بافقيه يدرك دائماً أن القصيدة ميلاد حقيقي لموقف إنساني معبرعن دهشته بالجمال على نحو لوحته الشعرية الثانية في الديوان (مجنونك يا رقية) حيث يرسم لنا مقدار افتتانه بالحياة والجمال لنراه وقد أخذ بتلوين خطوط الحياة على نحو عميق، وابتكر مفردة الجمال على نحو هجس الطريق:

(يسير في عباءة

وطرحة

غصن من العقيق).

فالعباءة هنا ورغم سواها، وسدول حجبها إلا أنها أضحت في هذه الصورة إضافة جمالية على مظهر السيدة التي يتودد الطريق إليها، وكأنها مقاربة لمقولة: (يا أرض احفظي ما عليك).

يقتضب الشاعر في كلماته، ويدون لنا أبرز منعطفات العلاقة بين الشاعر والقصيدة، حينما تكون ريشة يمررها على لوحة لم تكتمل عناصرها بعد حتى وإن احتفت بحضور المرأة وأسقط الراوي لحكاية الأرض والنخل على حالات أخرى. فالهيام في الجمال هو الأقوى حضوراً في تجربة القصائد حيث تدهشك قدرة الشاعر علي با فقيه على اقتفاء حساسية هذا الخطاب الغزلي المفعم بوهج عاطفة لا تنضب، فبين الأرض والجبال والماء يمكن لنا أن نلتقط محاسن الأنثى التي تشغل الشاعر كثيراً. الاقتضاب هو سيد الموقف حيث يتجسد في قصيدة (سابعة) ليبرع في رسم هذه الصورة الاستفهامية عن مآل الحلم حينما يكون أقرب إلى الوهم.

في القصائد أبعاد أخرى لرحلة الشاعر المتأملة للحياة فأبعاده هنا خليط بين وصف للبداوة، وجحيم الوحدة، وتيه الجهات جميعها، فالشاعر يحاول جاهداً أن يتلمس أي ملمح جمالي في هذه الأيام الملفعة بصمتها، وألمها.. تلك التي تتلقى الجراحات تلو الأخرى، إلا أن المدن تظل هي المنغص البارز في علاقات الشاعر بما حوله من حيوات مختلفة، إلا أن يجهد في استرداد ذاته من تلك المنغصات ليصل حكايته إلى لون من ألوان الأمل والفأل على نحو ما اختطه لحلمه الشفيف:

(في محارتها تبرق

مثل غيوم على مهل تتحرك

فتضيء الحقول البعيدة

تضيء شظاياي

تحرك حبري

في محارتها تتحرك..)

فالوعد الجميل قد يكون هو المعادل الواضح في ثنائية الحياة التي تجالد في بقائها حول الشاعر، ليظل الجمال هو المقياس الذي يقيم فيه علاقته مع ما حوله.

فمن السهل أن تتعرف إلى أبعاد ما يرومه (بافقيه) إذ هو معني دائماً بصور الجمال بين الغيوم والمطرح، والمرأة والنخلة وبين البحر والمحارة، وبين القلب والحب، والماء والنبع والطين والأرض، وما إلى تلك المتقابلات اللفظية التي تثري قصائد الديوان على نحو جميل، كما أن الشاعر لا يتخلى دائماً عن مزاوجة ألمه بما هو قائم من أمل ليعنى بتفاصيل هذه الحياة المعاندة كمتاهة لا يقوى على مبارحتها.

يلي ديوان (الرقيات) ديوان آخر يسمه الشاعر بجلال الأشجار، وقد سبق للشاعر أن أصدره قبل أكثر من عشرة أعوام، إلا أنه جاء معادلا ضمنيا للديوان الجديد ليكون الحكم على الشاعر وقصائده أقرب إلى الواقع.. فالشاعر علي بافقيه مبدع بهما، وما لم يدركه في الديوان الأول تجلى به في ديوان (رقيات) فهو الشاعر الذي يعنى بألق الحياة الجميل.. وذلك الذي يقاوم القسوة والقبح.. فلله در بافقيه حينما يقاوم سطوة المثبطات بفأل عفي.

***

إشارة:

* (رقيات) وجلال الأشجار علي بافقيه

* النادي الأدبي بالرياض والمركز الثقافي العربي 2007م

* الديوانان يقعان في (206 صفحات) من القطع العادي

لإبداء الرأي حول هذه المطالعة، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«5217» ثم أرسلها إلى الكود 82244

hrbda2000@hotmail.com


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة