الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 9th August,2004 العدد : 71

الأثنين 23 ,جمادى الثانية 1425

الوساطة بين الغذامي وخصومه

* عيد بن فرحان العنزي
تقرر في ذهني استقراء عند رؤيتي اثارة في الأوساط الأدبية والثقافية؛ فمعناه صدور مؤلََّف لمالئ أوساط الثقافة العربية وشاغل الناس مخاتل النسق ومشاغبه، المفكر والناقد السعودي الدكتور عبدالله الغذامي، وأود أن أقف موقف الحياد تجاه طرح الغذامي بين موافق ومخالف إذ اشتد الجدل كعادته بعد صدور كتاب للغذامي في الأوساط الأدبية والثقافية وهو ما يعتبره الدكتور أنه لامس وأوجع النسق وهذا بظنه علامة ايجابية فالذي يقبل بسرعة ينسى بسرعة على حد تعبيره.
كما لا يفوتني أن أؤكد على قضية الحياد بوصفها علامة غائبة عند الكثير ممن يطرق مثل هذا الموضوع, وأنا في مناقشة قضية كهذه لست بمنأى عن الحضور النسقي الذي لم ينفك عنه مفكر عالمي كميشيل فوكو.
ما سبق هو تمهيد واعتذار عن الوقوع في الحمى النسقي الذي يجعل مناقشة الموضوع لا تستند إلى الحقائق والبحث العلمي وذلك للحكم على ما يطرحه الغذامي وخصومه من وجهة نظر شخصية. وفي البداية لا بد من التعرف على الخصوم فمن هم الخصوم ؟ ولا سبيل إلى إجابة هذا السؤال إلا من خلال وجهة نظر الغذامي؛ لأن الكلام يدور حوله وحول كتبه ؛ فقد اعتبرَ اكثر الذين يفرضون أنفسهم كخصوم له بأنه للتهويل الغوغائي والتشويه المتعمد أقرب من الخلفية العلمية والبحثية وبهذا تنتفي عنهم صفة الخصومة ، وإنما طرحهم على رأي الغذامي أن كل واحد منهم يقدم نفسه وكأنه الناهض في وجه الحداثة ومعبد قصبات السبق في هذا المجال.. لم يطلق المفكر الناقد صفة الخصومة في كتابه الذي نحن بصدد مناقشته إلا على اثنين هما: الشيباني بقوله: (كان صديقا وخصما في آن واحد ) وأحمد فرح عقيلان بقوله: (ولقد كانت علاقتنا على غاية التطرف في الحب والخصام) أما الخصم الأول كما يروي الدكتور فقد أحجم عن الندوة وأشار إلى جهل الغوغاء التي تعتمد على التسلسل السماعي كمصدر للمعلومة، وبهذا تكون مصدر إزعاج بل قلق ؛ إذ يرى الشيباني انه لا إشكال بينه والغذامي يصل إلى درجة ما أوصله الغوغاء ولهذا اعتبر الغذامي اللقاء فرصة ذهبية نادرة في إبراز الحداثة بصورتها التي يود إيصالها للناس، وفرصة أخرى في خلق قناة للحوار في قضية تمس الجميع بحيث تتم مناقشتها بإنصاف، لبعدها عن الاعتبارات الأخرى التي تؤثر على الحياد لكونه منهيا ومنئيا عنه في بعض القضايا، وما رفض الناس للحداثة إلا لجهلهم بضابطها الذي يدعو له الغذامي وهو التجديد الواعي ولو أدركوا ذلك لقضي على الجدل القائم ولكن كيف يدرك ذلك من لم يقرأ كتب الغذامي وإنما كلمة شيخه هي الحق المطلق الذي لا يقبل المناقشة ولا المحاورة العلمية. أما الخصم الآخر فهو:احمد فرح عقيلان رحمه الله وفي تعليقي على موقفه أود أن أشير إلى الحكاية اللطيفة التي ذكرها المؤلف عندما قال له: لا أود لك أن تحشر مع رولان بارت.. ومع طرافة هذه الحكاية إلا أنها لا تخلو من دلالة إيحائية لموقف كلا الطرفين؛ فعقيلان يرى الاستفادة من هذه الآخر المختلف هي محبة لهم ولهذا قال: المرء يحشر مع من أحب وبالتالي كان الرد مناغما لهذه الكلمة فطالما وقفنا على جماليات شاعر الصيد الأول ومقيد الأوابد.. فهل يعني هذا الكلام محبته؟ وفي نظري أن هذه الأحكام التي يطلقها من اختلفوا مع الغذامي ومع غيره سواء كانوا أفرادا أو جماعات فمنشؤها من فساد التصور لأمرين هما: الولاء والبراء، والأمر الآخر هو الحب في الله والبغض فيه وهذا ما انتج نظرية حدية لا تقبل المخالف وتضيق به ذرعا، ولا تقبل إلا ما اتفق معها ولو عاطفيا وهذا الأمر أوقعها في خصام مع الجميع وإن كانت هذه المشكلة بحاجة لوقفة ليس هذا مجالها.
ولقد قرأت أغلب أبحاث الغذامي وكتبه بعين نسقية تبحث مظان الكفر والإلحاد ومواطن الزلل فوجدت رجلا يريد أن ينفع أمته ولو من مجال بعيد،يرى لها أن تجاهل المرض لا يشفيه بل يزيده استشراء، ولهذا فوضعها على المحك ومكاشفتها خير من افتعال العداوات والشعور التآمري. التوجس خيفة بادعاء الخصوصية والهوية من الآخر هو ما يكرس جهلها وتخلفها وهل هذه الخصوصية والهوية انمسخت في أزهى العصور العربية حضارة وثقافة عندما ترجمت كتب اليونان وسائر كتب الحضارات الأخرى، حيث كان المجلس الواحد يضم أفذاذ العلماء من شتى الطوائف الدينية والفكرية تجد السني والشيعي والمعتزلي على اختلاف مرجعيتهم لم يمنع من اجتماعهم وتطارحهم الآراء العلمية واستفادتهم من بعضهم دون تبادل التهم. وفي النهاية أود التنبيه إلى انه لا يمكن معالجة أمر كبير كهذا بمجرد مقالة كتبت فيها الأحكام دون المقدمات والتصورات التي بنيت عليها الحكم، إلا انه لا يفوتني أن أبين الشعور الذي انتابني وأنا اقرأ كتاب حكاية الحداثة حيث شعرت بالسيل النسقي الفحولي الذي عالجه الغذامي في النقد الثقافي وعابه على أدونيس ووقع فيه هنا، وظننته انفك عنه فمذ كان رولان بارت فارسا يمتطي صهوة جواده ليفتح النص مرورا بالنقد الثقافي والحكم على مثقفين اسهموا في الثقافة بالرجعية الحداثية إلى هذا الكتاب الذي طغت فيه الفحولة وارتكزت على الذات وبرر الغذامي مسبقا قضية اللاموضوعية لكونه طرفا في الحكاية وهذا الذي لم ينفك عنه كبار المفكرين في العالم كما يقول فوكو في حفرياته (ألست واثقا مما تقول وهل ستغير من جديد مواقفك وتتجنب الأسئلة التي تطرح عليك بدعوى أنها تتضمن اعتراضات لا تتجه حقيقة صوب المكان الذي تنطلق منه؟ هل تتأهب مرة أخرى للقول بأنك لست ما يدعي الآخرون أنك هو؟ انك لتهيئ لنفسك منذ الآن المخرج الذي يساعدك في كتابك القادم على أن تنبجس ثانية في موضع آخر مزدريا كما هو شأنك الآن ومجيبا باحتقار: لا لست في الم! كان الذي ترصدونني فيه وتترقبونني فيه، بل أوجد هنا حيث أنظر إليكم ساخرا ماذا. أتعتقدون أني سأشرع في كتابة كل الأتراح والأفراح أتظنون أنني سأصر على ذلك مطأطئ الرأس، إذا لم أسارع لأخط بيد محمومة المتاهة التي أخاطر فيها بنفسي وأغير وجه ما أقوله، وأفتح له خلفيات غامضة وادفع به بعيدا عن ذاته؛ لأعثر على استشرافات تلخص مساره وتحرفه متاهة أضيع فيها لأظهر في نهاية المطاف لأعين لن أقابلها مرة أخرى، إن أكثر من واحد هم مثلي يكتبون بلا شك كي لا يكون لهم وجه واحد بعينه فلا تطلبوا مني أنا ولا تأمروني أن أظل أنا هو باستمرار فتلك أخلاق الحالة المدنية وهي أخلاق تحكم أوراقنا وبطاقاتنا الإدارية فلتتركنا وشأننا أحرارا حينما يتعلق الأمر بالكتابة.
الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
قضايا
تشكيل
كتب
مسرح
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
اوراق
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved