الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 09th October,2006 العدد : 174

الأثنين 17 ,رمضان 1427

هذا المفتون بالسرد
معجب الزهراني

الكتابة عن الدكتور محمد صالح الشنطي لن تكون ذات قيمة ما لم تشكل تمهيداً لندوة جادة تخصص لمنجزاته النقدية المتصلة على مدى حوالي ربع قرن. حينما أبدأ هكذا فأنا على يقين من أمرين، الأول منهما أن كتابات الشنطي النقدية مثلت منذ نهاية السبعينيات تدشيناً قوياً للسردية الحديثة في خطابنا النقدي الذي لم يكن قد تفتح بعد على شيء يذكر من المفاهيم والمصطلحات الحديثة في هذا المجال الجديد.
الأمر الثاني أن هذه الكتابات لعبت دوراً أساسياً في توجيه بعض الكتاب الشباب حينها نحو تملك المزيد من الشروط الجمالية لكتابة كانت تغامر باتجاه الحداثة من دون رصيد معرفي وفكري يذكر.
هذه إذن ريادة مزدوجة لم تنل ما تستحقه من الحوار. تسجيل هذه الواقعة ليس مجرد شهادة مستحقة إذن. إنه شكل من أشكال الدعوة إلى المزيد من الحوار مع جهود فعالة أصبحت جزءاً من ذاكرتنا الثقافية. ومما يزيد من وجاهة القول إن ضجيج الجدل الصاخب حول الشعر وحداثته الجزئية أسهم بقسط وافر في تهميش تلك الجهود، بل وفي إخراجها من سياقها الأكثر حميمية.
نعم لقد ظل الشنطي على مسافة كبيرة من ساحة المعركة. ظل هكذا كي لا يتورط فيما يخرجه عن دائرة العمل المعرفي الجاد الهادئ. ثم إن وضعية الناقد المعلم المتعاقد لم تكن تسمح له باتخاذ المواقف الحدية الواضحة في سياقات مليئة بغبار التربص ونزعات الإقصاء.
الآن لا شك في أن الوضعيات العامة للخطاب الثقافي في مجمله قد تغيرت، وهناك فرص متنوعة لمراجعة الكثير من المنتجات لإبراز قيمتها الحقيقية ضمن شروطها المحلية والعربية والكونية.
من هذا المنطلق أزعم أن الفحص الدقيق لكتابات قد يوقفنا على محصول غني يمكن أن يضاهي قيمة ووظيفة محصول الشعرية التي مثلت رهانات النقد الجديد خلال عقد الثمانينيات. فمما يحمد لهذا الباحث جدية المتابعة وغزارة الانتاج وتنويع المقتربات والابتعاد عن نزعة السجال وتركيز الجهد الأساسي على فنون القص الحديث في المقام الأول.
أما العلاقات الحميمة مع الوسط الثقافي فالمؤكد أنها وفرت له فرصة مثلى لاستكشاف العديد من الطاقات ومتابعة جهودها إلى أن برزت وتكرست كرموز خلاقة. ولكي أعطي مثالاً محدداً على ذالك أشير إلى أن التجربة الإبداعية المتميزة لعبد العزيز مشري لم تكن لتصل إلى ما وصلت إليه من دون الرعاية النبيلة لعلي الدميني من جهة والمتابعة الصارمة المتفهمة المتعاطفة للشنطي من جهة أخرى. فالإصدار القصصي الأول للكاتب (موت على الماء) جاء مرتبكاً موزعاً بين إغواء النزعة الوجودية في الفكر والسوريالية في الفن. والشنطي والدميني هما من ساعد الكاتب على توجيه طاقاته الخلاقة للتجريب غير بعيد عن فضاءات الحياة وعوالمها الغنية التي تطل من الذاكرة لتنفتح على كل هموم الإنسان وأحلامه وطموحاته ككائن اجتماعي في المقام الأول.
وبصيغة أكثر وضوحاً أقول إن الشنطي لعب دوراً مهماً جداً في بلورة الأفق الفكري والجمالي لهذه النزعة الواقعية التي تهيمن على كل كتابات المشري وتكسبها قيمتها الفريدة. ماذا يمكن أن يقال عن التأثيرات التي تركها الناقد على كتاب ونقاد آخرين؟.
هذا سؤال كبير يفترض أن تجيب عنه دراسات متنوعة تنتظم في إطار ندوة متخصصة نرجو أن يبادر أحد الأندية الأدبية إليها في أقرب فرصة ممكنة. ثم إن السؤال ذاته يمكن، بل لا بد، أن ينفتح على القيمة المعرفية لجهود الناقد في ذاتها قبل وبعد كل قيمة وظيفية. فهو ممن انشغل دائماً بالسرديات الإبداعية والنقدية وكتب عن أعمال قصصية وروائية عربية كثيرة كتابة الباحث المحترف والمحب المفتون بالنص والمعلم الحريص كل الحرص على تنمية وعي النتلقي وصقل ذائقته.
كما إن محاضراته الكثيرة ومشاركاته المتصلة في الندوات والمؤتمرات العامة والمتخصصة بالمملكة تجعله واحداً من رموز المشهد الثقافي والفاعلين فيه ولا أظن أحداً من الزملاء الآخرين ينافسه على هذه المكانة في العقود الثلاثة الأخيرة. بعد هذا كله وبناء عليه تظل كل كتابة عن هذا الباحث الجاد والإنسان الخلوق ناقصة ما لم تمهد للحوار مع مجمل أعماله في إطار أكثر شمولية واتساعاً. ولو سمحت لنفسي بالذهاب بعيداً في الأمل لرشحت النادي الأدبي في المنطقة الشرقية لتلك الندوة التي يستحقها الشنطي ونحن جميعاً في أمس الحاجة إليها حتى لا يغيب عنا شخصاً ونصاً.. ولن يغيب هكذا.
الصفحة الرئيسة
فضاءات
حوار
تشكيل
مسرح
الملف
الثالثة
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved