الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 09th October,2006 العدد : 174

الأثنين 17 ,رمضان 1427

النظر النقدي عند الدكتور الشنطي
د.محيي الدين محسب *
لقد كان من الطبيعي مع غزارة الإنتاج القصصي في ساحتنا الأدبية أن تظهر محاولات من النقد التطبيقي الذي يُتَابع بالتحليل والكشف تلك النماذج القصصية في بناها الفني أو قضاياها الرؤيوية. وفيما يلي سنحاول رصد الملامح المنهجية التي اتكأت عليها اثنتان فقط من تلك الدراسات النقدية:
1 كتاب (متابعات أدبية) للدكتور محمد صالح الشنطي سنة 1402هـ (الجزء الخاص بالقصة القصيرة).
2 دراسة (البناء الفني في القصة السعودية المعاصرة، للدكتور نصر عباس سنة 1403هـ.
وبدءاً يلاحظ أن ثمة ما يبرر الجمع بين هاتين الدراستين على صعيد عرض واحد، وهو ما نوجزه في الملمحين الآتيين:
1 أنهما متعاصرتان تقريباً، ومن ثم فإن محموعة القاصين والقاصات التي يعرضان لها بالتحليل متماثلة. ففي الدراستين تواجهنا أسماء محمد علوان وجبير المليحان وسباعي عثمان وعبدالعزيز مشري والصقعبي ورقية الشبيب وقماشة السيف.. وغيرهم (هذه عشوائية لا تحمل أية صفة انتقائية).
2 أنهما تنطلقان من منهج تحليلي يحاول الاتكاء على النص في استنباط المقولات التفسيرية أو التأويلية، مع ربط العمل الإبداعي، بما يعكسه من دلالة على ذات المبدع أو على واقعه الخارجي. وعلى الرغم من ذلك فإن ثمة فارقاً كبيراً عند تطبيق هذا الهدف المعلن.
أولاً: متابعات أدبية: النظر النقدي لدى الدكتور الشنطي يرتكز على حقيقة منهجية كثيراً ما نراه يؤيد عليها وهي أن عملية إقامة بناء نقدي إنما هي إحاطة حقيقية بكل ما تتضمنه فكرة (البناء) من عناصر مجتمعة ومتفاعلة ولذلك فإنه في هذا ادعاء الشمول، من هنا نستطيع أن نلمس بوضوح (تلك التكاملية) الواعية التي تأخذ في الاعتبار النقدي كل الأطراف المشاركة في صنع الحدث الأدبي سواء على مستوى (الدافع) أو (الإطار المرجعي) بروافدهما النفسية أو الاجتماعية أو التاريخية، أو على مستوى (الاستجابة) الماثلة في الحضور النصي المتحقق بخصوصياته الفنية النوعية أو على مستوى (تقويم الدلالة) المنبثقة من مجال الجدل القائم بين الدافع والاستجابة وبين إطار الرؤية في لحظتها التاريخية المعينة وما يحمله (النص) من تجاوز واستشراف أو من نكوص وردّة.
وعلى الرغم من بروز هذا العنصر التقويمي، إلا أن الناقد لا يصدر فيه عن معيارية أخلاقيه جامدة قوانينها المسبقة، بل إنه ينطلق من النص أولاً بقصد تلك القوانين ذاتها التي تجدل مسار تلك العلاقات وهذه الظواهر ومدى ملامستها لتوجه رؤيوي متحرك إلى غاية الصعود الفاعل على أرض الواقع في مرحلته التاريخية بكل ما تفرضه من مقتضيات.
وحتى لا نظل طويلاً في إطار هذا الوصف العمومي فإننا نقف عند آراء الدكتور الشنطي في قضية نقدية معينة وهي قضية (اللغة الأدبية) واحسب أنها تجلي قدراً كبيراً من المرتكز الفكري الذي يتبناه.
إن المتابع لجهود (الشنطي) النقدية يلاحظ بوضوح اهتمامه البالغ بفعاليات البنية اللغوية التي تتكئ عليها النصوص، ومن ثم فهو يحاول دائماً أن يكشف أبعاد التجسيد اللغوي للرؤية بمنظوريها: الفني والفكري. غير أن هذا الاستكشاف لا يعني قراءة النص باعتباره (عملاً مغلقاً) بالمفهوم الذي دعا إليه ريتشاردز وأصحابه (النقد الجديد)، إنه ليس إلا عنصر ضروري كضرورة عناصر أخرى ينبني عليها المنهج النقدي.
ومما يهمنا الإشارة إليه هنا رؤيته للعلاقة بين اللغة الأدبية وقضية الحداثة ونستطيع أن نلمس شيئاً من ذلك عند حديثه عن لغة القاص (عبدالعزيز مشري) في مجموعته (موت على الماء)، وفيه يذكر أن انتماء القاص إلى الحداثة يجعل (من الطبيعي أن تتسم لغته بتموجات خاصة تنثال على نحو ينسجم مع نهجه التشكيلي التركيزي) ومع ذلك فإننا لا نعدم إشارات كثيرة تومئ إلى رفض الناقد (للبعث اللغوي) حيث تصبح اللغة مجرد هدف في ذاتها لاستعراض تشكيلات سريالية مُغرقة في ضبابيتها، أو عند ما تتحول إلى (متون مكثفة تنوء بأوزار دلالاتها المحتشدة).
ولكن رفض العبث اللغوي لا يعني الحجر على الكاتب في أن يعيد ترتيب العلاقات اللغوية على نحو بنائي جديد ومتماسك لأنه يريد أن يوحي بمدلول معين، ولكن هذا الرفض يعني أنه ليس من حقه أي الكاتب على الإطلاق أن يعبث بسياقها التاريخي المعقد دون مبرر، كما يقول في تحليله لقصة الكاتبة (رقية الشبيب): (ذلك الذي يفقد ظله).
ولا شك أن مسألة (اللغة) اتصال وثيق بالرؤية الفكرية التي يتبناها الناقد، فالقضية هي في صلة طبيعة الاستخدام اللغوي بمحورين بالغي الاهتمام وهما (طبيعة الأدب) ثم (مهمة الأدب). طبيعة الأدب باعتبار أن هذا التشكل اللغوي هو في نهاية الأمر رسالة ذات دلالة تحقق ذاتها بفك الطرف المستقبل لشفرتها وبما تثيره فيه من نزوع ما.
ومن الواضح أن الأستاذ الناقد يرى ضرورة وجود (تكاملية) عضوية بين الطبيعة والمهمة، وذلك من منظور وعي تاريخي يؤمن بدور المبدع في تشكيل الإطار الحضاري المحيط به.
وبعد هذه العجالة السريعة عما أرى أنه يمثل عناصر أساسية في المنهج النقدي لدى الدكتور الشنطي فإنني أقدم عرضاً سريعاً لمحتويات الجزء الخاص بالقصة القصيرة من كتابه، وهو عبارة عن ستة فصول تتابع على النحو التالي: قراءة تمهيديه في القصة السعودية القصيرة: ولا أدري لماذا وضع الدكتور الشنطي هذا العنوان الفضفاض الذي لا يتناسب مع حذره العلمي المعروف فهذا الفصل لا يعرض بالتحليل إلا لثلاث مجموعات قصصية هي (الرحيل) لحسين علي حسين، و(موت على الماء) لعبد العزيز مشري، و(الخبز والصمت) لمحمد علوان. ولا أعتقد أن تبريره بتباين هذه المجموعات في اتجاهاتها الفنية، وعدم التزام بعضها بالقواعد التقليدية للبناء الفني يجعل من دراستها دارسة للقصة السعودية القصيرة.
وعلى أية حال فإن الدكتور الشنطي يبدأ تحليله النقدي في هذا الفصل بملاحظة الطبيعة النوعية (للتكنيك) الذي انتهجه كل كاتب من الكتّاب الثلاثة، ومن ثم يفرق بين رؤاهم الفنية بقوله: ففي الوقت الذي يوغل فيه (حسين علي حسين) في رصد فاجع لحركة الزمن وإيقاعه الصاخب على جدران المدينة مبرزاً وجهاً من وجوه الإشكال الحضاري عن طريق الغوص في عمق الإحباط الاجتماعي المهزوم تحت سنابك الزمن لدى إبطاله: فإن (عبدالعزيز مشري) يركز على عناصر التشكيل في صياغاته للعوالم الداخلية في لوحات موغلة في ضباب الحلم والرمز.
أما (محمد علوان فهو يقترب من جوهر المشكلة الحضارية والإنسانية حين يلجأ إلى ترميز الواقع وإقامة التوازن بين الحركة الداخلية والخارجية والتأكيد على روح الحوار بين العناصر الفنية التي يصوغ منها رؤية للحياة والوجود وحين تضيق به مساحة الواقع فإنه يلجأ إلى بناء عالمه الخاص المفعم بالرمز والإيحاء).
مع سباعي عثمان في مجموعته القصصية (الصمت والجدران).
وفي هذا الفصل يلتقط الناقد العناصر المكونة للبناء الفني والرؤيوي في مجموعة القاص فنجد أن (المرأة الأنثى وليس الرمز هي المحور الذي تدور حوله قصص المجموعة، ولعل ذلك مما يدخل (الشخصية) في العمل القصصي في إطار (النمذجة) الخاضعة لمنظور فكري نمطي ومما يؤازر هذه النمطية في نموذج المرأة نمطية أخرى في نموذج الرجل، فهو (الرجل المأزوم التائه عبر الموانئ والمطارات وفي محطات السكك الحديدية يجتر ذكرياته ويدور في داخله عالم مضطرب ينوء بأثقال أزمته الموغلة في ذاتيتها).
الصفحة الرئيسة
فضاءات
حوار
تشكيل
مسرح
الملف
الثالثة
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved