الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 09th October,2006 العدد : 174

الأثنين 17 ,رمضان 1427

كيف تقرأ النخب المثقفة التحولات المجتمعية «3-6»
النخب السعودية والتحولات
طالبت بغربلة ما هو ثوابت مما هوممارسات وأعراف

* حوار: عبدالله السمطي:
تتكوكب التحولات التي يشهدها المجتمع السعودي اليوم حول جملة من الآفاق التي يتسنى لها تشكيل نوع من الوعي الجديد بالرؤى والأشياء والأفكار، هذا الوعي الذي يفضي إلى تكوين أنساق جديدة مغايرة على مستوى الإنسان، ومستوى الأفكار، وهو الأمر الذي يعيشه المجتمع السعودي الآن بكل صخبه، وسهوله، ومفازاته.
ثمة تحولات بادية للعيان تفجرت في السنوات الخمس الأخيرة، أسهمت في تحفيز الفكرة على التكوين والانبثاق وتحكيكها عبر الواقع بتنفيذ آلياتها.. لقد أصبح هناك حوار وطني، وهيئة لحقوق الإنسان، ودمج التعليم، وأصبحت قضايا المرأة محل بحث وتجديد، وأعطيت لها بطاقة هوية خاصة، ومساحة أكبر للمشاركة في مؤسسات المجتمع المدني، وجرت انتخابات بلدية، كل هذه التحولات التي جرت في فترة زمنية وجيزة أحدثت حراكا ملحوظا بالمجتمع السعودي.. ترى كيف يقرأ المثقفون هذه التحولات.. في هذه الحلقات آراء متعددة، وقراءات متآلفة ومتخالفة، لكنها تمثل نسيجا رؤيويا للحظة الثقافية والحضارية المتحولة التي يعبرها المجتمع السعودي.
الشاعرة الدكتورة ثريا العريض من الوجوه البارزة في المشهد الثقافي والفكري بالسعودية، تصب آراءها ومتابعاتها الحثيثة للشأن الداخلي صوب طرح الحلول المستنيرة لقضايا المرأة، والقضايا الوطنية بوجه عام، وهي في هذا الحوار تقرأ مسار التحولات التي تشهدها المملكة صوب التطور والنهضة، وترى أن موقع المملكة الاقتصادي والسياسي يحفزها على أن تساير ركب الحضارة العالمي، وهي تطالب هنا بإعادة غربلة ما هو (ثوابت) وما هو(ممارسات) حتى تنجلي الصورة، كما ترى أن الإسلام أعطى للمرأة حقوقا كثيرة لكن هذه الحقوق تراجعت في هذا الزمان.. كيف قرأت العريض هذه التحولات، وكيف كانت آراؤها ؟.. في الحوار يقين السؤال.
* شهدت المملكة في السنوات الأخيرة جملة من التحولات والإصلاحات المدنية..
(الحوار الوطني حقوق الإنسان الانتخابات البلدية مثلا هل انعكست هذه التحولات على ثقافة المجتمع السعودي أم ما زالت في طور التمثل والاستيعاب ؟
هي تحولات واعدة وقادمة لا محالة، وقد اقتنع بها النخبة الواعية والمتخصصون، ولكنها ما زالت في طور التمثل والاستيعاب عند المجموع العام, لأن التغير في التصرفات اليومية المعتادة يتطلب مراجعة المرئيات الذاتية والعامة غربلة ما هوثوابت وما هوممارسات وأعراف اعتدناها ومنحناها قدسية ليست لها أصلا. التغير الجذري ليس سهلا، والتآلف مع تغيير وجهة الانتماء الفكري يتطلب قوة إيمان بالذات الفردية لا تتوفر للجميع بنفس الدرجة وبعضهم بطبيعته يحتاج للتغير الفكري وقتا أطول مما يحتاجه الآخرون الأوسع أفقا.
* هذه التحولات نتجت بشكل مباشر بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 وبشكل سريع.. هل كانت هذه التحولات كامنة بالقوة لدى المجتمع السعودي وكانت تنتظر الفعل أوالحدث لخروجها ؟
لا أوافق على أن التحولات نتجت بشكل مباشر بعد أحداث سبتمبر فالتغير والتطور أوالتدهور سنة الحياة، وإن كان أبطأ في بعض الحالات ولذلك قد يعتاد أفراد مجتمع ما عبر التكرار حتى ما هوضار وغير مقبول في الفطرة السليمة مثل قتل الأبرياء، ثم يأتي حدثٌ ما يقنع المجموع العام أن هناك فعلا حاجة لإعادة النظر في معطيات المجتمع وفرضياته يكون هذا الحدث عاملا محفزا لتسريع التطور الطبيعي، وهذا بالفعل ما حدث في سبتمير 11، لم نكن راضين عما كان يجري خاصة في ساحة التعليم والتوعية، ولكننا لم نكن مستنفرين لكبح جماح الانحراف عن الرؤية السليمة حتى أتت التفجيرات والأعمال الإرهابية خارجيا ثم محلياً ورد الفعل العام فتحت أعيننا على حقائق مريرة لم نكن نحب مواجهتها، الآن كلنا مقتنع بصحة اتخاذ قرار تصحيحي بشأنها.
*شاركت في عدد من اللقاءات الوطنية الحوارية.. ما هي أبرز الأفكار والأسئلة التي خرجت بها من هذه اللقاءات ؟
فعلا شاركت في عشرات المؤتمرات محليا وخارج الوطن، وقد تبلورت رؤيتي وانفعالاتي لما حدث.
أولا أصبحت مقتنعة أن علونبرة الصوت لا تعني حقيقة أنه الصوت الأصح أوالاصدق أوالأوفى للوطن بل هوغالبا صوت يشك صاحبه في قدرته على الإقناع بهدوء. وثانيا أن الصامتين إذا ما جرؤوا على التعبير عن آرائهم المغايرة يستطيعون تغيير وجهة المسار العام للمجتمع المحلي والإنساني ككل من ذلك تغيير النظرة الى الأقليات والمستضعفين. وثالثا أن هناك من يحضر الى الحوارات ليس للاستماع لغيره واستيضاح وجهات النظر بل ليحاول أن يلغي أصوات الآخرين ويظل وحده المتكلم باسمهم يملي عليهم إرادته وهي وصاية غير مقبولة بغض النظر عمن يمارسها، ورابعا أن هناك أفرادا يهمهم جدا أن يعود التوازن الى معادلة الانتماء الى الوطن الواحد، وأن يكون لكل فرد نفس الحقوق وعليه نفس المسؤوليات وأولها مسؤولية احترام الرأي الآخر. هؤلاء عليهم أن يدعموا شعورهم النبيل بصقل مهارة العمل كفريق واحد انتماؤه وولاؤه للوطن.
*على الرغم من أن المجتمع السعودي من أكثر المجتمعات العربية استخداما لوسائل الاتصال، وأكثر المجتمعات العربية تطورا في حركة المال والاقتصاد، ويمتلك آلة إعلامية ضخمة فضائية وصحفية، وأكثر المجتمعات العربية سفرا وترحالا لدول العالم.. لماذا يراد له أن يوصف بأنه مجتمع (محافظ).. هل ترين أن كلمة (محافظ ) تناسب مجتمعا بهذه الصورة أم هي واجهة تراثية لابد منها ؟
ليس هناك مشكلة في مصطلح (محافظ) بحد ذاته فهو مصطلح يشي بالتصرف المحترم غير المشجع للانفلات والإباحية المرفوضة.
المشكلة هي أن هذا المصطلح المحترم أمسى يقصد به أن يكون المجتمع بكل أفراده متزمتا ومقيدا بمسار فئة واحدة تفرض وصايتها على الجميع بادئة بإلغاء شرعية الفروقات الفردية لتبقى هي من يملي المسموح به والممنوع دون أن يكون هناك أي مرجعية رسمية غيرها مهما تطرفت في تفسيراتها ومطالبها.
* ما زالت قضايا المرأة السعودية يتم تداولها بشكل أوبآخر حتى إنها تصبح بمثابة الموضة الإعلامية تظهر في وقت وتختفي في وقت آخر: ما هي بالضبط أبرز القضايا التي تهم المرأة السعودية ؟
برأيي أن ما تعانيه المرأة السعودية هوشيء مما تعانيه المرأة في كل مكان ومجتمع وقضاياها لا تختلف عن قضايا المرأة في أي مكان آخر أيضا. إنما طفت قضاياها إعلاميا لأن السعودية أصبحت في قلب اهتمام العالم اقتصاديا، وموقع صنع القرار الإقليمي سياسيا، فصار كل ما يختص بها من تفاصيل موضوعا جاذبا للتمحيص والبحث والتناول والعرض، ومع هذا لابد ان نعترف أن المجتمعات الأخرى بدأت قبلنا في النظر في معاناة المرأة والتمييز الأسري والمجتمعي، وحتى الرسمي ضد النساء جاعلة إصلاح وضع المرأة من أولويات مشاريع تنمية المجتمع؛ بينما نحن عربيا واسلاميا تراجعنا عن موقعنا المتميز في هذا الصدد. الآن ما زلنا في بدء التصحيح، ويبقى أن يقتنع الجميع أننا نمارس غير ما نعلنه من مبادئ ومثل، وأننا تراجعنا فعليا عما حققه الإسلام في بداياته من حقوق للمرأة أمسى الأفراد في الأسرة والمجتمع يغمطونها إياها. أعتقد أن تأسيس لجان حقوق الإنسان وجمعيات محاربة العنف العائلي المجتمعي والتركيز على توعية المرأة بحقوقها الشرعية والوطنية والإنسانية الحضارية سيكون له تأثير كبير في القضاء على معاناة المرأة والأسرة بصورة عامة.
* في مقالاتك تراوحين بين الشأن الثقافي والفكري من جهة والشأن الوطني من جهة ثانية.. أيهما يؤثر في الآخر ؟ وهل تكتبين بوصفك الأديبة المثقفة (المثالية ) أم بوصفك المواطنة (البراجماتية الواقعية ) ؟
همومي الفردية والوطنية والمجتمعية روافد متكاملة لهمي الشخصي في علاقتي بالمجتمع الذي يحدد علاقتي بالوطن.
لا المثالية وحدها تفي بالمطلوب ولا البراجماتية المجردة هي ما سيطهر المجتمع ويبني الوطن. نحن كمواطنين بشر ولسنا روبوتات ولا ملائكة ولا شياطين، ولذلك فكل جوانب تكويننا تدخل في معادلة معطيات التطوير الاجتماعي والبناء الوطني فتنجحه أوتفشله، وأنا يهمني أن ننجح في البناء الإيجابي والتقدم الى الأمام، واستخدم كل ما لدي من قدرات لأشارك في هذا البناء.
أنا شاعرة ومواطنة مثقفة ومتخصصة تعشق وطنها ويهمها مستقبله بدءا بماضيه المجيد ثم مرورا بموقعه المتراجع عن مواكبة التقدم العالمي في الحاضر فهو ما يحدد مستقبل أولادي، ولكي يكون مستقبلهم ما أحلم به لهم وما أومن أنهم يستحقونه أمنا وأمانا ورخاء واستقرارا وتحقيقا للطموحات أكتب منفعلة بكل ما أحس به، وما أؤمن به، وما أتمناه وما أراه مطلوبا لخير أبناء هذا الوطن الذي هوظل الجميع، وقد يأتي تعبيري شاعريا أوبحثيا مهنيا أواقتراحات متخصصة في شأن ما يتطلب القرار الفعال.
* شاركت في عدد من المؤتمرات الدولية التي تستهدف قراءة الإصلاحات والتحولات بالمجتمعات العربية ومجتمعات العالم الثالث، كيف كان حضور الثقافة السعودية والعربية من وجهة نظر الآخر في هذه المؤتمرات، وما هوالمطلوب دائما من المجتمعات العربية ؟
أجل شاركت ونخبة من الزملاء والزميلات في عشرات الملتقيات والحوارات العالمية الهامة.
حضورنا والصورة التي نظهر بها ونوصلها للآخرين كانت وما زالت تعتمد على ثقافة الأفراد المشاركين منا الذين يحضرون ويقدمون إجاباتهم لأسئلة المهتمين. الحقيقة أننا التزمنا الصدق في العرض وتفسير ما يحدث من وجهة نظرنا ليرى الآخرون كيف نفكر، وماذا نفعل كمجتمع ولماذا. لم نكن نسخا من بعضنا بل كنا نختلف في بعض آرائنا، وهذا طبعا هو ما يجب أن نكون عليه لنكون صادقين مع أنفسنا كأفراد، ولنكون صادقين في تمثيل المجتمع حيث هومجتمع يثري نسيجه تعدد المكونات والروافد فهوتعددي توجد فيه توجهات مختلفة ومشتركات عامة بالإضافة إلى الثوابت التي نجلها ولا نرغب في تغييرها.
أما كيف رأونا قبل حضورنا فلم يكن هناك اتفاق في الرؤية. من كان يعرفنا لأنه زارنا أوعمل في منطقتنا أوتعامل معنا كان أكثر وعيا بنا، ولكن كانت الصورة في الغالب صورة لمجتمع يؤطره التخلف والانغلاق عن الآخر حتى ذاك الذي يعمل في بلدنا لسنوات طويلة أرى أن حضورنا الملتقيات بقصد إتاحة الفرصة للآخر للتعرف على كيف نفكر غيّر من هذا التعميم ووضح للكثيرين أنها صورة تعميمية مسطحة, وأننا مجتمع طبيعي بكل معايير بشريته وإنسانيته له طموحات المجتمعات الأخرى ورغباتها في الاستقرار والأمن والتعايش والرخاء.
*المجتمع السعودي له هويته وثقافته المثالية المحافظة كما يبدو، وكما يراد له أن يكون.. فلماذا توجد دائما أزمة ثقة في انفتاحه واختلاطه ؟
أظن أنها حالة حادة من تضخم التوجس المشروع أمام التغير المجتمعي السريع في منطقة صحراوية ظلت لقرون عديدة لا تعرف إلا التغير البطيء، ثم جاءنا سيل متسارع من ضغوط التغير:
انتشار التعليم العام والرخاء المادي ودخول فئات الوافدين للعمل من مجتمعات تحمل مثلا تختلف عنا، كذلك عضوية العالم الصناعي والعولمة وتقنية الاتصالات السريعة والمباشرة والانفتاح على وسائل الإعلام المرئية التي تفتح لنا النوافذ على عالم الآخر.
ثم هناك جانب آخر للقضية يأتي كحالة نفسية يجب أن نتفهمها من حيث تخوف بعضنا من عدم القدرة على التحكم في رغبات النفس أمام مغريات الانفتاح، ولأن كل يرى الآخرين بعين نفسه فيحكم عليهم بعدم القدرة على التمسك بالقيم، ويرى الحل في إغلاق مداخل احتمالات الخطأ لكيلا يقع في المحظور، أنا بالعكس لا أشك أن المجتمع السعودي قادر على التعامل مع الانفتاح ووضع ضوابطه الذاتية دون حاجة إلى من يمسك العصا ليتأكد من عدم ارتكاب الآخرين للخطيئة والمعاصي.
* بوصفك مثقفة كيف تنظرين إلى مستقبل الحياة السعودية والمجتمع السعودي في ظل التحولات المدنية الجارية حاليا ؟
كلي تفاؤل بأن ما يحدث هوما يجب أن يحدث حيث نعود الى التوازن الحميد لا إفراط ولا تفريط، وما يشجعني على التفاؤل هومعرفتي شخصيا بأن مليكنا وقياداتنا مصرة على دعم خطوات الإصلاح وتثبيت بوصلة صنع القرار على وجهة التقدم والتنمية الشاملة والمستدامة بما في ذلك بناء الوعي العام والشعور بالمواطنة وحب الوطن وبالتالي غرس المسؤلية وجني الرضا في قلوب المواطنين والمواطنات بل كل من يعيش على أرضنا الطيبة.
الصفحة الرئيسة
فضاءات
حوار
تشكيل
مسرح
الملف
الثالثة
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved