الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 09th October,2006 العدد : 174

الأثنين 17 ,رمضان 1427

قصة مترجمة
امرأة تتزوج
بقلم: ماييف بينشي نقلها إلى العربية: خالد العوض
يقول الناس إن (إيرين) لديها قدرة كبيرة على التذكر، إنها تتذكر التفاصيل الصغيرة لأشياء نسيها الناس منذ مدة طويلة، مثل الأغاني القديمة، درجات اللون المختلفة لأحمر الشفاه القديمة، التفاصيل الدقيقة للأحداث المهمة مثل حفل التخرج، أو حفلات الزفاف. إذا أرادوا تقريراً مفصلاً لأحداث قديمة فإنهم دائماً يخيرون بعضهم بعضاً: اسألوا (إيرين).
لم تأخذ (إيرين) نفسها بشكل جدي ذلك المساء الذي سبق اليوم المحدد لزفافها، لكنها لو كانت مضطرة لذلك فستقوم بتذكر كل شيء دون أية صعوبة، لم يكن صعباً أن تتذكر الرائحة، زهرة الليلك في الحديقة، لمعان الأثاث، ازدياد اللون البرتقالي في المنزل، بل حتى رائحة (الكريم) الغنية التي كانت تدلك يديها به عندما سمعت جرس الباب، لا بدّ أن يكون هدية متأخرة أو عمة أخرى جاءت من الريف لتحضر مراسم الحفل.
فوجئت بسماع صوت (أندرو) يتحدث إلى أختها أسفل الدار.. كان من المفترض أن يكون (أندرو) في منزله يستقبل أقاربه كما هو الحال مع (إيرين). عمه القسيس جاء من إفريقيا ليساعده في حفل الزواج، وجدته، تلك السيدة المتسلطة التي تعتبر أيّ تجمع هو بطريقة أو بأخرى تجمعاً يخصها هي أولاً، لقد كانت (إيرين) مندهشة حقاً: كيف قبلت (أندرو) من ذلك كله؟
لم تكن (روزماري)، أختها التي ستقف بجانبها في حفل الزواج، مهتمة بأي شيء ما عدا الظهور ببقعة كبيرة على وجهها يوم الزواج، أشارت إلى (أندرو) أن يصعد إلى أعلى.
(إنها هناك تتزين منذ ساعات).. سمعتها إيرين تتحدث إليه، وقبل أن تتأثر بقلة لباقة أختها سمعت (إيرين) أندرو يقول: (أوه.. يا الله) بطريقة مضحكة عرفت بعدها أن هناك مشكلة قبل أن يدخل أندرو باب غرفتها.
كان وجه أندرو أبيض مثل ذلك الفستان المعلق في الدرج الخشبي بين قطعتين من الورق، كانت يداه ترتجفان وتهتزان مثل فروع تلك الشجرة التي تطل من نافذتها، الزهرة المنفحة الصفراء تهتز في نسيم الصيف.
حاول أن يأخذ يدها، لكنها مغطاة بالكريم. قررت (إيرين) أن تستمر في دعك يدها، كان ذلك مثل عدم المشي فوق تصدعات في الطريق، إذا استمرت في دعك يديها فلن يستطيع أن يمسك بهما، ولن يستطيع أن يخبرها بما هو على وشك أن يقوله.
أخذت تدعك يديها بشكل مستمر وتلقائي كما لو كانت تلبس قفازات ضيقة، لم تتوقف يداها عن الحركة، ولم يتغير وجهها إطلاقاً.
تعثرت كلماته، لكن (إيرين) لم تساعده، جاءت كلماته أخيراً متعثرة ومتناقضة مغلفة بالاعتذار واحتقار الذات. لم تكن هناك امرأة أخرى، وليس الأمر أنه توقف عن حبها، بل إنه يحبها الآن أكثر من أيّ وقت مضى.
نظر إليها وعرف أنه يحطم كل أحلامهما وآمالهما، لكنه فكر في الأمر بجدية، والحقيقة هي أنه لم يكن مستعداً للزواج الآن، بل إنه لم يكبر بما فيه الكفاية، هو فنياً كبر غير أنه لا يحس من داخل قلبه بأنه كبر، وأن عليه أن يستقر.
هو ليس متأكداً أن هذا هو الشيء الصحيح، أضاف بسرعة قائلاً: إن هذا لمصلحتهما كليهما، وإن على (إيرين) أن تدرك أن هذا من مصلحتها هي أيضاً.
أخذت هي تدعك يديها وكفها بشكل مستمر، بل تعدت ذلك إلى ذراعيها.
بقيت هادئة على مقعد غرفتها الأزرق القصير، وخلفها طاولة الزينة. لم يكن هناك دموع، ولا نوبات غضب. لم يكن هناك حتى الكلمات، ولم يستطع هو أن يكمل حديثه.
(أوه يا (إيرين)، قولي شيئاً بحق الله، أخبريني كم أنت تكرهينني؟ وماذا فعلت بحياتك؟) قال ذلك مستجدياً أن ترد عليه.
تكلمت ببطء، كان صوتها هادئاً (لكن بالطبع أنا لا أكرهك)، قالت ذلك كما لو كانت توضح شيئاً لطفل قليل الفهم (احك وسأظل دائماً أحبك، دعنا ننظر إلى ما فعلته أنت في حياتي.. لقد غيرتها بالتأكيد..) وقعت عيناها على فستان الزفاف.
عاود أندور الحديث مرة أخرى، فطلاقتها غير المتوقعة جعلت عبارات الخجل والإحساس بالذنب تنساب منه كالسيل، أخذ على عاتقه أن يوضح الأمر للكل، وأن يخير والديها الآن، سيشرح كل شيء للضيوف وسيرى أنه بإرجاع الهدايا، سيعوض عائلتها مادياً عن كل النفقات التي صرفوها، وإذا رأى الناس أن زواجهما كان هو القرار الصحيح فإنه سيسافر إلى الخارج، إلى مكان بعيد كأستراليا أو كندا أو إفريقيا.. في مكان ما حيث يحتاجون إلى محامين شابين، مكان حيث لا أحد من هنا ينظر إليه مرة أخرى، ويتذكر المشكلات التي أحدثها.
ثم أدرك فجأة أنه وحده فقط هو الذي يتحدث؛ فقد بقيت (إيرين) هادئة إلا من حركات اليد التلقائية، كما لو كانت لم تسمع شيئاً أو لم تفهم ما يقوله.
(أنا أتكلم بجدية يا إيرين (قالها ببساطة).. أنا جاد في ذلك، كنت أتمنى ألا أكون جاداً).
(أعرف أنك جاد في ذلك).. بدا صوتها ثابتاً وبدت عيناها واضحتين أنها تفهم ما يعنيه.
انتهز أندرو الفرصة: (ربما أنك تحسين بما أحسه، ربما كلانا يريد أن يخرج من هذا الأمر؟ هل ذلك ما تقولينه؟) كان مشتاقاً إلى أن يصدق ذلك، وبدا وجهه متحمساً لذلك.
ليست هناك هوادة في هذا الموضوع.. بصوت لم يهتز وعين لا يبدو مطلقاً أنها ستدمع.. قالت (إيرين) إنها تحبه وإنها ستبقى دائماً تحبه، لكن هذا أفضل بكثير أن يكتشف أنه لا يستطيع أن يكمل هذا الأمر قبل ليلة من الزواج من أن يكتشف ذلك بعد ليلة من الزواج؛ فعلى الأقل سيتمكن واحد منهما على الأقل من عمل زواج مختلف عندما يحين الوقت.
(كلانا سويا بالتأكيد؟) قال أندرو ذلك مرتبكاً.
هزت رأسها (إيرين): (لا أستطيع أن أرى نفسي أتزوج أحداً غيرك).. قالت ذلك من دون أن يكون هناك أيّ لوم أو ندم اتهام، فقط جملة إخبارية.
في البيت الكبير حيث من المتوقع أن يحضر ثلاثمائة شخص غداً.. كان الوضع هادئاً على نحو غير عاديّ، حتى النسيم تلاشى، وحتى صوت اهتزاز أطراف الظلة التي صنعوها في مدخل البيت لا يسمعانه.
استمر الصمت طويلاً بينهما، لكن أندرو عرف أنها لن تبدأ الحديث، سألها: (ماذا سنفعل أولا؟).
نظرت إليه بصفاء كما لو كان يسألها عن أي أغنية يضعها في المسجل.. لم تقل شيئاً.
(نخبر والدينا، والديك أولاً؟ هل هما موجودان تحت؟) اقترح عليها.
(إنهما موجودان في نادي القولف، لديهما حفل استقبال بسيط لأولئك الذين لم يتمكنوا من الحضور غداً).
(يا الله!) قال أندرو.
كانت هناك فترة صمت أخرى.
(هل تعتقدين أنه يجب أن نذهب لنخبر والديّ إذن؟ ستحتاج جدتي إلى وقت كي تقبل بالأمر..).
فكرت (إيرين) ثم قالت: (ربما)، وكأن الأمر بدا لها غير مرض.
(أو ربما معدي الحفل؟) قال أندرو: (رأيتهم مشغولين بإعداد المكان)... انخفض صوته (يبدو على وشك البكاء) أوه، إيرين، إنها فوضى عارمة.
(أعرف).. وافقته (إيرين)، كما لو كانا يتحدثان عن سحابة مطر، أو تقلبات يوم لا يمكن تجنبها.
(أعتقد أنه يجب عليّ أن أخبر (مارتن)؛ فهو مشغول بتطبيق الإتيكيت الخاص بالحفل ككل، وبوضع الأشياء في أماكنها الصحيحة، على الأقل سيرتاح من هذا العناء..) قال أندرو ذلك في ضحكة قلقة، ثم ما لبث أن صحح نفسه (لكني آسف، بالطبع آسف جداً، بالطبع آسف جداً جداً؛ لأن الأمر لم يتم).
(نعم بالطبع).. وافقت (إيرين) بأدب.
(وأختك، ألا ترين أنه لا بدّ من إخبار (روزماري) الآن، و(كاثرين)؟ وكذلك الاتصال ب (ريتا) وإخبارها.. وإخبارها.. أنه.. حسناً أنه..).
(أخبرها بمَ بالضبط؟).
(حسناً أخبريها أننا قد غيرنا رأينا..).
(أنت غيرت رأيك، إذا أردنا الدقة) قالت (إيرين).
(نعم، لكنك وافقت على ذلك) توسل إليها.
(وافقت على ماذا؟)
(على أنه إذا كان ما سنفعله خاطئاً فإنه من الأفضل أن نكتشف ذلك الآن، وليس غداً عندما يفوت الأمر ونصبح زوجاً وزجة حتى الموت..).. انقطع صوته.
(أوه نعم، لكني لا أعتقد أن زواجنا هو الشيء الخاطئ).
(لكنك وافقت) كان مرتبكاً.
(نعم بالطبع وافقت يا أندرو.. أقصد وما فائدة ألا أوافق؟ من الطبيعي أننا لن نستمر في ذلك، لكن هذا لا يعني أنني أنا التي قد أوقفت الزواج).
(لا، لا، هل هذا مثل أهمية إخبار الناس؟.. أقصد الآن أننا نعرف أن الزواج لن يقام، أليس هذا ظلماً أن نترك الناس يعتقدون أنه سيقام؟).
(نعم.. ولا!).
(لكن لا نستطيع أن نجعلهم يعدون الطعام، ويلبسون..).
(أعرف ذلك) قالت وهي تفكر.
(أريد أن أقوم بعمل الأفضل، الشيء العادل) قال أندرو، وقد كان كذلك، كما رأته (إيرين).. وفي الموقف الذي أحدثه ولا يزال يرغب أن يكون عادلاً.
الصفحة الرئيسة
فضاءات
حوار
تشكيل
مسرح
الملف
الثالثة
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved