الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 10th January,2005 العدد : 91

الأثنين 29 ,ذو القعدة 1425

أنشودة الخصب!!
عبدالمؤمن بن عبدالله القين
يكبر الحلم .. يتسع ، فتضيق المسافات من حوله .. يبزغ نور العلم من المشكاة .. كوة في جدب الزمان .. وقحط المكان .. تحيلها إلى خصوبة متألقة ..
الدروب تصبح وضيئة بهذا النور .. تتفرق أشعته عبرها ، فينفض الساري عن نفسه غبار السنين .. ينتضي حوافزه .. يلثم ألق الفجر الوضيء .. حينما تنقشع الغيوم من السماء .. وينهمر الماء من ديمة تبقى وحيدة .. لتغسل عن آفاقه كل الأكدار .. تستنطق حروفه ، كما استنطق الفرزدق جريراً يوماً ما .. البوح باقي حبيس الحياة .. حيناً ، وحيناً آخر مرهوناً بمناسبة المكان والزمان .. لا شيء هناك يوقد جمره .. أو ينفض الرماد من فوقه.
ترى من لهذا البوح ؟ كي يعيد ما هو بعيد ؟ كي يمزق غلالة الصحف السميكة الرمادية اللون ، ويمضي الصراع مجلجلاً .. يهتك الصمت ويفجره ؟ أم أن البوح لن يكون ولن يريد ولا يريد ؟ أيبقى رسيفاً في القيود ؟ لا تنفك حلقاتها فهي محكمة التنديد ؟! أينهار العالم فينا ؟ وتتكسر أرجاؤه ؟ أتصبح قاعاً صفصفاً ؟ أنرحل نحو الوجد فنجده شائه الملامح والرؤى ؟ أيظل في الجدب ؟ في جوف حصاة ؟ أم سيناله الخصب يوماً ما ؟ القنديل لا يزال آمداً .. فمن يعلي شعلته ؟ أم يظل هكذا حتى ينفد غاز وقوده فينطفئ ولا يبقى هناك أمل في إشعاله من جديد ؟!
صفاء النفس في المرتع الخصب هو القنديل الذي تتوق النفس إلى الاستضاءة به .. حينما تبتعد عن عنعناتها .. وتنأى عن افتنانها واستيافاتها .. تدنو من الحقيقة الكبرى لتستظل بها .. فتتزكى .. ليفلح صاحبها وينشد حينئذ أنشودة الخصب .. يصيخ سمعه من يريد ، لكلماتها .. تقول: يا حبيبي .. أنت من أحببت الحب فيه ..
يسير الإنسان في دنيا
خصبة القلب والحوافي
يورق عليها الصد
فتصفو الآفاق أمام ناظري
يا حبيبي .. ذكريات حياتي بين يديك
تنثال من خاطري
تسقي خاطرك
فالخصب زاهٍ في قلبي
وآلامي منسية
صفاء حولي الأرجاء
وهفهفة النسيم حواليه
تنقل شذا عبيرك
ورائحة الشوق إليك ندية ..
يا حبيبي .. خطا الزمان الشقية
محتها الرياح
فتساوى الرمل
منظراً سوياً يخصب به الثرى
فينشق عن الزرع
والورود والأزاهير السنية
تتفتح في البكور
وبينها نرجسة خفية
لا تهوى الصباح ولا الظهر ..
لكنها تحب العشية!!
وتمضي الأنشودة بكلمات .. بمعانٍ .. وأحرف ثريات بخصب العطاء .. لئلا تجدب الأنشودة أو تنقطع كلماتها فتتأجج بين معنيين أو أكثر .. وهنا يكمن الفرق بين الجدب والخصوبة .. فجدب العطاء هو تنافر الكلمات والحروف ، أما خصوبته فهي تكامل معاني الكلمات في الحروف .. ليستمر دفق المعاني نهراً أو شلالاً ، لا يملك صاحبه وقفاً له ولا من يريد مصادرته أن يصادرهومعنى أن تكون الأنشودة .. أنشودة خصب لا جدب .. هو أن يكون العطاء والوفاء جوهرها .. ليبلغ صاحبه ذروة القمة .. ومرد ذلك أن صاحب هذه الذروة له قلب ذو تربة خصبة .. سليم من الحسد والحقد والضغينة ، فهو مضغة صالحة كما سماها النبي صلى الله عليه وسلم حينما قال: ( ألا وإن في الجسد لمضغة لو صلحت صلح الجسد كله ولو فسدت لفسد الجسد كله ، ألا وهي القلب) .. ولهذا لو تغير قلب إنسان خصب الشعور بقلب إنسان مجدب المشاعر ، لظل الإنسان ذو الخصوبة على ما هو عليه ..
وكم ينيخ الألم عبر السنين بأثقاله على الإنسان ؟! فيحيل حياته إلى يباب ؟ .. أما آن لهذا الإنسان أن يتحرر من الخوف ؟ الخوف الذي يعيده إلى الشعور بتلك الآلام ؟ الذي يفرض عليه نمطاً في الحياة يعيش بمقتضاه؟!
ماذا لو أنشد الإنسان أنشودة الخصب في سرحة من سرحات أحد الأودية الخصبة ؟ ألا يبدو ذلك جميلاً ؟ حيث تتردد في جنبات الوادي أصداء أنشودة ؟ ليس بالضرورة أن يكون في الوادي حيوانات كثيرة أو طيور مصطفة أو أشجار وأزهار كثيرة .. ليشعر الإنسان بأهمية أنشودته .. ولكن تكفي قمرية أو ظبية وشجرة نرجس ، ليردد قول الشاعر:
ترى ما السر بين الزهور
والنسيم إذا ما سرى ؟
أطاف بنرجسة في البكور
فأسكرها برحيق الكرى ؟
الصفحة الرئيسة
شعر
فضاءات
نصوص
قضايا
تشكيل
مسرح
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
مراجعات
اوراق
مكاشفة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved