الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 10th January,2005 العدد : 91

الأثنين 29 ,ذو القعدة 1425

استراحة داخل صومعة الفكر
الألمعيات
زاهر بن عواض الألمعي
سعد البواردي

الشوقيات نسبة إلى شوقي.. والألمعيات نسبة إلى الألمعي.. وعلى ما أظن القرشيات للصديق الأستاذ حسن عبدالله قرشي.. شعر ينسب إلى شاعره.. خيار درج عليه البعض لا غبار عليه.. إنه التعريف المباشر الذي لا يحوجك إلى بحث عن الديوان.. وعن صاحبه.. والبحث لدينا هنا هو كيف رسم لنا الشاعر أخيلته وصاغ أفكاره وخواطره شعراً؟ كيف أمكن له أن يقدم لنا حصاداً شعرياً يشبع نهمنا.. ويروي غليل ظمئنا المتعطش إلى زاد نستزيد به من وعثاء السفر.. في رحلة لا تحتاج إلى تحريك قدم.. وإنما تحتاج إلى إيحاءات قلم ينطق بمكنونات وخواطر حامله.
بداية يبعدنا شاعرنا إلى الوراء قليلاً.. يذكرنا بثورة شعب عظيم قاوم الاستعمار ولم يساوم.. إنه شعب الجزائر الذي تعرض لهول المجازر دون أن يستكين..
موكب المجد غارة وفداء
أججت نار عزمه النجباء
وتسامى إلى النضال رجال
واعتلى فوق صرحه العظماء
يا أسودا من الجزائر صولي
كي تحوزي المنى ويعلو الفداء
لقد صالت الأسود حينها وجالت فأحرزت النصر على صخرة الفداء.. وصحوة العطاء لتقطف بيديها جميل المنى..
يا سراة الكفاح عزما وحزما
أنتم اليوم قادة نجباء..
كان هذا بالأمس القريب.. الغريب أن منظمة التحرير الجزائرية التي قادت الكفاح أصبحت عرضة للحل.. ومصادرة ممتلكاتها.. لا يهم.. فالجزائر أصبحت لبنيها كل بنيها حتى وإن أصابتها عدوى التنافس على مراكز القيادة.. تلك حالة يمر بها عالمنا الثالث الذي ما إن تضع الحرب أوزارها مع عدوها حتى تلتفت إلى داخلها في صراع تنافسي ملون بالدم والجرح.. قادة نضال يعتقلون.. وآخرون يفرون.. وآخرون ينجحون في انتخابات حرة فما ينجحون!!
كثير من شعر شاعرنا الألمعي يرتبط بمناسبات.. وطبيعة الصومعة لا تنجذب كثيراً إلى المناسبات وما قيل فيها لأن محصلتها الشعرية لا تضيف الجديد إلى مخزون الشعر التأملي الإنساني الذي تسعى إليه..
في ربوع القرعاء.. أمسك بيراعه راسماً صورة وصفية لمفاتن طبيعتها الأخاذة:
شعاع من الإشراق والبسمات
تطل على الآفاق والفلوات
أهاب بعزمي واستثار مشاعري
وأبرز ما في القلب من خلجات
مشاهد بانورامية تأسر لب شاعرنا.. وتمتلك قلبه.. يأتي إليها شغوفاً بجمالياتها:
فسرت له. والشوق مني مطية
وليس أمام الشوق من عقبات
وعمت للقرعاء.. وجه مطيتي
تغذ بوثب صادق العزمات..
حداء الشوق تستجيب له القافلة دون أن تجتهد.. ودون أن تتوقف.. كيف وخيال شاعرنا الألمعي هو مطيته.. وشعره هو عطيته لقد جال ببصره المشوق بين رحابها.. شاهد ثمارها.. توغل في أشعافها وشعابها.. ووهادها.. فهي في عينيه حلم مصداف
فما أجمل المصطاف حين تضوعت
أزاهيرها بالعطر. والنفحات
وادي الحبق يملأ رؤيتك عبقاً.. أودية أخرى خضراء تتراقص أزهارها على لمسات الطيور التي تلثم أزهارها ثم تغادر.. مشارف القصر على حافة تهامة.. حيث غابات السودة.. وحيث السحاب الذي تطل عليه من علٍ وهو يغطي مشاهد الطبيعة في الوادي.. بروقه تلمع من تحت.. ورعوده تقصف من تحت.. وسيوله تتدفق من تحت.. كأنما أنت وأنت ترقبه معلق بين السماء والأرض على متن طائرة لا تتحرك..
وإني بعاليها وقربي منارة
جميلة شكل سامق القسمات
تفوح بها الأفنان وهي شذية
فتهدي عبير النشر والنسمات
وبلبلها الصداح غنى بلحنه
فأطربها من ساحر النغمات
بعض الصور الجميلة التقطتها عدسة شاعرنا وهو يطوف بالقرعاء.. والسودة.. حيث الماء.. والنماء.. الخضرة.. والجمال.. ثم يقفل راجعاً
على بركات الله يا زهرة الربى
سأمضي وقلبي مفعم الحسرات
فما شئت من نفح فإن قلوبنا
لترنو لتحظى منكِ بالنفحات
الأشياء الجميلة بقدر ما تسعد لرؤيتها تحزن لوداعها.. بقدر ما تعطيك من بهجة.. تأخذ منك نشوة اللقيا لتهبك مرارة الوداع..
كما غنى لعسير.. غنى لنجران.. كلاهما مشهد واحد.. السروات الممتدة بجبالها وهضابها وشعابها.. وأناسها الطيبين الكرماء تشعرك بجماليات الطبيعة.. وجمال الطبع.. هكذا مرت بي نفس التجربة منذ أكثر من نصف قرن يوم أن عشت حياتها لفترة أيام تمنيت لو أنها أعوام..
شاعرنا الألمعي مشوق لكل وطني.. لوهده.. ولنجده.. بقدر ما غنى للهضاب والمروج الخضراء..غنى لنجد جميلة الصحراء:
ألا فانظروا ماذا تخيل من نجد
نسيم الصبا؟ أم دوحة الفخر والمجد؟
أم الروض فتان فهش نسيمه؟
ونفح الشذى يشفي العليل من الوجد
ديار إذا ما جاءها الغيث أبقلت
بشتى صنوف النبت فواحة الند
يغلب على شعر شاعرنا مذاقه الكلاسيكي.. يحرص كثيراً في سرده الشعري على الالتزام الوثيق بمفرداته الوصفية الأصيلة غير مكترث برومانسية الخيال وعذوبة اللفظ.. لأن الواقع لديه لا يحتمل الإغراق في متاهات التطريب.. وإنما التشخيص للصورة من حيث هي دون تزويق أو ألوان..
ومن عسير. ونجران. ونجد.. إلى بغداد.. دار السلام التي استلب العدو سلامها.. وجثم على صدرها بسلاحه.. وجنوده:
أبغداد يا مهد الحضارة والمجد
ومنطلق الإشعاع عن سابق العهد
أزف تحياتي إليك بدافع
من الشوق هتان السحائب والشهد
ويسترسل قائلاً:
أقول وما طيف الخيال بنافع
بأروع أنواع البطولة والمجد
فإن ترفعي للشعر قدراً فإنما
رفعت لواء المجد في موكب الخلد
عاصمة الرشيد يا شاعرنا لم يعد يهمها الشعر.. ولا النثر.. إنها أسيرة شر مستطير غزاها من البعيد.. إنها في حاجة إلى مشاعر فاعلة تقوى على تضميد الجراح.. ودفع كابوس الغزاة عن أنفاسها.. إنها اليوم أسيرة عدوان.. أرجو ألا يطول.
(صيحة الجهاد) هذا ما تحتاج إليه بغداد.. بنفس القدر الذي تحتاج إليه القدس.. وكل قدس محتل:
أفدائيي فلسطين امتطوا
صهوات الخطب واجتازوا البحارا
دمروا أوكارهم في وثبة
تسحق الباغي. وتصليه الشرارا
ويتساءل:
ليت شعري هل لنا من صولة؟
في فلسطين جهاداً وانتصاراً
يا حماة المجد لبوا وانفروا
واجعلوا الدين لدنياكم منارا..
ما كان يصح بالأمس لا يصح اليوم.. تغيرت الصورة في عرف العولمة الجديدة ومنظريها الجدد.. الجهاد تحول إلى إرهاب.. والاستعباد أصبح حقاً مشروعاً في القانون الدولي..! إسرائيل أولاً. وثانياً. وثالثاً.. هكذا يتحدث الفيتو الأمريكي وهكذا تنصاع لإرادته كل الدول..
شعب فلسطين المحتلة وحده الذي يواجه بحجره أقوى قوة احتلالية في منطقتنا.. فلسطينيون يتساقطون كل يوم.. ولا أحد يهتم.. الصورة مقلوبة.. ولأن الصف العربي الذي طالب شاعرنا بتوحده أصبح مشرذماً مفكك الأوصال.. ومهزوماً في داخله نسترجع مع الألمعي دعوته للتوحد:
ما بال قومي..ويا للخزي..قد هبطوا
إلى حضيض بنار الحقد تضطرم
أيان وحدتهم. أيان جمعهموا؟
والقوم في غيهب كالموج ملتطم
ويشير بسبابة قلمه إلى الجرح النازف في جسد أمته:
تلك اليهودية الشوهاء مطمعها
أن تستبيح ديار العرب والعجم
لا مجد للعرب ما دامت حناجرهم
في كل أمر تنادي هيئة الأمم..
قبل أكثر من ربع قرن من الزمن كان هذا الصوت.. وكان التحذير.. اليوم أطل علينا مشروع شرق أوسط كبير.. مشروع صهيوني إسرائيلي بوجه أمريكي الهدف منه أن تكون إسرائيل النسيج الأول لعباءته.. والعنصر الأول لقيادته.
حناجر العرب الذي اشتكى منها شاعرنا ليتها ظلت قائمة.. الآن لا حناجر، وإنما خناجر توجه إلينا كمسلمين في كل مكان.. الإسلام في نظر خصومه تخلف.. وتهمة ترقى إلى درجة معتنقيه ومناضليه بالإرهاب هيئة الأمم المتحدة تغيرت رسالتها.. وتحولت إلى مسمى جديد تؤكده حالتها وضعفها أمام الهيمنة على قرارها من قبل الدولة النافذة الوحيدة في عالم اليوم.. ولم يبق على مبنى الهيئة الأممية إلا أن نغير اسمها (هيئة الولايات المتحدة الأمريكية)..
ما أظن الليل القاتم والجاثم على صدر عالمنا اليوم سيظل.. لكل قوة ضعف.. ولكل ظلم نهاية.. ليس من باب التعزية للنفس.. أبداً.. وإنما من باب استشراف التاريخ لإمبراطوريات عظمى صالت وجالت ثم دالت.. لا أحد يبقى قوياً إلى الأبد.. قد يطول الانتظار وقد يقصر الشاعر زاهر الألمعي في ألمعياته ضيق على خناق الحركة.. جعل قصائده تتحدث عن مناسبة.. وهذا يعني أن الاختيار يبقى محدوداً ومعدوداً.. ومساحة الرحلة تستغرق أبعادها المحددة..
مع أمته في عظة ونصيحة منه:
أمتي أصغي لقولي واعملي
إنك الأمثل بين الأمم..
أمتي يا ذروة المجد الذي
شع نوراً في دياجي الظلم
أمتي كنتِ. وما زلتِ لنا
قوة نسمو بها في القمم..
الأمة تعرف نفسها يا صديقي ما أظنها في حاجة إلى استرجاع أمجادها.. ماذا أنت قائل لها مما لم تفعله؟!
سوف أبقى في وفائي ماضياً
واثق الخطو كريم الشيم
مشرئب العزم ثبتا باذلا
لكِ نفسي ونفيسي فاسلمي
جميلة تلك المشاعر منك.. ومن غيرك أيضاً.. ويبقى ما هو أهم من الكلام.. ترجمة المقول إلى عمل.. لقد قتلنا تاريخنا شعراً ونثراً دون أن نضيف إليه.. بل دون أن نحميه غائلة الآتي التي تحاول استلابه وطمس معالمه.. وتغيير ثوابته. ومناهجه!
(زلة القول) قبل محطتنا الأخيرة مع شاعرنا الألمعي.. ترى عن أي مضمون يتحدث؟!
لكل قوم مدى الإيمان خذلان
إن لم يقمه على الإنصاف ميزان
وزلة القول يهوي في مداركها
من خانة الفهم أو أغواه شيطان
لن أتعمق في خصوصية القصيدة.. وإنما سأتناول منها الفكرة من حيث فكرة.. القصيدة تنحى منحى القصيدة الشهيرة التي يقول مطلعها:
لكل يوم إذا ما مر نقصان
فلا يغر بطيب العيش إنسان
وزلة قدم. ولا زلة قلم.. القدم يمكن جبر كسره.. أما زلة القلم وهي زلة فم ووجدان فإن كسرها لا يجبر!
ولأن نجران معشوقته التي غنى لها أكثر من مرة لأكثر من قصيدة لا بد وأن أختتم بها رحلتنا معه:
هبَّ النسيم فهيا قيِّ نجرانا
وحيِّ فيها المعالي. حي شجعانا
حي الربوع. وعرج في مدارجها
واهتف بعز لها قد دام أزمانا
تلك البطولات أضحت في مرابعها
قد شيدت من صروح المجد بنيانا
تلك المروءات في شتى قبائلها
أضحت على مفرق الهامات تيجانا
تحية منه مباشرة إلى نجران.. وتحية مني مباشرة له.. وقد منحني فرصة هذا اللقاء عبر ديوانه الألمعيات.. الذي أرجو أن تكون صياغته الشعرية القادمة أرق ديباجة.. وأكثر شفافية..


الرياض ص. ب 231185
الرمز 11321 فاكس 2053338

الصفحة الرئيسة
شعر
فضاءات
نصوص
قضايا
تشكيل
مسرح
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
مراجعات
اوراق
مكاشفة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved