الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 10th January,2005 العدد : 91

الأثنين 29 ,ذو القعدة 1425

هؤلاء مرُّوا على جسر التنهدات
رائد دراسة شعراء نجد
بقلم/علوي طه الصافي

بواكير الكتب الأولى في أي مجال من مجالات الثقافة بعامة، والأدب بخاصة على اختلاف أجناسه، شعراً، وقصةً قصيرةً، وروايةً، وتنتمي إليها الدراسة الأدبية.. هذه البواكير الأولى تعورف عليها بالريادات، وعلى أصحابها بالرواد، ليس في بلادنا فحسب، بل في الأقطار العربية، بصرف النظر عن مستواها الفني الذي تحكمه المرحلة الأولى للتجربة، والبيئة المحيطة بهذه التجربة، سواء كانت بيئة أدبية، أو اجتماعية، أو تعليمية، أوثقافية لارتباطها ببعض ارتباطاً تلازمياً، وتأثراً وتأثيراً!!
إن التخلف البيئي الاجتماعي الثقافي التعليمي يقود إلى التخلف الأدبي، والعكس صحيح، بل إن التخلف العام الشمولي في أي بلد من البلدان هو في المقام الأول والأخير تخلف لكل انساق شعب هذا البلد المضمرة وغير المضمرة إذا صح هذا التعبير، ووافق عليه صديقنا الناقد الكبير الدكتور عبدالله الغذامي المهتم بهذه المصطلحات النقدية في دراساته العديدة!!
وإذا أردنا ضرب بعض الأمثلة نجد أن الروس يعدون (بوشكين) رائداً، والإنجليز يرون في (شكسبير) رائداً، رغم وجود آخرين يستحقون هذا اللقب مثل (برنارد شو)، و(ديفيد هربرت لورانسن)!!
والرواية في مصر يمنحون ريادتها لمحمد حسين هيكل بحكم أنه ألف أول رواية مصرية هي (زينب)، وكان يوقعها باسم مستعار وهو (فلاَّج)!!
وفي لبنان ينظرون إلى (جبران خليل جبران) رائداً مع أنني أرى أن (ميخائيل نعيمة) أحق بهذا اللقب!!
وفي أمريكا يفاخرون بالكاتب (مارك تومن) أكثر من غيره!!
وفي العصر الروماني كان (فرجيل) شاعراً رائداً عندهم!!
وفي بلادنا إذا أخذنا بمبدأ البواكير الأولى في القصة القصيرة والرواية نجد أمامنا ممن يستحق لقب الريادة ثلاثة أشخاص هم: حامد دمنهوري، الأنصاري، وإبراهيم الناصر!!
لكن إذا أخذنا بمبدأ الريادة لمن يكتب عملاً لم يسبقه إليه أحد فإن الدكتور عبدالله الغذامي يعد رائداً لأنه أتى بالجديد، وقدَّم الجديد لساحتنا الثقافية بكل قدرة واقتدار.
نسوق هذه المقدمة معتذرين لأي خطأ وقعنا فيه لاعتمادنا على الذاكرة (الغربالية) بالتقادم!!
ولأن الحديث كان عن البواكير الأولى للأدباء الذين قدموا أعمالاً لم يسبقهم أحد إليها فاستحقوا لقب (الريادة) ومنهم محور موضوعنا هذا الأستاذ (عبدالله بن إدريس) ليس لأنه صاحب كتاب (شعراء نجد المعاصرون) الذي يرى البعض فيه على الإطلاق أول دراسة أدبية صدرت في نجد، وهو رأي فيه نظر كما يقول الفقهاء، لأنني قرأت في المرحلة نفسها دراسة أدبية في كتاب للأستاذ (عبدالله بن خميس) بعنوان (الأدب الشعبي في الجزيرة العربية)، لكن إذا أخذنا بمضمون كل كتاب من الكتابين فسنجد اختلاف منحى وتوجه كل كاتب عن الآخر مما يجعل كل منهما رائداً في مجاله، وبالتالي نلتقي مع ذلك البعض الذي رأى في كتاب (ابن إدريس) انه دراسة رائدة، لا نعلم أن أحداً سبقه إليها وذلك للأسباب التالية:
* أولاً: انه لم تكن بالمملكة سوى جامعة واحدة هي (جامعة الملك سعود) بالرياض مع محدودية طلابها وكلياتها.
* ثانياً: ربما لم تفتح (كلية آداب)، وإذا فُتحت فلا نستبعد قلة عدد خريجيها أو انعدامه حتى لو تخرج نفر فيها فقد توجهوا للوظائف التدريسية، مع قصور إمكاناتهم وأدواتهم للقيام بدراسات أدبية بمفهومها العلمي.
* ثالثاً: ان المبتعثين إلى خارج المملكة لم يعودوا بعد إلى المملكة بعلومهم الأكاديمية الحديثة، والذين كان لعودتهم نشاطاتهم المتعددة والمتنوعة في الدراسات الأدبية.
* رابعاً: تأثر أديبنا (ابن إدريس) بقراءاته لكتب الدراسات الأدبية العربية تأثراً جعله يستعمل بعض المصطلحات الغربية، رغم عدم إتقانه لغة أجنبية مثل الرومانتيكية، والواقعية، وهو ما لم يكن مألوفاً ومعروفاً في مشهدنا الثقافي الساكن يومذاك!!
ولنا وجهة نظر نرجو أن تكون وجيهة، وهي انه لم يحالف أديبنا الكبير (ابن إدريس) التوفيق في اختيار عنوان كتابه (شعراء نجد المعاصرون) الذي يوحي بروح الإقليمية، أو المناطقية، لأن شعراء نجد ينطوون تحت منظومة الشعراء في المملكة، ونحن على ثقة أن أديبنا (ابن إدريس) لم يكن يقصد ذلك!!
وكان يستحسن لو أطلق على كتابه عنوان (شعراء المملكة المعاصرون في نجد) أو عنوان (شعراء المملكة المعاصرون نجد نموذجاً)، وهذه الملاحظة قد تعد هامشية لا تقلل بأي شكل من الأشكال من قيمة الكتاب، وأثره وتأثيره التي يستحقها، أو ينقص من مجهود صاحبه المبذول.
فإذا وجد أديبنا (ابن إدريس) وجاهة في رأينا دون غضاضة، فإنه يستطيع تدارك الأمر في طبعة قادمة، مع إضافة الأصوات الشعرية التي لم يشملها الكتاب في طبعته السابقة لمرور أربعة عقود من صدورها، مع إعادة النظر في الدراسات السابقة لتتلاءم مع تغير رؤاه، وهو أمر طبيعي يتناغم مع المستجدات، وينسجم مع المتغيرات، وهذا ما يفعله كثير من الدارسين، ذلك لأن الرؤى عملية (ديناميكية) غير ثابتة أو متحجرة!! والكتاب عموماً يتميز بأنه من الكتب الأولى، لهذا اكتسب ريادة تاريخية زمنية!!
تعرفت أول ما تعرفت بالأستاذ (عبدالله بن إدريس) في المنتصف الأخير الهجري بعد القرن الثالث عشر حين كان رئيساً لتحرير مجلة (الدعوة) مساء حيث كنت أزوره في مكتبه لقربه من مكتب مجلة اليمامة.
وأعتقد أنه كان في النهار يعمل في وزارة المعارف، وهو أول من تسنم منصب أمين عام مجلس الآداب والفنون الذي لم يقم بأي دور في حياتنا الثقافية، وماتت الفكرة في مهدها في الوقت الذي كان الأدباء والمثقفون ينتظرون منه دوراً فعالاً وفعالاً ومؤثراً، ولكن (تجري الرياح بما لم تشته السفن).
ثم انتقل فيما بعد إلى جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وخلال ذلك أصبح رئيساً لنادي الرياض الأدبي لمدة عشرين سنة ثم قدم استقالته باختياره تاركاً الفرصة لمن سيأتي بعده.
والأستاذ (ابن إدريس) رجل متواضع رحب الصدر، هادئ الطبع، لهذا لم يجر إلى معركة أدبية إلا واحدة كان طرفها الآخر الأستاذ (عبدالله بن خميس)، وكانت معركة شخصية لا أستبعد أنه نادم على الزج بنفسه فيها لأنها لم تناقش قضية تهم القارئ، لهذا لم تطل، ولم يكن لها أي صدى أدبي، ولا تحسب على المعارك الأدبية المعروفة التي تختلط فيها الموضوعية بالشخصانية!!
ومن أطرف ما مر بأديبنا (ابن ادريس) أثناء توليه رئاسة تحرير مجلة (الدعوة) الإسلامية أن محررة صفحة (المرأة) أرسلت مرة موضوعاً عن (طبق الأسبوع) في الصفحة ينطوي على مكونات الطبق، وعبارة (ثم أضف إلى هذه المكونات قليلاً من الكونياك، أو بما معناها ولأن المحررة تأخذ هذه الأطباق ومكوناتها من الصحف والمجلات العربية، فقد أرسلت الموضوع للمجلة على علاته، وكما قرأته، لجهلها بما يسمى (الكونياك)، وحين نشر الموضوع كان يفترض أن تكون المسؤولة في الدرجة الأولى على رئيس تحرير المجلة (ابن إدريس)، لكن من حسن حظه أنه أثناء نشر الموضوع كان في إجازة فسلم من المساءلة!!
وفي اعتقادي أنه لو لم يكن في إجازة لأجازه للنشر لأنه ربما كان أكثر جهلاً من المحررة بما تعنيه، وترمز إليه هذه الكلمة وماهيتها لكنها جاءت كما يقول المثل العربي (رمية من غير رام)، ولا أعلم شيئاً عن حيثيات هذا الموضوع، ولعل أديبنا (ابن إدريس) لا يزال يتذكر الحدث وتفاصيل نتائجه!!
ومن الطريف أيضاً كما يروي أديبنا (ابن ادريس) عن نفسه في جريدة (الجزيرة) العدد (11774) الصادر يوم 11 11 1425هـ الموافق 23 12 2004م بمناسبة احتفاء (ثلوثية المشوح) به قوله إن كتابته في شعر الغزل قليلة، وإنه حدث مرة عندما كان عائداً من بغداد بعد مشاركته في مهرجان (المربد) التاسع والأخير، وهو في الطائرة قالت له المضيفة إنها شاهدته في التلفاز يلقي قصائد يلقي قصائد جميلة، فرجته أن يكتب قصيدة فيها فاعتذر لها، وكان بجواره وكيل وزارة الإعلام والثقافة العراقي الذي ألح عليه مع غيره من الزملاء المرافقين له، فاستسلم لهذا الإلحاح، وسألها عن اسمها فقالت (ديار) فأسعفته الحيلة بكتابة الأبيات الثلاثة التالية:
خذيني يا (ديار) بليل أو نهار
لحضن دافئ وموطن اخضرار
فبسمة الرضا في مقلتيك نار
يا ميعة الصبا ونفحة العرار
وبهجة اللقا من غير ما انتظار
ومغرب الشموس في دم البحار
وهذه الأبيات تكشف أن في أعماق أديبنا يسكن عاشق ضعيف أمام الجمال، وأن هذه المضيفة كانت حسناء جميلة، فجَّرت ما في شعور أعماقه الدفينة، وأحاسيسه الكامنة إنساناً وشاعراً، لكن يا ترى هل عرفت هذه المضيفة معنى (العرار)؟
وقد أهداني بمناسبة عقد قران ولديَّ (صافي وطه) قصيدة اخوانية رقيقة تعكس مشاعره الكريمة المعروف بها في وسطنا الاجتماعي والأدبي هذا نصها:
مبارك لك ما أزمعته فرحاً
يغازل الفجر مزهواً ومنشرحاً
يقول (للصافي) اليوم يومكمو
سعد السعود قريباً نحوكم نزحا
ربيع تجليك وافى اليوم موعده
مع الربيع.. ففأل الخير قد وضحا
أهنيك من قلبي ومن مقلي
أخا (اليراع) طويلاً في الزمان نحا
يا بارك الله ما غنى وما صدحا
جذلان أرسُمُ في آفاقكم فرحا
شكراً لأديبنا الكبير (ابن إدريس) على مشاعره الرقيقة، وأحاسيسه الكريمة، وبارك الله في أنجاله الذين ورثوا منه حب الحرف، وصداقة اليراعة.

alawi@alsafi.com
ص. ب (7967) الرياض (11472)

الصفحة الرئيسة
شعر
فضاءات
نصوص
قضايا
تشكيل
مسرح
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
مراجعات
اوراق
مكاشفة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved