الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السياراتالجزيرة
Monday 10th April,2006 العدد : 148

الأثنين 12 ,ربيع الاول 1427

وما زال الموت يمر..

*أحمد الدويحي:
صباح الخير أيها الشعر..
صباح الخير أيتها الحكايات..
صباح الخير أيها الراحلون
صار قلبي مجرة للأحزان، ويمر بي طيف حالة عزلة أخرى، بسبب حالات حزن ممتدة، يعرفها كل من يعرفني، وقد ارتاح إلى جوار ربه من أورثني الحزن، والبكاء حتى عافته نفسي وصاحبت عيادات الأطباء، وفقدت متعة وشهية القراءة والكتابة، حالة قاسية ومؤلمة في الحياة العادية، فكيف بحياة مثقف زاده القراءة والكتابة فصعب أن تجترح حياة من لن تجدهم حولك أبدا، صعب أن تتكيف على دواء لا تقبله، لتبقى على الحياة، وتنسى حروف كتاب، يرحل بك إلى عوالم من المتعة، والجمال، والعلم والفكر، والأصعب أن تنسى إلى أين وصلت من صفحات القراءة؟ صعب أن تأخذك حياة إلى مجرى لا تريده..؟
كتبي، وأوراقي، وكثير من أصحابي نسيتهم، ونسوني..
أحداث كثيرة، وتحولات مشهودة، هنا وهناك..
تلك ما تغري أي كاتب، ليغرس رأس قلمه، ليكشف الزيف ويعري اللحم الحي، ودون فائدة لا شيء يغري، ثم وأرى أن كثيرا من الأشياء بلا فائدة..
أوه.. رحم الله أبنائي عبدالله ورامي، فكيف يغيب عن ناظري وجهيهما؟
ليست المرة الأولى التي أعاني فيها مرارة العزلة، ولو كانت عزلة اختيارية، كتلك التي مرت بي، وعشت يوميات منها في رواية (أواني الورد)، وتمتعت بتسامي ارتحالات الروح والجسد، وسعتها ثقوب صغيرة مهملة في نافذة جدار، سدت بلاصق يحمي تسرب (الكيماوي) القاتل الذي حذرنا منه في تلك الفترة، بسبب صدام واحتلال الكويت. وها هي تمضي الأيام وتزداد الكوارث، وصور القتل والموت في كل مكان، ويزداد نهر الدم المنساب مجانا في الشوارع، وفي أحسن الأحوال لأسباب غير مفهومة، لئلا نصل إلى حقيقة مؤلمة، والجزم أن الموت يأتي دائما بنيران صديقة!
وبطعم بلح الشام وعنب اليمن، تذوقت رحيل الأصدقاء، فذات ليلة في دمشق، اقتحم جلسة سعودية شاعر رحال أشيب الشعر أبيض القلب، ليس له من حطام الدنيا إلا حقيبة معلقة على ظهره، وبضع قصائد يدوزن بها ضياعه، حاول بعضنا كالعادة تصنيفه، فهرب منا متدثراً بحارات الدمام، ومهارات من قصائد الشعراء محمد العلي وعلي الدميني، وحينما أحببته سبقتني العناوين تعلن رحيله!
وبنيران قصص العشق أخرى، طوتها دروب الدرب الكبير في ذلك السهل التهامي، وخلفت أخاديد في نفس بشرية راحلة دوما إلى الشمال، كنت في ذلك الصيف الملتهب، قد شققت وجه الفجر في رحلة معاكسة، نتتبع خطى تلك الدروب والشمس، تبسط في الأرض أشعة حارقة، ورفيق رحلة ممعنة في التيه، يماري حقول الموز، بينما صياح القرود على رؤوس جبال عسير، يرسم خطوط تلك المعادلة الحياتية، وظرفها الذي يمثل تحولات غاية في الغرابة، ليس بينها عاملي الجغرافيا والطقس.
أطوي قماشه السهل التهامي بين بيش وصبيا والحسيني، أتوه بين سيقان نحيلة عارية راحلة دوما إلى العطش، وأمضي مثلها لأول مرة في حياتي، مقتفي خطوات بطلتي، وقد محت الرياح وخطوات الهاربين جذورها وملامحها في هذه السهول، وحينما اجتاحني الضياع من جديد، وحرقة شمس أغسطس تكوي جبيني ووجهي، غنيت على الحسيني السلام.
والناس في صبيا في قيلولة، واليأس يرسم للغريب دروبا جديدة، والكلام في فمي نشوة وغناء، وصوت لوجه غارق في التيه، يلتقط ملامح وجهي بسؤال غاية في الجسارة فجأة: (أنتم الحداثيين ما تعرفون إلا بعضكم؟)!.
- ومن أنت؟
- أنا من كتب له رائد الأدب الأستاذ العواد مقدمة لديوانه..؟).
أخذنا معه في رحلة لقراءة الأساطير وقصص العشق، والرحيل، والجنون، والموت الممتد في هذا السهل، ذهبت معه في صراع لم ينته، ليقف على محور واحد، حاول أن تكون نهايته حينما يأوي المساء، وشكلت لغة الكرم والحب والحفاوة معطيا بارزا، جعلت رفيق رحلتي يروق له الكلام، ورغبة مشتركة بينهما دون مواربة، ولم يطب لي حتى يقع قلبي على من أحب.
كان قلبي دليلي في تلك الرحلة الفريدة، أطارده شبح بطلة أسطورية بلقيس في تلك السهوب والدروب، وكان وجهه فاتحة الوجوه لمدينة، أراد صديقي الشاعر عبدالرحمن موكلي جزها، وتصدق هواجس قلبي كوعول نافرة، إذا خرج إليّ بوزرة، كتلك التي أعرفها في اليمن، وفي حارات جدة العتيقة، ووجه إليّ سيلا من الشتائم، مما يعني أني قد وقعت في المحذور.
صباح الخير يا صبيا، صباح الخير يا مدينة، تأوي الحب والمحبين! أمس جاءني صوت مبحوح، وقد انقطعت سنوات طويلة، ليقول لي دليلك في صبا/ الشاعر عبدالوهاب سعيد مات.


ALDW17Y1000@YAHOO.com

الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
مداخلات
الثالثة
مراجعات
اوراق
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved