الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 10th May,2004 العدد : 58

الأثنين 21 ,ربيع الاول 1425

الشعر السعودي الجديد..
تجاوز الحدود.. أم وصل إلى طريق مسدود؟
عبدالله السمطي

تتنزل الأصوات الشعرية السعودية التي كتبت القصيدة الجديدة بانهمار متميز، تتنزل في مهاد رحب كي تدل على وضاءة تجربة، وشساعة زمن ضيق، وأفق مخايل. كان الشعر حين حدث التحول.. وكان التجريب حين صدعت هذه الأصوات بما أمرت به المخيلة الطليقة.. هكذا بدئيا يتسنى لنا أن نسم تجربة الشعر الجديد بالسعودية، التي يقف على ذروتها التاريخية: محمد العلي وسعد الحميدين، وفوزية أبو خالد، وأحمد الصالح، ومحمد المنصور، وعلى ذروتها الريادية حسن القرشي، وغازي القصيبي، وسعد البواردي وأبو حيمد، وعلى ذروتها الفنية محمد الثبيتي وعبدالله الصيخان ومحمد جبر الحربي، وعلي الدميني، وعلى ذروتها المكانية أمشاج من الأصوات والشعراء والشاعرات من أجيال ظهرت عبر الخمسة والعشرين عاما الماضية، في مناطق المملكة المختلفة، منها ما استمر، و منها ما انطفأ، ومنها من لا يزال موسوسا بالماضي الجميل، أو من يجتر مرحلة الثمانينيات الميلادية، أو من يصبو إلى سياق مختلف.
لا نود الوقوف هنا على ماضي التجربة، إنما سنطرح سؤالا جوهريا.. الحاضر والمستقبل معا غايته ومذهبه: هل تجاوز الشعر السعودي الحدود، بدلالات الكلمة المعنوية والمذهبية والجغرافية أيضا؟ هل تخطى عتبة البدايات الأولى التي ظهرت في (رسوم على الحائط) و(هواجس في طقس الوطن) و(تضاريس) و(رياح المواقع) و(إلى متى يختطفونك ليلة العرس)؟ ولماذا لم تسوق هذه الأسماء الشعرية البارزة التي كتبت القصيدة الجديدة، قصيدة التفعيلة، وقصيدة النثر، خارجا بشكل جيد؟ أين دواوين الشعراء السعوديين الحقيقيين في مكتبات الوطن العربي؟
من جهة ثانية: هل وصلت القصيدة العربية السعودية الجديدة إلى طريق مسدود؟ على الرغم من جدة التجربة زمنيا، إذ لم تتجاوز الثلاثين عاما تقريبا؟ لماذا وقعت في الاجترار والتكرار على الأغلب؟ لماذا حتى لم يطور شعراء الثمانينيات تجاربهم الشعرية ووقفوا فقط على أطلال دواوينهم الأولى القليلة ،ديوان أو اثنان أو ثلاثة على الأكثر؟ ثم لماذا لم تقدم الأجيال الجديدة وقد تغيرت السياقات تجاربها الكثيفة الموارة بالأسئلة والدلالات والرؤى؟ هل قدموا فعلا ذلك ولم يبتكر النقد الأدبي ظواهرها؟.. إن قراءة أطراف من المشهد الراهن ربما تيسر سبل الإجابة.
أطلال دواوين:
جماليا لم يتجاوز الشعراء الذين أصدروا دواوينهم مرحلتي السبعينيات والثمانينيات الميلادية قصائدهم الأولى إلا قليلا، لقد جاءت تجاربهم التالية ذات عمق غنائي لا درامي، أي أنها امتداد لتجاربهم الأولى لا انقطاع معها، أو تجاوز لها.. من هنا يذكر الحميدين فحسب في: (رسوم على الحائط) والثيبتي في (التضاريس) والدميني في (رياح المواقع) وحتى إن ذكر الحربي مع ديوانه (خديجة) فهو امتداد لديوانيه الأولين، فهل موضوعه (الحال والمقام) هو السبب الجوهري في عدم اعتماد الشاعر السعودي: (التجريب) دالة أساسية في المشروع الشعري لديه، هل عدم وجود التجربة الحياتية المكابدة أو المعايشة الحقيقية لتجارب الواقع الإنساني من أسباب عدم توتر القصيدة السعودية ونزوعها الدرامي واكتفائها بما هو غنائي عاطفي وجداني حتى وإن جاءت في صورة تفعيلية. إن هذا الجيل أصبح يكرر نفسه تماما، كأنه يبكي على أطلال دواوينه الأولى التي اكتفى بإصدارها، في حين أن معظم مجايليهم في البلاد العربية الأخرى تجاوزوا العشرة دواوين، وقد يقول قائل: إن المسألة ليست بالكم بل بالكيف، وإنني أرى أن الشاعر الحقيقي هو من يجعل الشعر قرينا لزمنه على الأرض، أي أن تفرغه لكتابة الشعر ستدفع به بعيدا على المستوى الجمالي والفني.
من جانب آخر فإن أسماء شعرية كثيفة، تكتب الشعر برهافة وتميز، ولكن بعين على القصيدة وعين على مشهد محبط لا يتابع تجاربهم أو ينظر في نصوصهم بتأن وروية وبعمل منهجي تأسيسي، فالشعراء مثل: محد حبيبي، محمد مباركي، مسفر الغامدي، محمد الحرز، علي الأمير، عيدالخميسي، وجاسم الصحيح لهم تجارب متميزة لكن الإبداع في واد والنقاد في واد آخر.
كذلك هناك ظاهرة تتسم بها الساحة الشعرية السعودية ولا مثيل لها في العالم العربي وهي وجود شعراء بلا ديوان شعري واحد مثل الشعراء: محمد العلي، ومحمد زايد الألمعي، وخديجة العمري، وأحمد عسيري، وعبدالله الصالح وغيرهم. وهي ظاهرة تؤذن بوجود إشكالية في موضع النشر والتوجه الثقافي الذي لا يذهب للمبدع، ولا يكتشف ما لديه من نتاج، ولا يأخذ زمام المبادرة لطبع نتاجات هؤلاء المبدعين وغيرهم.. ولعل في إنشاء وزارة مشتركة بين الثقافة والإعلام رغم البطء الشديد في التحول الثقافي ما يجعل إنشاء هيئة للكتاب على غرار الهيئة المصرية أو اليمنية أمرا ضروريا، كذلك فإن قيام اتحاد للكتاب السعوديين من الممكن أن يوسع منافذ النشر.
احتضار قصيدة النثر:
لفترة زمنية قصيرة توهجت قصيدة النثر بالسعودية، مع نهاية حرب الخليج الثانية حتى أواخر تسعينيات القرن العشرين، وبزخم شعري جاء تحديدا من المنطقة الشرقية قاده الشعراء: إبراهيم الحسين، أحمد الملا، غسان الخنيزي، محمد الدميني، ونقدي: عبدالله السفر، ومحمد العباس، وبمنبر فصلي: (النص الجديد)، بالإضافة إلى مساهمات الشعراء: علي العمري، وأحمد كتوعة، وحمد الفقيه، وغيرهم.. بيد أن هذا التوهج استمر لفترة بحس التاريخ الثقافي وجيزة جدا، وبمساحة شحيحة على مستوى التجربة وعلى مستوى الإصدارات، حيث اكتفى كل شاعر بإصدار عمل شعري أو عملين ثم احتضرت التجربة، وتلاشت بعد أن حققت سطوعا برقيا فقط، دون التأسيس لمستقبل التجربة واستراتيجياتها الجمالية.
حجة الرواية:
هل هي حجة تجلي الرواية، وتكريس مقولة: (زمن الرواية) في عالمنا العربي هي ما جعلت الشعراء يحبطون، بل ويتوجه بعضهم لكتابة الرواية؟.. هل هي هرولة سردية أصابت الجميع؟
إن الشعراء يحتاجون إلى إعادة الثقة بما يكتبون، ففن الشعر الحقيقي وأنا لا أقارن بين جنسين أدبيين هو من أجمل وأعمق الفنون الإنسانية، والشاعر معروف مقامه ومكانته تاريخيا وإنسانيا في كل الأمم، وهو قرين العبقرية والسحر والإبداع والأسطورة والعالم الخفي الرؤيوي، وما في يده من أدوات تعبيرية ومن طاقة تخيلية لا يستطيع أي كاتب آخر أن يتملكها، من هنا فحجة (زمن الرواية) واهية، فالشاعر والشعر حي في كل الأزمان.. ونحن قد نقرأ الرواية مرة أو مرتين، أما الشعر فنعيد قراءته عشرات المرات. وحين يستعيد الشاعر السعودي والشاعر العربي الثقة بفنه ستتوالى إبداعاته التي لم تنقطع، كما نرى في دواوين رواد الشعر الجديد في العالم العربي. وأمام الشاعر السعودي فضاءات بكر لم تتجل في شعره بعد، منها: إعادة قراءة الذات، والتوتر المضموني بين القرية وتحولات الحضارة، والتعايش النفسي بين الذاكرة القروية وآليات الحضارة في المدن الكبرى، والتنوع الثقافي المخزون في مناطق المملكة.
نقاد اللجان والموسوعات:
في الحقيقة يمكن ربط حركة المشهد الشعري السعودي ومدى سطوعها بحركة النقد الأدبي، فبعد أن عايش نقاد الحداثة الشعرية بواكير الشعر الجديد، وألفوا فيها ما ألفوا من دراسات قليلة، ومقالات لم تستوعب المشهد تماما، توجه النقاد إلى النظريات، وترجمة المفاهيم والمصطلحات، واشنغلوا بالمشاريع النقدية على حساب مراقبة تطور النصوص الأدبية المحلية ومنها النصوص الشعرية، ثم بعد أن فرغوا من خناقات: (البنيوية، والأسلوبية، والتفكيك، والتأويل، وعلم النص، والتداولية) وغيرها من الخناقات الحميدة التي لم تمزق أثوابا ولا مشالح، عمدوا إلى الدخول والمشاركة في عضوية كافة اللجان الأدبية والثقافية وغير الثقافية، ثم إلى التفكير في إصدار الموسوعات والأدلة، ثم إلى الهرولة إلى المؤتمرات واللقاءات.. وكل هذا جميل وحسن، لكنه يعطل الدور النقدي الحقيقي والثقافي للناقد الأدبي.. هناك نقاد (يشيلون) حركة ثقافية بأكملها.. هناك نقاد يرتبطون بجيل أدبي، يقدمون له، ويبرزون خصائصه وسماته الفنية، وتجاربهم الإبداعية.. وهذا ما سيحفظه التاريخ للناقد الأدبي، أما عضوية اللجان والمجالس والأندية فتصبح في ذمة النسيان.
الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
قضايا
حوار
تشكيل
المنتدى
كتب
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
مراجعات
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved