الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السياراتالجزيرة
Monday 10th July,2006 العدد : 161

الأثنين 14 ,جمادى الثانية 1427

أديب.. ظلمه معاصروه
عبدالعزيز الربيع 2- 2
محمد صالح البليهشي

قال الأستاذ عبدالعزيز الربيع- رحمه الله- مرة وهو يقدم نفسه في عبارات مختصرة موجزة: (ولدت في هذه البلدة الطيبة - المدينة المنورة.. ونشأت مع لداتي في الجيل الذي سبق هذا الجيل مباشرة، فنحن في الواقع مخضرمون نحمل في دمائنا ميراث الجيلين معاً.. جيل مطلع الخمسينيات والجيل الذي يليه..
وكانت الظروف تضطرني إلى عدم مواصلة الدراسة والإخلاد إلى عمل روتيني يضمن لي لقمة العيش بسلام، ولكنني كنت أشعر في أعماقي بحوافز تدفعني إلى متابعة كفاحي في سبيل الحياة الأفضل والمستقبل الأرحب.. الأوسع.. حيث أشعر أنني أعيش بكل مواهبي وإمكاناتي وبكل القوى التي وهبتها لي يد القدرة المبدعة.. وواصلت تعليمي العالي وكنت من الجامعيين القلائل الذين جمعوا في ذلك العهد بين ليسانس آداب جامعة القاهرة ودبلوم التربية العالي وعلم النفس من جامعة الاسكندرية..)
ويمضي في ذلك إلى أن يقول:
بدأت حياتي الوظيفية بعد ذلك مفتشا بإدارة التعليم، ثم أسندت إلي مديرية التعليم، وكانت الطريق صعبة في ذلك الوقت، وأحاطت بي العديد من الظروف والمصاعب..)
من هذه العبارات الموجزة نرى ذلك الطموح والتحدي الذي لازم الربيع منذ بدايات حياته.. لم يرض أن يستسلم لظروف الحياة والاكتفاء بعمل بسيط يكفيه مؤونة العيش بل كان طموحه يدفعه إلى خوض غمار الحياة للتحصيل الدراسي حتى عاد وكان ثالث ثلاثة جامعيين يعودون إلى المملكة في نهاية سنة 1369هـ، وفور وصوله إلى المدينة تم ترشيحه مفتشا لمدارس المدينة والشمال وفي عام 1373هـ صدرت موافقة سمو وزير المعارف على تعيينه مديرا للتعليم بمنطقة المدينة المنورة.. وهنا بدأت مرحلة جديدة في حياة الربيع.. مرحلة التحدي وإثبات الوجود خاصة ووزارة المعارف في ذلك الوقت حديثة النشأة وتمر بمرحلة تطوير وتقدم سريع في عهد وزيرها آنذاك صاحب السمو الملكي الأمير فهد بن عبدالعزيز - خادم الحرمين الشريفين- رحمه الله-..كان على الربيع اليافع في ذلك الوقت مسايرة التطوير الكبير الذي تشهده الوزارة وكبح جماح خصومه الذين كانت لهم صولاتهم وجولاتهم بحكم مراكزهم الاجتماعية في ذلك الوقت، وبحكم خبرتهم وغيرتهم وحسدهم لهذا الشاب الجديد الذي استصغروه واعتقدوا أنهم سوف يحطمون آماله وأحلامه ولكنه تحداهم جميعا، وأثبت قدمه في عمله بكل جدية وصبر واقتدار، وكان عدد العاملين معه في الإدارة لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة فبحث في كل الأنظمة ودرس جميع التعليمات ونظم أقسام الإدارة، وسار في التوسع على كل اتجاه..
وكان إلى جانب ذلك يقابل العديد من الصعوبات في مجال وعي الناس برسالة التربية والتعليم، وفي مجال سعة المنطقة التي وضع على قمة هرم التعليم فيها فهي تمتد إلى أقاصي حقل والوجه في الشمال، وتمتد إلى العلا وينبع والمهد ووادي الفرع إضافة إلى المدينة وما حولها، وفي ذلك تحد كبير وصعوبات جمة لا يستطيعها غير أولي العزم من الرجال مع صعوبة المواصلات وقلة الإمكانات، ومع ذلك كان- رحمه الله- في مستوى التحدي في جميع ذلك..
وحتى لا يكون بعيدا عن الثقافة وشؤونها كان هناك هم آخر هو إثبات الوجود في المجال الثقافي لمواصلة بحوثه، وتقرير آرائه وإسماع صوته في دنيا المعرفة، فكان صوته لا يغيب عن صفحات جريدة المدينة ومجلة المنهل والعربي، وجريدة البلاد إضافة إلى اطلاعه على الصحف المصرية، وكل جديد في الساحة الثقافية.. ويسير الربيع في ذلك الخضم الزاخر من التحديات، ويصل به قطار الثقافة إلى محطة النقد الأدبي في أواخر الثمانينيات الهجرية والتسعينيات من القرن الماضي، ويصل به الأمر إلى أن الصحف والمجلات تتسابق على كل كلمة يكتبها وتشيد بكل آرائه وبحوثه ودراساته، ويحتل مركزا مرموقا في الوسط الثقافي، ويتربع على قمة النقد الأدبي تلك القمة التي جعلت منه في يوم من الأيام حَكَماً يُعْتَدُّ برأيه، وتؤخذ مشورته، ويقبل حكمه انطلاقا من مقولته التي لا تفارقه وهي قوله: (إن النقد مسؤولية ورسالة، وأن كلمة الحق أكبر وأشرف من كل الصلات الشخصية..)
وقد عانى الربيع من ذلك كثيرا، وفكر أكثر من مرة في التزام الطريق الأكثر يسرا والأقرب إلى قلوب الناس ومشاعرهم، وهو الطريق الذي يناقض مقولته السابقة، وهو الطريق الذي سيضمن له أصدقاء باستمرار، وسيدفع كل كاتب ومؤلف إلى تدعيم الصلة بإهداء مؤلفه إليه بدلا من إخفائه أو ادعائه بأنه لم يطبع او ان الكمية قد نفدت..
ولكن الربيع لا يستطيع ذلك، ولا يمكن أن يتستر على ما يعتقد انه حق وصواب وصار مع ذلك يسجل آراءه في كل عمل أدبي ينقده بأقصى ما يستطيع من اللطف والذوق والشفافية..
وكان طوال حياته قمة شامخة في الساحة الأدبية على اختلاف اتجاهاتها، ولكن مواقفه النقدية في اعتقادي قد أثرت عليه بعد موته خاصة من شداة الأدب والمعرفة ومن الحاقدين الذين كانوا لا يتجرأون على العوم في حضرته.. أو التمدد في وجوده، حيث وجد أولئك الفرصة بعد مماته إلى تجاهل قدره وتناسي جهوده، وعدم ذكر اسمه في أي محفل ثقافي أو أدبي.. وأستثنى من كل أولئك ومن غيرهم الذين لم يدرسوا أدبه ولم يطلعوا على تراثه النقدي..
إن هذا الجانب وهو جانب التناسي والتجاهل جانب من جوانب الظلم الذي لحق الرجل الاديب الناقد المرموق..
وثمة جانب آخر من جوانب قضية ظلم هذا الأديب.. أعني الظلم الذي لحقه ذلكم انه لم يستطع إظهار وطباعة مؤلفاته في حياته.. لأن مشاغله الكثيرة وآماله الواسعة قد حالت دون ذلك، ولم تخرج إلا بجهد محدود بعد وفاته ببضع سنين، وهذا عائق عدا الأنظار عنه - ربما - مع ان المختصين من الأدباء والنقاد لا يعذرون في ذلك بحكم تخصصهم.. ولا يعذر عارفوه بذكر آرائه النقدية، كلما سنحت فرصة لذلك، ويضاف إلى كل ما سبق من ظلم لهذا الأديب الناقد -رحمه الله- أن أعماله المتشعبة وغوصه في أعماق المسؤولية في حياته سواء كان وهو مفتش المدينة والشمال، أو وهو مدير الإدارة العامة للتعليم، أو وهو المشرف على هيئة الرقابة والتحقيق قد أوجدت حوله هالة من المخلصين القلة والمنافقين المنتفعين الكثرة الذين كانوا صنائع له مع الأسف وتحققت الكثير من أغراضهم بواسطته وبحكم حبه للخير وسعيه لنفع كل إنسان وبحكم طبيعته الهادئة ووداعته التي اشتكى منها كثيرا والتي قرن بها كتابه (ذكريات طفل وديع) التي قال لابنه في مقدمة الكتاب عنها: (آه.. لو تعلم كم أكلت هذه الوداعة من روح ابيك وجسمه.. آه.. كم كلفه ذلك من خسائر وتضحيات..)
إن أولئك المنتفعين كانوا هم وسائل الهدم لهذه الشخصية العملاقة التي ظلمته حياً وميتاً.. ظلمته حيا في آخر حياته بتحميله ما لا يطاق من مشاكلهم وتلونهم ونفاقهم وظلمته ميتاً بالتنكر له وغمط حقه واحتواء خصومه ونسف تراثه الأدبي والنقدي.. إن الظلم الذي لحق الأديب والناقد ورجل التربية الأستاذ عبدالعزيز الربيع لا يقل عن ذلك الظلم الذي فنده- رحمه الله- واستعرض مختلف ألوانه الأديب الكبير زكي مبارك مع اختلاف في الصيغ والألوان تحت عنوان (أديب.. ظلمه معاصروه).
الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
تشكيل
مداخلات
الثالثة
مراجعات
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved