غربة الزهراني
|
تألّمَ الزهراني، هذا الشاعر العاشق، الوامق، الأسير، الحسير، وسفح عبرات غربته وفقره على صفحة الجزيرة الثقافية يوم الاثنين 2 جمادى الأولى 1427 هـ في قصيدة: الأديب الغريب:
عاشِقٌ، وامقٌ، أسيرٌ، حسيرٌ
أغْلقَ السعدُ دونَ عَينيْهِ بابَهْ
حائرٌ، ثائرٌ، غريبٌ، كئيبٌ
جعلَ الشعرُ زادَهُ وشرابَهْ
مهلاً يا صديقي حسن، لا تكسر ربابتَك، ولا تهربْ مِن قدَرِك، فكثيرون قد تقدموك في هذا الطريق، وبعضهم قد حلّق به الطموح، فذلك الذي مَلأَ الدنيا وشغَل الناس يحني هامته، ويفضح رغباته تحت أعتابِ الأسودِ المخصيّ، بعد أن سبق له مدحه بقوله:
وليسَ بعيداً أن يزورَكَ راجِلٌ
فيرجعَ ملكاً للعراقين والياً
فلا يرجع إلا بالوعود الكاذبة؛ فإنَّ مطامح الشعراء، وربّما مطامعهم لا تحُدُّ؛ فإذا برزت وصرّحت عن نفسها، وأحسَّ بها الملأُ وضعوا أمامها الحجب وأقاموا دونها السدودَ، عسى أن تنكمش أو تنزوي، مَعَ أنّ الكثيرين من الذين يحبون الأديب وأدبه يودون لو زادت الحجب كثافة، وسمقَت السدود ارتفاعاً؛ لأنهم يسعدون وهم يسمعون شكوى شاعرهم الذي يتوقعون أن يخسروه عندما يفرح بما يُلقى إليه، ويلهو بما يغنَمُ، فينسى غربته، ويسلو عن كآبته وفقره، ويسافر مع طفرة المال، وفورة الغنى، ويترك محبيه بلا زاد ولا شراب.
هل نسيتَ يا حسن أن المتنبي بعد أن غمرَتْه السعادة في شِعب بوّان، وحجبته الظلال عن العالمَ فرَّتْ من بين أنامله الدنانير الكاذبة الخادعة فصاح بأعلى صوته متذكراً غربته:
ولكنَّ الفتى العربيَّ فيها غريبُ الوجهِ واليد واللسانِ
فالأدباء الشامخون محظور عليهم أن يصيروا أغنياء؛ فالسيلُ حرب للمكان العالي، فإذا تأمَّلْت في أحوال الأدباء قبلك هانَتْ مصيبتُك وخفَّ ألمُك، وذهب عنك الأسى الذي صوّرته بأحسن صورة:
كمْ أديبٍ قد ماتَ فقراً ولمّا
مات فاضَتْ دموعُنا الكذّابَهْ
فأنت لم تخرجْ عن سِرْب الشعراءِ والأدباء الذين أموالهم مواعيد كاذبهْ
أصبْحتُ أروحَ مُثْرٍ خازناً ويداً
أنا الغنيُّ وأموالي المواعيدُ
ألا تذكر يا صديقي شيخ الكتاب: الجاحظ، وقد قتلَتْه كتبهُ التي كانت مكدّسةً فوقَ رأسه، ولمْ يجدْ لها رفَّاً يحمِلها؟! وهل غاب عنك ابن الرومي الذي كان ريقه يتحلب وهو يرنو إلى خبّاز يدحو الرقاقة مثل اللمح بالبصرِ؟ وإذا لمحَ عَناقِيد العنبِ الشفّافة كالبلّلور، فيشتهيها ولا يستطيع الوصول إليها. فلا تتمنَّ شيئاً غير الذي أنت فيه؛ فلقد خُلِق الشعر في دمك وربّما كان حزنُك مبعث إلهامٍ ونسمةَ هواءِ لكثيرين مِمّنْ يحبون فنّك، ودعْ عنك قولك:
كم تمنيت بعد أن ضاع عمري لو تعلّمتُ لعبَةً كسَّابَهْ
فهذه الأماني ربما كانت هي الزَّبْط الذي يفر منه الشعراء والأدباء الكبار وكثيراً ما نرى راقصاً لا يفرح، ونسمع مغنياً لا يطرب، ولاعباً لا يربح.
فما أحبَّك إلينا شاعراً! وإنْ كنا لا نكره أن يزهو كسبك ويزكو مالك، ويدفن فقرك.
علي أحمد صبحية
كاتب فلسطيني في الباحة - ص.ب 159
| | |
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|