Culture Magazine Monday  10/09/2007 G Issue 215
عدد خاص
الأثنين 28 ,شعبان 1428   العدد  215
 
العيسى.. إشكاليات خطابه الطفلي!
سامر أنور الشمالي

 

 

(لكي يُحبَّ الأطفال لغتهم.. لكي يُحبوا وطنهم.. لكي يُحبوا الناس، والزهر، والربيع، والحياة، علموهم الأناشيد الحلوة، اكتبوا لهم شعرا جميلا، شعرا حقيقيا. ص7+8).. بهذه الكلمات قدم الشاعر العربي الكبير (سليمان العيسى) كتابه الجديد (كلمات خضر) الصادر عن وزارة الثقافة في سورية عام 2005م، وهو أحدث ديوان يحوي قصائد مختارة من دواوينه الموجهة للأطفال بعد مسيرة شعرية تقارب نصف القرن، وهي بلا شك من أكبر وأهم المسيرات الشعرية التي اجترحها شاعر عربي في مجال شعر الأطفال الذي كان غائبا عن ديوان العرب! فهل نجح الشاعر المجدد (سليمان العيسى) في أن يصل بشعره -الحقيقي والجميل دون جدال- إلى الأطفال العرب كي ينشدوه؟

سؤال لا تبدو الإجابة عليه سهلة كما يبدو للوهلة الأولى.

وهنا لا أدعي أنني أعرف جواب السؤال الذي طرحته!

(الإشكالية الأولى)

كيف يستطيع الأطفال العرب أن يحبوا لغتهم والأمية متفشية بين صفوف مئات الآلاف منهم..؟ بل إن أعدادا كبيرة من الأطفال الملتحقين بالمدارس في المناطق النائية هي أعداد وهمية لا تجيد القراءة والكتابة!

وكيف يستطيع الطفل العربي أن يقرأ الشعر وينشده، طالما يعيش في مجتمع لا يقرأ، حيث تنتشر الأمية الثقافية بأرقام مرعبة.. تفوق الأمية الأبجدية؟!

هذا إضافة إلى انتشار اللهجات العامية ليس في الحياة اليومية فحسب، بل في وسائل الإعلام: المسموعة، والمرئية، حتى وصل الأمر إلى أن اللهجات العامية تتسلل إلى مطبوعات الأطفال. وربما دروس اللغة العربية يتم تدريسها بالعامية في الكثير من مدارس وجامعات الوطن العربي!

ولكن مهلا.. إذا عدنا إلى خطاب الشاعر (سليمان العيسى) نكتشف أن قراءة الأناشيد وكتابة الشعر ليست الغاية -على أهميتها- فثمة رسالة تقصدها الشاعر علنا وهي: أن يتعلم الأطفال الأناشيد كي يحبوا لغتهم، ووطنهم، وناسهم، وزهورهم، وربيعهم، ويحبوا الحياة بكل ما فيها. وهنا ينفتح باب التساؤلات على قضية أخرى..

(الإشكالية الثانية)

تربية الأطفال برأي الكبير (سليمان العيسى) المأخوذ من المقبوس السابق، تعتمد بشكل رئيسي على كتابة شعر حقيقي وجميل، بهدف تعليمه للأطفال لينشدوا الأناشيد الحلوة. وعندئذ سيحب الطفل لغته، ووطنه بكل ما فيه، والمواطن المحب هو المواطن الصالح حتما.

لهذا عندما يعيد الشاعر (سليمان العيسى) جملة (كي يحبوا) أكثر من مرة - في المقبوس- وهو يتحدث عن الوطن، والناس، والزهر، والربيع. وعندما يؤكد على تعليم الطفل التغني بالأناشيد الحلوة، التي تنهل من معين الشعر الجميل الحقيقي، لا يبالغ في طروحاته هذه، فالإنسان بالمحصلة هو كائن حضاري، أو بالأحرى يجب أن يكون كذلك. لن أجزم أن الحلول التي اقترحها الشاعر (سليمان العيسى) سوف تحل مشاكلنا العربية المتأزمة كافة، ولكن لا نستطيع أن ننكر أن قسما منها سيحل بالتأكيد، وربما القسم المتبقي سنعرف كيف نضع الحلول له.

ولكن.. هل من محاولة جادة في وطننا العربي لنهضة شعرية غير مزيفة؟!

الجواب هنا أدعي معرفته:

طبعا لا يمكن النهوض بالشعر الحقيقي دون إستراتيجية شاملة، فالنهضة الحضارية متكاملة، ولا تنجح أبداً النهضات الناقصة والمجتزأة.

(الإشكالية الثالثة)

الشاعر الكبير قدرا وعمرا (سليمان العيسى) توجه إلى الكتابة للأطفال عقب نكسة حزيران عام 1967 في احتجاج سلمي وإبداعي على هذه الهزيمة، بل توجه في شعره إلى الأطفال الذين يرى أنهم سيتجاوزون هذه الهزيمة، وينهضون بالأمة العربية، أي سيحققون حلمه الأثير على قلبه بعدما فشل الكبار -عمرا- في تحقيقه.

ولكن الشاعر (سليمان العيسى) قد تجاوز الثمانين -أمد الله في عمره- وهذا يعني أنه رأى الأطفال الذين كتب لهم قد تجاوزا مراحل الطفولة، وصاروا رجالا، ولم يحققوا ما انتظره الشاعر منهم عندما كتب لهم في طفولتهم..! فهل هذه نكسة ثانية أصيب بها الشاعر..؟! أو هي أحد جوانب النكسة التي لم تنته عواقبها حتى الآن..؟! أم هي النكسة الأشد والأكثر خطورة في حياة الشاعر؟!

هذه النقطة الإشكالية، لم يفطن إليها من كتبوا عن (سليمان العيسى) -على حد علمي- وربما لم تفتهم، ولكنهم لم يريدوا الإشارة إليها، لعلهم لا يريدون أن يطرحوا هذا السؤال على الشاعر الكهل كيلا يصدموه بفشل حلمه، معتبرين أنه غافل عن ذلك..! بل ربما كيلا يحرجوه باعتباره يعرف هذا الأمر جيداً ولكنه يفر من مواجهته..! بل ربما هو هروب جماعي للنقاد، وللشاعر، وأيضاً للقراء، من فشل مواجهة نكسات متتالية لا يبدو أنها ستقف عند حد ما في القريب العاجل..!!

حسنا.. لماذا لا نتفاءل ونقول بأن (سليمان العيسى) لم يكتب إلى أطفال جيله، أو حتى أطفال الجيل الذي يليه. بل كتب للأطفال في أي زمان، وفي كل أرض عربية، باعتبار الأطفال هم الذين يحققون الآمال والأحلام، ويبنون العالم الجميل الذي فشل جيل الكبار في تحقيقه.

ولكن يجب الانتباه إلى أن هذا الطرح الذي يبدو مغرقاً في التفاؤل للوهلة الأولى، هو أيضاً كارثي بعد التدقيق والتمحيص فيه. فكأننا بذلك نتوجه إلى الأطفال كرمز مجرد، وليس إلى أطفالنا بالذات، أي كأننا نحكم مسبقاً على أطفالنا بأنهم سيعيدون التجارب الفاشلة لمن سبقهم، وبذلك لن يحققوا تلك الأحلام التي راودت آباءهم، وآباء آبائهم..!!

يجب الانتباه إلى نقطة جوهرية.. إننا نحن -أطفال الأمس- إذا عولنا على أن يحقق أطفالنا، أو أحفادنا، أحلامنا، فإننا نكون قد عشنا ومتنا دون أن نفعل شيئاً تفخر به الأجيال التالية، بل هذه الأجيال التي لم ترث غير النكسة هل هي قادرة بالفعل على المحافظة على تلك الأحلام كوديعة لتورثها إلى أطفالها، وأحفادها..؟

ولكن الأحلام قد تتباين، وأيضاً تختلف من جيل إلى جيل..! فأطفال الغد قد تكون لهم أحلامهم الخاصة التي هي غير أحلامنا..! وبذلك لا يبقى من أحلامنا غير الأناشيد والأشعار التي سيحفظها أطفال المستقبل لينشدوها..!

وربما لن يحفظوها لأنهم يرون أننا نحن أطفال الأمس كان علينا دون سوانا أن نحقق أحلامنا بأنفسنا..!! أو لأنهم سيكتبون أشعارا عن أحلامهم التي يحققونها بأنفسهم..!!!

* روائي وقاص وناقد من سورية


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة