الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 10th October,2005 العدد : 126

الأثنين 7 ,رمضان 1426

مفكرة
وريث المتنبي
ماجد الحجيلان

هناك رابط ما ورائي لا يمكن مسطرته أو جسُّه بين كثير من الأعمال الإبداعية أو بين المبدعين أنفسهم، شاعر ما يذكِّر صوته وطريقته في الإلقاء بشاعر آخر دون أي رابط مكاني ولا زماني ولا فني بينهما، رواية تذكِّر بأجواء أخرى، وروائي له النفس ذاته لآخر دون أن يستعير أدواته، فهل أن السر كامن في الشعور به أم في شيء آخر؟
في السينما تتداعى أمامك رواية غربية شهيرة بخيالاتها وشخصياتها فتقول: إن هذا الفيلم مسروق، ويكرر «دان براون» شخصياته ورواياته بعد (شيفرة دافنشي) عشر مرات، فتعلم أن السبب هو السوق الذي يبيع ويشتري ويقرأ ويدفع ويكتب وينتج ويوزع، ويذهب المعيار الفني والنقد إلى الجحيم.
ولكن ليس كل هذا مما يذكر بحالة (ميرال الطحاوي) الروائية الشابة جداً عند قراءة ظاهرة (أحمد بخيت) الشاعر المصري الصاعد بقوة. إن ما يجمع بينهما هو هذا النقد المنفلت من كل عقال، فقد حظيت الروائية بعد صدور باذنجانتها باحتفاء قلَّ مثيله من كبار النقاد المصريين، وتنافس شيوخهم وأكثر شبابهم رزانةً على إبداء الإعجاب وتقديم صكوك الغفران النقدي. ولا شك أن موهبة ميرال كانت لافتة، غير أن هناك مبدعين غير عاديين وروايات صدرت معها كان منها واحدة استثنائية لروائي ذائع الصيت لم تحْظَ بدراسة أو تقريظ كما حدث مع روايات ميرال.
وهذه التجربة النقدية أخذت شكل المغامرة مرة أخرى مع الشاعر (أحمد بخيت) الذي لم يكن عام 1998م قد أصدر مجموعة شعرية واحدة، مع ذلك فقد كتب الدكتور صلاح فضل الناقد الحصيف ما يستحق النقل هنا: (أدخل رهاناً نقدياً على اسم شاعر شاب سيتألق بتوهج مثير للدهشة في دنيا الإبداع، ليصبح شاعر مصر الأول، إنه أحمد بخيت.. الذي تخطى الثلاثين بقليل، وبهر كل مَن تعامل مع شعره بقوته وعراقته وصدقه.. بنبضه الكلاسيكي الحي، وقدرته على إعادة الشباب للقصيدة العربية.. إنه وريث المتنبي والأمل الموعود للشعر الحديث).
وهذه الشهادة التي هي أشبه بالمغامرة أو حسب تعبير د. فضل (رهان نقدي) يطول حولها الكلام، فها هو صلاح فضل بعد كل هذه الحداثات التي جرَّبها والكتب التي وضعها وبعد كل النظريات النقدية بنيوية وغير بنيوية يراهن على شعر يصفه بالكلاسيكي، وينتظر (إعادة إحياء القصيدة العربية)، لا إنتاج قصيدة عربية، ويتحدث عن وريث للمتنبي، وأن هذا الوريث سيكون الأمل الموعود (للشعر الحديث).
لا شك أن تجربة أحمد بخيت التي تراوح بين نزار قباني وأحمد مطر، وتعيد إنتاج الروح ذاتها لشعراء الستينيات والسبعينيات ولقصائد عمودية حديثة بغزلها ووطنياتها، تستحق الاهتمام والإشادة على رغم نفس الزعامة الشعرية المتأخرة وعلى رغم أن النويرة التي تستوطن شعره أكبر من قضيته وقراءاته، وعلى رغم أن لغته منكشفة ومستهلكة، فله موهبة جاذبة وصور كثيرة ونغم يصدح في كل بيت، غير أنه يفتقد الروح التي تنتظم كل ذلك. يقول أحمد بخيت: (أنا لستُ إلا واحداً.. من جيلنا - وكيانه متوحد بكياني - يده يدي - غده غدي - فمه فمي - دمه دمي - أشجانه أشجاني)، ومنتقداً ما سمَّاه (وهم الحداثة): (كتبتُ عن الخوف تعويذة - تليق بآخر مهر حرون - ومن حق حراس (وهم الحداثة) - إقصاؤها عن رصيف الفنون - ففي العود متسع للجميع - وفي اللحن يمتحن العازفون - أنا تابع لصحابٍ مضوا - وأمضي - ولي مثلهم تابعون - يمرون بالعشق مر الشهيد وتبقى البلاد التي يعشقون - إذا أنكر الباسمون الشفاه - وخان المدامع من يدمعون - فمصر التي كنت عرابها - ستعرفني عندما ينكرون - أنا حارس الضوء في ليلها وأصدق من باسمها يولدون).
من ديوانه (الأخير أولاً)، وقد أصدر دواوين أخرى أيضاً، ومع التقدير الكامل للدكتور صلاح فضل والأستاذ فاروق شوشة وللأستاذ إسماعيل السماعيل، فأحمد بخيت لن يكون الأمل الموعود للشعر الحديث، ولا وريثاً للمتنبي، فلم يُبقِ من (فَتَكَ) بأبي الطيب من تركته شيئاً يورث!


hujailan@yahoo.com

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
مداخلات
الثالثة
مراجعات
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved