الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 10th October,2005 العدد : 126

الأثنين 7 ,رمضان 1426

استقبال الآخر
(الغرب في النظرية النقدية العربية)1-2
سعود السويدا

(أنماط الاستقبال وجذور النظرية)
ينتظم كتاب الدكتور سعد البازعي الأخير (استقبال الآخر) في 3 محاور، أعرضها هنا وإن لم تكن بنفس الترتيب:
الأول: إشكالية تلقِّي أو استقبال النماذج النقدية الغربية في العالم العربي من ناحية مدى ملاءمتها جوهرياً لهذا الأفق الثقافي المغاير في الأساس.
الثاني: سوء فهم بعض النقاد العرب للنظريات النقدية الغربية، وبالتالي نقلها وتطبيقها بصورة خاطئة.
الثالث: الجذور الحضارية والثقافية الخاصة بالنظرية النقدية الغربية.
في المحور الأول يرجع البازعي إلى جذور الاستقبال، ويصف موقف فريقين من النقاد العرب: الفريق الأول مأخوذاً بالانبهار رأى الطريق إلى تجديد النقد العربي من خلال تبني المناهج الأوروبية، وبطل هذا الفريق طه حسين. والفريق الثاني مأخوذاً بالانبهار أيضاً بالتقدم الذي أحرزه النقد الغربي رأى الحل في العودة للجذور والتأصيل، وبطله (وإن بشيء من التحفُّظ) سيد قطب ويليه شكري عياد.
المحور الثاني يصف التشويه الذي لحق بالنظرية الغربية من قِبل سوء فهم بعض النقاد العرب لها، الأبطال هنا كثيرون، لكن نخصُّ بالذكر منهم عربياً كمال أبو ديب ومحلياً عبد الله الغذامي.
المحور الثالث، وهو الأكثر إشكالية في الكتاب في نظري، يدور حول محاولة تفسير انطلاق النظرية الغربية وارتباطها بجذورها الحضارية، وخصوصاً المكون اليهودي/ المسيحي.
(الإدانة والاستثناء الوحيد: طابور من المذنبين وبريء وحيد!)
يبدو أن لا أحد نجا من سوء فهم النظريات النقدية الغربية منذ بداية استقبالها على يد جيل طه حسين والعقاد. فمثلاً طه حسين لم يكن مشغولاً بتداعيات المنهج الديكارتي ومنابعها ونتائجها الخاصة، بل كان متعجلاً لتوظيف الشك الديكارتي على الشعر الجاهلي. بينما لم يفهم العقاد، الإنجليزي الثقافة، مفهوم الوحدة العضوية في الشعر كما حدَّده كولرج والرمانتيكيون. جبرا إبراهيم جبرا ليس أحسن حظاً؛ فهو الآخر لم يفهم النقد الجديد وإن كان تتلمذ على أساتذته، فيما فعل محيي الدين صبحي بالمنهج الأسطوري الأفاعيل قبل أن يشتغل البنيوي كمال أبو ديب على نمطه الخاص المبتكر من القص واللصق بين ستراوس وغولدمان وياكوبسون، وصولاً إلى الغذامي في استثماره للسيرة الذاتية في نقده البنيوي! وإصراره على التشريحية من أجل إعادة البناء!! وفي الحقيقة لا يكاد ينجو من طابور المذنبين، الاستثناءات قليلة وإن كانت متواضعة المساهمة أصلاً، وربما تستحق المديح لقلة ادعاءاتها فقط مثل برادة والحميداني. إلا أن البازعي توقف عند الإدانة للمنظرين العرب الذين استرفدوا النظريات النقدية الغربية سواء فهموها خطأً أم أن استرفادهم لها كان خطأ منذ الأساس، ولم يبحث في أسباب الظاهرة: ما الذي دفع النقاد العرب إلى استجلاب تلك النظريات؟ هل كان لسوء فهمها أحياناً آثار إيجابية (إذ ما الذي يمنع؟)؟ ما البديل الذي كان يمكن لهم أن يفعلوه؟ هل استطاعوا البناء عليها وتطويرها بعد تبيئتها؟ إلى آخر هذه الأسئلة المهمة التي تتجاوز الإدانة إلى التحليل الفكري والبحث عن جوهر الأزمة (التي يبدو أن الجميع يقر بوجودها). طبعاً ينبغي أن نذكر أن الإدانة تشمل جميع النقاد العرب تقريباً، (وهو ما يدفع البازعي في المقدمة إلى استباق تأثير الكتاب بقوله: إنه لن يرضي الكثيرين). هل هناك استثناء؟ نعم، هناك استثناء وحيد يقف فرداً مفرداً، هو شكري عياد!
(شكري عياد وقلق التأصيل)
يسمي البازعي فصله الأخير الذي يفترض فيه تقديم نموذج إيجابي للنقد العربي في تعانقه مع النقد الغربي (شكري عياد: من الاستقبال إلى التأصيل). والأحرى في نظري أن يسميه قلق التأصيل أو حتى قلق التأثير. ويورد استشهاداً دالاً لشكري عياد يقول فيه الأخير: (كنتُ منذ أواخر الأربعينيات أتطلع للتغيير وأميل للاشتراكية، (وقد قرأت... ماركس ولينين وستالين).. ورغم وطنيتي المصرية الضيقة أعشق شعر المتنبي.. ومع ذلك كله كنتُ مسلماً صحيح الإيمان، فلم يكن قلبي ليطاوعني، مهما عربد الفكر، على التجديف). يقرأ البازعي في هذا الاستشهاد قلق الأصالة. لكن هل هذه هي القراءة الوحيدة الممكنة؟ أليس لنا أن نقرأ فيه وعياً ممزقاً تشكل أثناء الاستعمار الإنجليزي لمصر (عياد مولود في عام 1921م؛ أي في أعقاب ثورة 19) ما بين وجدان معبَّأ ب(القيم) الوطنية والعداء للاستعمار ووعي منبهر بالفكر الغربي وبإنجازاته الحضارية؟ من هنا يكون التحصن اللاواعي باللغة العربية والتراث هو بمثابة آلية دفاع نفسي تجاه الصدمة الثقافية، وتقييم علاقة الأنا بالآخر.
هذا تفسير محتمل لموقف شكري عياد لا يورده البازعي ولا يورد استشهادات تؤكد التفسير الثاني من قبيل: (فرنسة البلاد العربية أو نجلزتها أو أمركتها، وكل هذه الفعللات سائرة منذ أكثر من نصف قرن على خير ما يسر العدو ويكمد الصديق... تأوربت الملابس والبيوت والعادات) أو (اللغة هي المستودع الأمين لحياتنا الروحية، ونحن اليوم نتوه في هذا المستودع ونكاد نشعر فيه بالاختناق.. هل كان يمكن أن نثبت لهجوم الحضارة الغربية قرابة قرنين لولا هذه القوة الروحية؟) أو (أن رائحة الغاز تعلن عن نفسها فنفتح النوافذ لننجو من الاختناق: لكن ما رأيك فيمن يموت مختنقاً برائحة الورد؟).
هذه الاستشهادات التي أعتذر عن طولها، بلغتها المتشنجة قليلاً وإيحاءاتها الكارثية، تعزِّز التفسير الذي قدمناه أكثر مما توحي بقلق الأصالة. لكن الاستشهادات تقول دائماً نصف الحقيقة، بما في ذلك استشهادات البازعي لتعزيز آرائه التي يعتمد عليها البازعي كثيراً، وخصوصاً في الفصل الخاص بخصوصية السياق بشأن النظريات الغربية التي يقول عياد عن استقبالها ((نظريات) شأنها شأن جميع النظريات التي تلقيناها ولا نزال نتلقاها عن الغرب ونسلم بها تسليم البلهاء). فيبدو أن رفض شكري عياد للبنيوية (الذي يثبت البازعي، وإن بتسامح، خلطه ما بينها وبين التفكيكية) ورفضه للحداثة العربية مع اعتماده في نقدها على من انتقد الحداثة من الغرب على طريقة (انظر أين أدَّت بهم حداثتهم؟) هو في مجمله رفض للآخر الغربي القوي والمنتصر حضارياً، دون أن يعي شكري عياد أن في استشهاده بالغرب لنقدهم تناقض؛ إذ يجعله في خانة المستقبل لنقد الآخر لنفسه، فكيف يأخذ على الآخرين استقبالهم للنظريات الغربية؟ وهو ما يقع فيه البازعي نفسه؛ إذ في احتجاجه على التفكيكية وعلى ديريدا يلجأ البازعي إلى آراء لمفكرين غربيين حول ديريدا، لينتصر بذلك على أنصار ديريدا في العالم العربي الذين أساؤوا فهمه على أي حال وأغفلوا جانباً مهماً من تكوينه، وهو (يهوديته)!!
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
مداخلات
الثالثة
مراجعات
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved