الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 10th October,2005 العدد : 126

الأثنين 7 ,رمضان 1426

للحب منطق خاص به.. عجز المنطق نفسه أن يفهمه
تعقيباً على ما ذكره الأستاذ سعيد الدحية الزهراني تحت عنوان (الحب قضية هامش) في العدد 121 فأعتقد أن مبدأ الحياة (العيش) على الوصف، وعشق كل ما يوصف لنا قبل أن نراه أو نشعر به، هو أمر فطري في النفس البشرية ولا يختص بفئة أو أمة معينة دون أخرى، فكما قيل (الأذن تعشق قبل العين أحياناً).
فنحن نعيش بالوصف ومن خلاله عالماً آخر يصعب علينا أن نعيشه مع الموصوف أو فيه حقيقة. على سبيل المثال لا الحصر: وصف الله تعالى جنة الخلد في القرآن الكريم والسنة المطهرة وما وُعِد المتقون فيها - مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر - فعشقناها ونحن لم نرها، فهل يا ترى هذا العشق من خلال الوصف خاص بهذه الأمة فقط، أو بأمة معينة، أم أن كل من عاش على البسيطة وسيعيش قد عمل من خلال هذا الوصف؟
أيضاً وُصِفت لنا الكثير من الحضارات والثقافات والآثار السابقة في الأمم الغابرة، وقرأنا الكثير مما قيل عنها، فتشوقنا إلى رؤيتها ومعرفتها وعشنا على وصفها أياماً وسنين عديدة؛ نأمل أقرب الفرص للوصول إليها والوقوف عليها حقيقة؛ لما تحمله من روعة التصميم وخلاصة الفكر الإنساني.
وأما كوننا مجتمعاً يعيش على الوصف في الأمور الحياتية والمفاهيم الإنسانية عامةً، فهذا لا يعتبر وصفا بقدر ما هو تفسير وشرح لأمور مفاهيمية بحتة.
فالفضيلة - كما ذكر الكاتب - لا يمكن وصفها بشيء مفهوم، وإنما يتم تفسيرها وتعريفها وشرحها ولا يمكن الوصول إلى معناها الصحيح إلا بالتطبيق المباشر على صعيد الممارسة الحياتية.
إذن الحياة على مبدأ الوصف ليست قضية تخص مجتمعاً بعينه، وإنما هو أمر فطري جبلت عليه النفس البشرية والسلوك الانساني عامةً.
أما بالنسبة إلى المحور الأساسي الذي من أجله عمدت إلى كتابة هذا التعقيب، فهو قضية الحب ونعته بالهامشية بين متون الحياة. أعتقد أن هذه الرؤية خاصة بالكاتب، وأخالفه تماما فيها لما تحمله من تشاؤمية غير مبررة، فهو بمقولته تلك قد أنكر شيئاً وجودياً مثله كمن انكر وجود الشمس في وضح النهار، بل أنكر نعمة من أجل النعم التي وهبها الخالق وغرسها في قلوب خلقه ألا وهي الحب.
كيف يكون الحب ترفاً!؟
ومن أي قاموس من قواميس الكاتب استعار هذه اللفظة وفاجأنا بها!!
الترف كما اعرف يكون حكراً على الأغنياء دون الفقراء.
هل يعني ذلك أن الحب أصبح ممارساً في حياة الأغنياء وحلماً بعيد المنال عن الفقراء؟ أم هو بضاعة لا نجدها متداولة إلا عند الأثرياء؟
لو دققنا النظر لوجدنا أن أكثر الناس حبا وصدقا وإخلاصا هم اولائك الفقراء او قل (اغنياء الذوات) ان صح التعبير.
لو كان الحب ترفا - كما ذكر الكاتب - لوجدنا العديد من الأشخاص لا يعترفون بهذا الحب ولا يلقون له بالا، وهؤلاء هم أناس مكابرون يدعون المثالية، وينكرون شيئا في دواخلهم بل صلبا في صفات النفس البشرية ألا وهو الحب.
لذلك من وجهة نظري فالترف حقيقة في هذه الحالة هو وجود الحب في حياة الشخص وإنكاره أو تجاهله بكل صوره، مكابرة وإقناعا للنفس بعدم الموجود.
لا أعلم ماذا قصد الكاتب بقوله (الحب بمراحله ومراتبه المختلفة) فإن كان يقصد العشق والهيام والولع والوجد... الخ، فهذه كلها تندرج تحت معنى الحب وما ينطبق عليه ينطبق عليها.
وأما ان كان يقصد أنواعه فهل يعني أن حب الله تعالى ورسوله -صلى الله عليه وسلم- هو نوع من الترف والعياذ بالله!.
أم أن حب الآباء والأمهات لأبنائهم والعكس هو نوع من الترف؟.
أو يقصد الحب في الله والإسلام؟.
أو قصد حب الزوج لزوجه والعكس.. بأنه نوع من انواع الترف!!!
خير خلق الله - صلى الله عليه وسلم -كان يحب خديجة أكثر من بقية نسائه رضوان الله عليهن جميعا وكان يقول في ذلك (اللهم هذا قسمي فيما أملك - أي النفقة والعشرة والكسوة - فلا تلمني فيما تملك ولا أملك - أي الميول القلبي).
كل هذه الأنواع من الحب مقرها وموطنها القلب، فأي نوع منها قصد الكاتب؟؟
أكان يقصد الحكايات الغرامية والعلاقات العاطفية بين شباب وشابات هذا الزمن - اعتقد أنها بيت القصيد - وهذا أمر لا نستطيع بحال من الأحوال أن نخرجه من دائرة الحب ما دام أنه يسكن نفس المكان الذي تسكنه الأنواع السابقة ولا نستطيع أن ننكر وجوده في كل المجتمعات، فهو حب له طقوسه وله صفاته ومعاناته وسعادته وهو على أي حال لا يعد ترفا لأنه خارج عن إرادة الإنسان كامن في قلبه لا سبيل له لمنعه، ما دام أنه حب عذري لم يخرج عن غايته العذرية إلى الميول الجنسي والحب من أجل هدف معين ينتهي بقضاء ذلك الهدف، فإذا وصل إلى هذا الشيء فهو حب زائف لا حياة له ولا قيمة ولا يتعدى كونه أكذوبة لا تتعدى الحناجر.
أتفق مع الكاتب أن تطبيق هذا النوع من الحب - العذري- في مجتمع محافظ كمجتمعنا هو شيء في غاية الصعوبة بل هو على حد قول الكاتب جريمة لا تغتفر، فالمشكلة ليست في الحب ذاته وإنما في طريقة تطبيقنا وتصورنا لهذا الحب وفي الفهم أو محاولة الفهم الخاطئ له، ولعل الكثير من الأمور التي لا تحمد عقباها كان سببها التطبيق العبثي لمعنى الحب واعتباره غاية لا هدفا نبيلا تسمو معه الحياة وتستمر تحت ظله.
إذن تطبيقنا لهذا الحب هو الذي حوله إلى هذه الجريمة وجعل منه هامشا حسب - مقولة الكاتب - وثانويا لا يرتقي إلى المتن او الأساس في الحياة، إن ممارسة الحب على غير مبادئه السامية هي الذنب وهي وصمة العار التي لا يمكن محوها ليس في مجتمعنا المحافظ وحسب بل في كل المجتمعات.
ونضرب مثلا لخروج الحب عن غايته وتحوله بذلك إلى حالة من الجرم بحب (السادية) أي التعبير عن مدى الحب ومدى التعلق بالمحبوب بتعذيبه والتلذذ بذلك العذاب كدليل على عظمة هذا الحب ومدى تمكنه من القلب، بجل ما ينطلي عليه هذا النوع من الحب من ممارسات يرفضها العقل والفطرة السليمة.
اختم كتبي هذا قائلا إن ثقافتنا العربية مليئة بالأدلة والشواهد على جمالية هذا الحب وسموه، وما كان من نتاج الشعراء وقصص المحبين لهو خير دليل على صحة ما نقول، والاحالة لمن اراد لن تتجاوز كتاب (روضة المحبين ونزهة المشتاقين) لابن القيم الجوزية إلا إلى كتاب (طوق الحمامة في الألفة والألاف) لابن رشد الأندلسي.
الحب نعمة من نعم الله في الأرض سعادته في سموُّه،وجحيمه في دنوُّه.
ويبقى القلب فيصلا وشاهدا وحيدا على صدق الحب وحقيقته.
ومهما كان من تنظير وتأصيل حول الحب وتداعياته وأدبياته فهي لاتخرج عن كونها محاولات خجلى تنحني امام المقولة الشهيرة.. (للحب منطق خاص به.... عجز المنطق نفسه أن يفهمه)


أحمد آل مهدي - أبها
Falconer2001@hotmail.com

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
مداخلات
الثالثة
مراجعات
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved