الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 10th October,2005 العدد : 126

الأثنين 7 ,رمضان 1426

نص
الهمُّ العربي
أبو طالب القيسي
سألني: لماذا لا تكتب عن الهم العربي
وتترك توجهاتك الغرامية والعاطفية
التي لا تسمن ولا تغني من جوع؟!
وفي الحقيقة كل الحق معه
ليس معي قلم سحري أصلح به مساوئ العالم أجمع
ولا أملك صوتاً جهورياً ما دام المواطن العربي لا يسمع
أنا أرى عبر الشاشة الفضية
وأقرأ ما في الصحف اليومية
وأطالع عن طريق الإنترنت
وأسمع ما يبث في الإذاعة
كيف حال الأم الثكلى في العراق
التي ليس بيدها إلا أن تدمع؟
وكيف أطفال الحجارة في فلسطين
يقاومون بأيديهم قوة المدفع؟
وكيف تحاول أمريكا المتسلطة
تمريغنا في الوحل والمستنقع؟
وكيف القارة السمراء إفريقيا
تشرب الفقر المدقع وتتجرع؟
كثيرة هي الآلام والمواجع
من فرط ما مرت على عروبتنا
تكاد تمشي معنا في الشوارع
وكأنها علينا ضريبة يجب أن تدفع
نحتسيها مع قهوتنا لتعديل المزاج
أو الشاي الأخضر أو الأحمر أو الأصفر المنعنع
تقعد معنا تتفرج على التلفاز
مؤدبة لا تثير صخباً ولا ضوضاء
إلا إذا رأت خبراً عاجلاً
تفجيراً مدوياً هزَّ الأمة العربية
أو قراراً من البيت الأشد سواداً
يسمح لليهود مزاولة الاضطهاد المُشرع
دفاعاً عن أنفسهم وعن أرضهم
مكتوب بآهاتنا المهملة وبدمنا موقع
حرباً على الإرهاب الذي أتينا به
وتقديراً للجهد الخارق من شارون الضفدع
أو احتلال بلا سبب لحدود الأوطان
أو اعتقال أو قتل أو سحل أو مصرع
لن نسلم منها أبداً أو نلغيها
تدخل إلينا من تحت الأبواب والنوافذ
من مسامات جلدنا وأكسجين هوائنا
صارت تأكل نصف غدائنا وعشائنا
نقوم بغسل أيدينا وأفواهنا وأطباقنا
فنلمحها على رغوة الصابون تلمع
كيف الفكاك منها يا صاحبي الناصح؟
وهي شريكة لنا في سُرر النوم والمضجع
في شمغنا وثيابنا المرصوفة في الدواليب
وفي لحفنا ومناشفنا وسقف غرفنا
حتى في لحظاتنا الرومانسية الهادئة
بعيداً عن الواقع ونحن نشعل الشمع
لها النصيب الأكبر من أحاديثنا
حضورها دين على ألسنتنا الوفاء به
أجادِّين كنا أو نتسلى بشيء لا ينفع
تلاحقنا في كل زمان ومكان
شغلها الشاغل الإمعان في إحباطنا
نخرج إلى أعمالنا فتسبقنا للمكتب
ما أقوى جلدها وصبرها لا تتزعزع
كالقيد الرسمي مدونة في كل المعاملات
حفظت أوقات حضورنا وانصرافنا وغثانا
تجيء في وجوه المراجعين المتمللين
والباحثين عن وظيفة مرموقة كالمدير
وتبقى تلوث أعصابنا كدخان المصنع
في جميع الدوائر الحكومية والأهلية
في السلك العلمي والطبي والمدني والعسكري
لا قناعة لديها ولا يعجبها أي مطمع
حتى في المطارات الدولية والإقليمية
تكون هي المضيفة الجميلة والركاب
والكابتن الطيار إذا هبط بطائرته أو أقلع
في المستشفيات والمستوصفات هي الدكتور
في الاستراحات والشاليهات هي الأنس
في البر ورحلات القنص هي (شبه النار)
والدلة والخيمة وبال (المهتوي المولع)
نقود سياراتنا آملين الخلاص منها
ما أن نتحرك قيد أنملة من موقفنا
إلا وتظهر لنا على الأرصفة وفي الممرات
وعند إشارات المرور تشحذ وتتسكع
ما جدوى يا صاحِ لو كتبت وصرخت
لكي ينشأ أطفالنا بكرامة شماء
يضمدون جراحنا وينفعون المجتمع
تقف معهم في الطابور الصباحي
وتجلس على كل طاولات الفصل
فإن أهملها أحد وغطَّ في سبات
تسللت بسرعة إلى السبورة والطباشير
ليفهم البقية أنها من الذل لا تشبع
يجدونها في الفسح تشتري من المقصف
وفي الأسياب هاربة من بعض المدرسين
كلما استذكروا درساً جاءت لهم قاعدة
وكلما حلوا واجباً كانت لهم دفتراً
وكلما فتحوا كتاباً أصبحت لهم ترقيماً
حفظوها عن ظهر قرب وعاشوها
فلا حاجة لأحدهم أن يقسم ويطرح ويجمع
ما دامت النتيجة لن تأتي بجديد
فنحن أصفار عربية على شمال إسرائيل
التي لطلَّتها البهية أمريكا تركع
تصور هذا الشق في وحدتنا وآمالنا
في قممنا التقليدية التي تعقدها دولنا
واللقاءات المتكررة تبسماً للكاميرا
قل لي: كيف أحيط به وكيف أرقع؟
إن القارئ المنتمي للعروبة حقاً
لا يريد اجترار ضعفه ولا أن يتوجع
فالمريض همه يُشفى من سقمه
بأي حال وبأي تكاليف تكون
برُقْية أو أسبرين أو إبرة أو كي أو مبضع
لذلك تجنبت بقصدٍ هذا الهم اللذيذ
لأننا ولدنا ببراءة عليه ونشأنا عليه
كان غذاء في أثداء أمهاتنا لأجله نرضع
كبرنا نسرح ونمرح ونبتهج وهو معنا
ترعرعنا وبكل صفاقة وبجاحة معنا ترعرع
إلى أن تنجب أمتنا مثل صلاح الدين
أو خالد بن الوليد أو الفاروق أو القعقاع
فلا أنا ببغاء أعيد نفس المآسي
ولا أتلذذ بمضغ علكة انتهى سكرها
على حساب الشعوب العربية
حرفي لن يصل مداه لخدِّ بوش ويصفع
دعنا ندعو الله عز وجل
فهو القادر على الظلمة والمعتدين
وعن عروبتنا الفرقة والاستكانة يرفع
يكفيني هذا الشيب قد خاط مفرقي
أخشى إن تماديت فيما أكتبه
يتساقط شعري كمداً فأمسي أصلع!
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
مداخلات
الثالثة
مراجعات
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved