الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 10th November,2003 العدد : 36

الأثنين 15 ,رمضان 1424

قصة قصيرة
رحمه..؟!
بقلم: عبير عبد الرحمن البكر *
غريبة عن هذا الوطن.. لكني من أحد أبنائه أنجبتُ ثمانية..!! أولاد.. وبنات.. عربيتي المكسرة وملامحي السمراء.. وأهزوجة وطني الحزينة ماتت في شفاهي.. ونضبت .. مع صلابة بدوي أنجبته صحراء قاسية.. رضيت شظف العيش.. أكلت الفقر.. والتحفت الحاجة.. حفتني الجارة فاطمة بغداء.. وتصدقت تلك الأخرى جواهر بملابس أطفالها القديمة.. استقامت لغتي.. أتقنت اللهجة البدوية .. نسي أولاد الحي تلك الكنية القاسية لمعجب ابني «ابن الهندية..!!» وكبر عايض.. حتى وصل إلى حدود العشرين ربيعاً.
تحملت البدوي أن يضربني..
أن يكسوني نهار العيد ألفاظاً نابية وحروفاً حارقة..
تحملت البدوي أن يصنع من صبري صمتاً.
ومن صمتي لغة حنان وحب أخص بها اطفالي.. وحيث درجت «رفعه» أصغر الصغار للمدرسة فرحت وابتهجت ووقفت أطلب حقي البسيط أن يشتري لها حذاءها .. ومريولها المدرسي.. أهذه الخراف .. طار له حمائم.. ورفرفت علينا غربان الأسى.. أصر.. وتمسكت .. رفض .. أخذتها.. عزة.. وظننتها حلا.. طلبت أن أذهب لأهلي.. أين أهلي وأنا.. وركبت الطائرة.. عند درجاتها الأخيرة.. سلّمني ورقة بيضاء.. طابعها الرسمي.. وهيبتها.. وصلابة تقاسيمه.. ووهن أخلاقه.. فتحتها .. فنسيت أني جاهلة.. حروف الكلام لا أكتبها وسهام البدوي لا تخطىء وهي تكسر إنسانيتي وأمومتي.. وشراكتي معه في الحياة.. سلمتها لمن هي بجانبي بالطائرة.. طوتها وصمتت.. سألتني كثيراً.. عرفت من حوارها.. أنها ستنقل خبراً صاعقاً.. بالفعل انهمرت دموعها قبل حروفها قالت: يبدو أنه طلقك.
طلقني يا سيدي البدوي.. بشهادة كوَّنتها عشرون عاماً، غمرتني فاقة الأسى، عشرون عاماً ألجمتني طواحين الفقر والحاجة وصبرت، احتملت غربتي وذلي لك أيها البدوي وأنا أسكن منزلاً أكل عليه الزمان وشرب ربيت أبنائي وصبرت، خرجوا يحملون سيماء رجولة.. وحسن تربية لفتيات فيهن من ملامحي الهادئة «وتقاسيمي الجميلة».
ونسوة الحي يضربن في حيائهن وتفوقهن مضرب المثل..
طلقني عشراً طلقني مدداً طلقني أبداً.. لست عليك آسفة ولا لك عائدة..
طلقني ألفاً.. وملايين من الكلمات التي تركت عنها أنت بدائل كثيرات من الفاظ كأنها ما خلقت إلا لأنوثتي الذبيحة وسيدة كانت أمامك أبداً جريحة.. ونصيبها منك مرارة وعلقم وورقة ما تركتني غريبة.. جعلتني شريدة طريدة.. عن صغاري بعيدة..
حتى هذه الورقة الأسى..
ماذا تراني افعل بها.. كيف لصغاري أعود.
أنا.. أيها البدوي لك لا أحن.
لا أحمل لك أي سيماء وضاءة..
لا.. أحب لك أن أعود.. يكفي أن أكون أمَّاً.. «لهم» وأموت وأنا أمٌّ لهم..
++++++++++++++++++++++++++
*abeer@abeersite.com
++++++++++++++++++++++++++
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
كتب
مسرح
مداخلات
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved